قضينا عيد الفطر لهذا العام في ظلّ حملة تحريض ضد اللاجئين أُعدّت بشكل خاص لتغطي عطلة عيد الفطر.
كان من الملاحظ تأجيج هذه المسألة بشكل “مقصود وممنهج” يستغل توقيت عطلة العيد، حيث يكون الناس فيها أكثر انفتاحًا مقارنة مع باقي الأيام على تبادل الأحاديث والآراء.
وفي هذا السياق، طالعنا آراء صادرة عن خبراء تفيد بأن حملة الكراهية ضد اللاجئين لم تتطوّر بشكل عفوي، بل رعتها وغذّتها وحدات استخبارات أجنبية نظرًا للجهات الفاعلة في هذه الحملة، وطريقة انتشارها وكذلك توقيتها.
أوليس هناك أطراف ودول من الشرق إلى الغرب يسعون بترقّب من أجل الضغط على السلطة في تركيا، لا سيما في ظل اتخاذها قرارات حاسمة بشأن مختلف القضايا الحساسة في الآونة الأخيرة؟ بالتأكيد يوجد.
اتصال وثيق، وموقف حازم
لقد رأينا كيف اتبعت الحكومة آلية اتصال شفافة ومؤثرة في مواجهة حملات التحريض مؤخرًا. فلم تظهر الحكومة في موقف متعثر أو متخبط.
وبهذه الطريقة، نجحت الحكومة في تجسيد فارق ما بين الصورة الحقيقية والبيانات الصحيحة، وما بين المعلومات المغلوطة والمصطنعة.
على سبيل المثال:
لم تشهد أعداد اللاجئين السوريين ارتفاعًا يُذكر خلال الأعوام الخمس الماضية، وذلك بفضل العمليات التي خاضتها تركيا على الأراضي السورية.
الأرقام التي تتحدث حول وجود 8 أو 10 ملايين لاجئ هي مجرد مبالغة وتضخيم.
لا يتقاضى السوريون رواتب تُصرف من خزانة الدولة، بل يتقاضون مبالغ صغيرة يموّلها الاتحاد الأوروبي لمصاريف المعيشة.
يوفّر السوريون لقمة عيشهم بأنفسهم، من خلال عملهم في أعمال معظمها ضاغطة.
ليس هناك تسامح مع المتورطين في جرائم، وفي هذا الإطار تعرّض 20 ألف شخص للترحيل.
لم يُمنح السوريون حق الدخول للجامعات دون امتحان، ولقد شاركت الجهات المعنية في هذا الإطار الرأيَ العام بالمعلومات الصحيحة والموثّقة.
في السياق ذاته، تابعنا حديث رئيس حزب الحركة القومية، دولت باهجلي، خلال كلمته في اجتماع الكتلة البرلمانية، أمس الإثنين، وقد سلط الضوء على هذه البيانات، قائلًا: “يزعم البعض أن عدد اللاجئين 8 ملايين، ويزعم آخرون أن عددهم 10 ملايين. وكلاهما محض هراء، فسجلّ الدولة واضح في هذا الصدد. وبيانات الدولة هي التي تعنينا في النهاية”.
إن الدوائر التي سعت لبث الفوضى بين الجماهير من خلال حملات التحريض ضد اللاجئين، كانت تترقب حابسة أنفاسها لردود الفعل التي ستصدر عن الحكومة.
كان أهم ما يريدون رؤيته هو الصورة “المتعثرة والمتخبطة” للحكومة.
كانوا بانتظار أية ردة فعل مترددة من الحكومة إزاء دفاعها عن اللاجئين، من أجل أن يزيدوا من جرعة هجومهم وتحريضهم في هذه المسألة.
لم يكن من الممكن إبطال مفعول هذا الفخ إلا من خلال تجسيد موقف حازم في الدفاع عن اللاجئين، وعدم الرضوخ لأجواء الكراهية.
وحينما اجتمع هذا الموقف الحازم مع آلية الاتصال الوثيق، سرعان ما انقلب السحر على الساحر وخرج المحرّضون خاسرين دون تحقيق غايتهم.
وفي هذا الصدد، نجد أن الموقف الواضح الذي اتخذه الرئيس أردوغان، ومن ثمّ دولت باهجلي، في وجه حملات التحريض ضد اللاجئين؛ قيّمًا للغاية.
لا سيما حينما تحدث الرئيس أردوغان في اجتماع “موصياد” الإثنين، بكلمات جسّدت قمّة الموقف الإنساني النابع عن ضمير فيما يتعلق بمسألة اللاجئين.
قال أردوغان: “بإمكان اللاجئين السوريين العودة إلى بلادهم متى أرادوا، أما نحن فلن نطردهم من بلادنا أبدًا. أبوابنا مفتوحة لهم، وسنواصل استضافتهم ولن نرميهم في أحضان القتلة”.
كذلك الرسائل التي صدرت عن دولت باهجلي في اجتماع أمس، كانت مهمة كذلك في هذا الصدد.
تحدّث باهجلي بلغة مهدّئة، محذرًا في الوقت ذاته من حملات التحريض، قائلًا: “يجب أن يكون معلومًا للجميع، أننا سندعم أيّ سياسة ستنفّذها الحكومة. لا يمكننا تسليم أي إنسان بريء لجلاده الذي ينتظره وبيده خنجر، ولا يمكننا أن نكون شركاء في هذه الوحشية”. مضيفًا: “بالنسبة لنا، فإن خطوة بناء منازل من الطوب خطوة في الاتجاه الصحيح”.
إن شروط عودة السوريين من تركيا إلى سوريا لا تتحقق إلا في المناطق التي جعلتها تركيا آمنة داخل سوريا.
ولو كان بمقدور السوريين الرجوع بالفعل إلى مناطق سيطرة النظام السوري، لعاد أولًا مئات آلاف السوريين الذين يعيشون في خيام من القماش وسط الثلوج والشتاء والوحل بإدلب قرب الحدود التركية؛ إلى منازلهم.
وبما أنهم لا يستطيعون أن يعودوا إلى منازلهم، فهذا يعني أن شروط العودة إلى مناطق سيطرة نظام الأسد لم تتحقق بعد.
إضافة لذلك، أريد تذكير من يعتقد أن دمشق هي أكثر المناطق أمنًا في سوريا، بأن هذه المدينة تشهد موجات هجرة جادّة منها بسبب الجوع وليس بسبب الخوف على الأرواح.
بعبارة أخرى، إذا كان من يعيش في مناطق نظام الأسد وتحت سيطرته وحمايته يتدافعون من أجل الهجرة من تلك المناطق بسبب الجوع، فإن إعادة من هرب من تلك المناطق بسبب الخوف على أرواحهم أمر لا يقبله سوى ضمير أصحاب حملات التحريض والكراهية ضد اللاجئين.