وبكل تأكيد عندما سقطت مدينة حلب في الأشهر الأخيرة من سنة 2016 حُسم مصير الحرب في سوريا نوعًا ما، فهل كان ذلك الصراع قضية خاسرة أو أنه تم تأسيس جغرافيا جديدة في المنطقة؟
وبالتزامن مع هذه النهاية المؤسفة كانت تركيا تتعرض لحصار داخلي وكان تأثيره كبيرًا جدًا، حيث لم تستطع تركيا اتخاذ خطوات إزاء ما حدث في سوريا حينها، وذلك بسبب التهديدات التي كانت تأتي من قوى التآمر الداخلي ومن تنظيم ي ب ك/ بي كا كا الإرهابي.
وعلى الرغم من كل تلك الأحداث، إلا أن تركيا أثبتت أنها لن تركع واستطاعت إفشال الحصار الداخلي في ليلة الانقلاب الفاشلة 15 يوليو/تموز2016.
وبعد 15 يوليو/تموز تخلت تركيا عن موقفها الدفاعي في سوريا وأطلقت عملية درع الفرات بعد أربعين يومًا، حيث كانت حينها الأحداث تمشي بوتيرة سريعة لا تصدق. وأظهرت تركيا أن الحرب السورية قضية بقاء بالنسبة لها.
وجهت تركيا الضربة الأولى لمشروع بناء الممر الإرهابي على حدودها عبر عملية درع الفرات ولكن بنهاية سنة 2016 سقطت مدينة حلب. وبنفس تلك الفترة (بعد عملية درع الفرات) شهدنا تأسيس الجيش الوطني السوري، وذلك أثناء عملية نبع السلام.
وشكلت تركيا مناطق عمليات درع الفرات ونبع السلام رغمًا عن إيران والإمارات العربية المتحدة وفرنسا والولايات المتحدة وبكل تأكيد رغمًا عن بريطانيا وروسيا.
إذن، ما الذي أحرزته تركيا في الشمال السوري؟
أُسست أيديولوجية القومية العربية على يد الانفصاليين العرب الذي قام جمال باشا بإعدامهم سنة 1916 وازدادت القومية العربية من خلال الأحداث المنفصلة عن السياق التاريخي ضمن الوحدات الإدارية التي أنشأها الانتداب الفرنسي والبريطاني بعد تقسيم الدولة العثمانية.
قامت السلطات الانتدابية بتزييف الحقائق في حادثة جمال باشا وأعادوا استغلال الحادثة بغاية جعل القومية العربية موجهة لمعاداة العثمانيين والأتراك.
كان العمود الفقري للجيش السوري حينها يتكون من ضباط تدربوا في المدارس الحربية العثمانية، ومع ذلك ليس من السهل تحديد مجرى التاريخ. وكان القائد (يوسف العظمة) الذي حارب ضد فرنسا في معركة ميسلون ابن عائلة تركية من محافظة دمشق.
كان من الضروري أن نحكم من وجهة نظر خارجية من أجل القول بتشكل العداء بين القومية العربية والتركية في جميع أنحاء الجغرافيا بشكل عام ومع ذلك كانت القوة بأيدي العرب الذين وكانوا ينفصلون تباعًا عن السلطنة العثمانية.
من خلال سياقات القرن الماضي نستطيع أن نفهم المشاكل التي لحقت بالسوريين المتواجدين في تركيا. فالقوات التي كانت تحارب في هذه المنطقة سنة 1916 لم تكن تركية ولا عربية وحينها كنا نواجه فرنسا وبريطانيا. وبالنظر إلى قضية اللاجئين السورين في تركيا ضمن مفاهيم القوميتين التركية والعربية، وكراهية الأجانب والأقليات والمهاجرين واستيعاب التعايش ومشاكل التأقلم والتغير الثقافي، سنكون بهذه الحالة ابتعدنا كل البعد عن المشكلة الرئيسية. وبدلًا من النظر في تلك المفاهيم، علينا النظر في التدخلات العسكرية التي منعت حلم إنشاء منطقة عازلة بين البحرين، بما في ذلك في الشمال السوري، وهنا سيكون واضحًا أن هذا الشيء ليس بعيدًا عن الواقع الذي حدث قبل مئة عام وسنفهم بهذه الطريقة جانب المشاكل التي يعانيها السوريون بشكل أفضل.
لنتكلم بوضوح، فقد شُكلت فكرة جغرافية جديدة في الشمال السوري بعد سنة 2016. والمنازل المبنية من الطوب والتي أُنشئت في مناطق العمليات تشير إلى أن هناك مرحلة جديدة للسوريين الذين ما زالوا يعيشون في تركيا.
كما شهدنا أنّ هذه المنازل قد تم بناؤها على رغم من أعمال التنظيمات الإرهابية وأوروبا والولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل وإيران وروسيا وبعض الدول العربية.
وبهذا كان على تركيا أن تواجه جميع القوى العظمى اليوم كما فعلت قبل مئة عام. كما يجب أن نعترف أيضًا أن الجيش الوطني السوري لعب دورًا حاسمًا في هذه الفترة.
حدثت تغيرات كبيرة جدًا في جميع أنحاء تلك الجغرافيا منذ بداية الحرب السورية لذلك يجب أن نعترف أننا الآن في مرحلة جديدة، إذ لم تدخل منطقتنا الجغرافية في حقبة جديدة من التفكك على الرغم من كل التدخلات الأجنبية التي شهدتها المنطقة.
إن ملايين السوريين يعيشون في تركيا. وإذا قمنا بمقارنة أحداث الهجرة من القوقاز والقرم والبلقان والأناضول مع قضية وجود السوريين في تركيا لن نتوصل إلى نتائج صحيحة وسليمة. لأن هذه المرة الأولى التي يحدث فيها مثل هذا النزوح الكبير.
ولا أشك أبدًا أن جزءًا كبيرًا جدًا من السوريين الخاضعين للحماية المؤقتة سيرغبون في العودة الطوعية إلى بلادهم. ما هو المجتمع الذي تشكل منه الجيش الوطني السوري؟ بالطبع هو جزء من هذا الواقع. وقد تم رسم تاريخ وأيديولوجية جديدان من خلال أحداث استمدت واقعها الذي كان قبل مئة عام. واليوم، أحدثت تركيا هزة جديدة أثَّرت في المنطقة بأكملها. ويجب أن ننظر أيضًا إلى ذلك على أنه خطوة نحو تحديد منطقة جغرافية جديدة.
سلجوك توركيلماز