تعلمون أن تركيا تريد شراء 40 طائرة مقاتلة من طراز (Blok-70 F-16) و80 مجموعة تحديث للطائرات الحربية F-16 من الولايات المتحدة الأمريكية. هذه الصفقة تبلغ قيمتها 6 مليارات دولار.
توجد حقائق تسهل وتعرقل إتمام هذه الصفقة. جرّت الولايات المتحدة، التي تعتبر صديقة وحليفة لتركيا، العلاقات بين البلدين إلى أسوأ نقطة في تاريخهما، وذلك عبر موقفها من قضايا وملفات عديدة موجودة بين أيديهم لا يقومون بفتحها ولا يتعاملون بشأنها كقضية منظومة (S-400) الروسية وقانون مكافحة أعداء أمريكا من خلال العقوبات (CAATSA) و طائرات F35 و وإيوائها للإرهابي غولن ومساعدتها لمنظمة بي كا كا الإرهابية وتنظيم غولن الإرهابي وموقفها التحريضي من ذلك.
بالمقابل، هناك “مغازلات سياسية” في الفترة الأخيرة. كإطلاق الآلية الاستراتيجية التركية الأمريكية.
وعلى الرغم من أن التوقعات الملموسة لمخرجات الاجتماعات الاستكشافية بين تركيا واليونان تشير إلى أنها ضئيلة، حيث عُقدت ثلاثة اجتماعات، إلا أنها حظيت بترحيب أمريكي وهناك آمال كثيرة معلقة على تلك الاجتماعات.
زادت المحادثات بين تركيا وأمريكا على المتسويين المتوسط والمنخفض، حيث أصبحت واضحة بالتزامن مع الظروف التي تسببت بها الأزمة الأوكرانية، ومن بين تلك المحادثات زيارة فيكتوريا نولاند، (السيدة الثانية) وممثلة الحرب الأوكرانية منذ 2013-2014، ومستشارة وزارة الخارجية الأمريكية المسؤولة عن الشؤون السياسية إلى تركيا ولقاءات السيد إبراهيم قالن مع نظيره مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، الشبه دورية، وتبادل الأسرى بين روسيا وأمريكا (تحت رعاية تركية) كانت من أبرز أعمال الفترة الأخيرة. وأخيرًا الزيارة التي سيجريها وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو للولايات المتحدة الأمريكية في 18 مايو/أيار من الشهر الجاري.
وبالتأكيد، تعتبر السلبيات هنا متقدمة على الايجابيات، ولكن هناك حقيقة يجب الإشارة إليها هي أن العلاقات التي تتقدم بتحفظ قد زادت من حيث كميتها وخاصة بعد انتخاب الرئيس بايدن، وقد يبدو من الصعب تقييم طبيعة تلك العلاقات وخاصة بعد نشوب الحرب الأوكرانية.
وفي الحقيقة الأمر لا يتعلق بأي من هذا. والسؤال أو المشكلة هو أن مستوى التوقعات لدى أنقرة وواشنطن لهذه المرحلة من العلاقات بين البلدين معروفة. لكن ما هو مرادهم؟
الولايات المتحدة الأمريكية: هل تركيا هي نوع الحليف الذي توقعناه؟
من الواضح أن العلاقة بين موقف وقيمة تركيا في الحرب الأوكرانية والطلب على طائرات F-16 توفر فرصًا محتملة لكلا الجانبين لإنشاء معادلة “أنقرة/واشنطن”. ولكن إلى أي مدى؟
الرسالة التي أحالها البيت الأبيض إلى مجلس الشيوخ في جوابه على مسألة بيع مقاتلات F-16 إلى تركيا بالطبع هي رسالة مهمة وقد تؤثر على قرار أعضاء الكونغرس الأمريكي الذين يمتلكون سلطة القرار بشأن هذه الموضوع. وبالطبع هذا الأمر لا يتم بسهولة.
وتشير التحليلات والقراءات الغربية حول هذه القضية إلى أن دعم قرار بيع مقاتلات F-16 إلى تركيا يعتمد على دعم تركيا المتواصل لأوكرانيا وأن مثل هذا الأمر متوقع في نزاعات إقليمية وعالمية أخرى. ومن الواضح أن تركيا حتى الآن ليست على المسار الصحيح بالنسبة لهم. ويبدو أنهم غير مرتاحين من ذلك. وسيقبلون هذا المسار آيًا كان حتى لو كان لا يناسب وجهة نظر الولايات المتحدة.
هذا ليس مفاجئًا. كما قلنا، هناك إمكانية لأن يستمع أعضاء الكونغرس المعنيين إلى اقتراحات وتوصيات البيت الأبيض بشأن الامتناع عن عرقلة بيع طائرات F-16 لتركيا حتى أن من بين التحليلات التي تحدثنا عنها هناك وجود تصريحات مباشرة بأن أعضاء مجلس الشيوخ يؤيدون هذا الاتجاه.
وبنفس هذا الاتجاه الذي تحدثنا عنه، هل يتوقع من أنقرة أن تقدم على اتباع سياسات أكثر من الخطوات التي اتخذتها باعتبارها صاحبة مصلحة في عمليات الناتو الطبيعية؟ وهل يطلب منها إعادة ترتيب علاقاتها مع روسيا بما يتوافق مع التوقعات الأمريكية؟
هل لديهم نفس التوقعات (في سياسات تركيا) بشأن سوريا والعراق والبحر الأبيض المتوسط وأذربيجان وأرمينيا وباكستان وأفغانستان وحتى (سياسة تركيا) بالقضايا العالمية كالصين مثلًا؟
لنذهب في موضوعنا أبعد من ذلك. سيكون هناك الكثير من الجدل الذي سيثار حول موقف أنقرة إزاء خطوة فنلندا والسويد بتقديمها طلبًا للانضمام إلى الناتو في منتصف مايو/أيار من الشهر الجاري.
قال السيناتور بوب مينينديز، المعروف بعدائه ومناهضته لتركيا : “علينا أن نقرر ما إذا كانت تركيا هي ذلك الحليف الذي نتوقعه في الناتو (أي الولايات المتحدة)، لأنها تعمل بطرق تتعارض مع مصالحنا في أغلب الأوقات”. وأضاف أنه “يتوجب على إدارة البيت الأبيض التوقف عن رؤية تركيا كما يريدون رؤيتها وأن تفهم أن تركيا تخضع لإدارة أردوغان”.
مينينديز يقول ذلك أثناء حديثه عن طائرات F-16 لكن الجمل الرئيسية هي كالتالي، “هذا النوع من الحليف في الناتو الذي نتوقعه” و “تركيا تحت قيادة الرئيس أردوغان” .
نحن نعرف أن المقصود بعبارة “النوع من الحلفاء في الناتو الذي نتوقعه تعني أنهم يريدون أن تعود تركيا القديمة. وهنا لا تتعلم الولايات المتحدة من العبر و الدروس ولا تفهم بإصرارها هذا ولا تستطيع حتى رؤية ذلك. أمريكا تريد أن تعود تركيا صغيرة ولا يعرفون أن الآن موجود “تركيا العظمى” .
لا ينتهي حبهم لأردوغان!
التطورات الجديدة والمعتدلة في العلاقات الأمريكية التركية تشير إلى أن رغبات وأهداف الجانبين مختلفة وإذا لاحظت تركيا ذلك فلا يوجد هناك أي مشكلة لأنه ليس من الممكن تقديم تنازلات لما تريد أمريكا رؤيته عند النظر إلى تركيا.
لا يوجد أي مشكلة إذا كان لدى تركيا نية في إدارة وتوجيه بعض القضايا مع أمريكا مثل طلب طائرات “إف 16” لتعويض طائرات “إف 35” إلى أن تصبح الطائرات المقاتلة المحلية جاهزة وتحصيل العجز والتعويض المالي من مشروع طائرات “إف 35” (لا شك أنهم سيغضون الطرف على ما تبقى من هذا المشروع) وإذا كانت النية أيضًا للحفاظ على الخط التجاري و الاقتصادي مع الولايات المتحدة كما هو الحال مع كل دولة وأن تركيا قادمة على إجراء انتخابات، وتضييق الهجوم على عقلية إسقاط أردوغان والتي تعتبر الفكرة الحقيقية لواشنطن.
ولكن دائمًا ما يدور في ذهني، “صورة تركيا لدى أمريكا تتغير” ، لا، “الضوء الأخضر من الكونغرس الأمريكي”، دون أن ندوس على ألغامها أو نتضرر منهم.