امرأة مسنة تجلس على المقعد لتستريح لأنهات تعبت من الوقوف والمشي. تشعر وكأن وجهها مألوف، حيث يمكننا جميعًا العثور على أثره في وجوه أمهاتنا وجداتنا.
وواضح أن هموم الدنيا التي عاشتها قد تركت أثرها في جميع خلايا وجهها.
هذه المرأة المسنة التي تعتبر بمثابة جدتنا وأمنا، كانت حالتها تدل على البراءة وواجبنا اتجاهها أن نقدم لها التقدير والاحترام والرعاية ونقبل يدها.
نظرتها الخجولة التي تغمر عالمنا، وتلك الدموع المحتبسة في عينيها الجافة نتيجة الخوف هي أكثر جرحًا ووجعًا من ألف صاروخ أطلقه أعداؤنا على هذا البلد.
العقلية القذرة التي فعلت ذلك بتلك المرأة البريئة والتي جعلتنا نشاهد ما حدث من خلالها، كانت تجرنا إلى الحضيض منذ زمن بعيد. إلى أي مدى ستبقى تلك العقلية في الحضيض وإلى أي مدى ستغرق وتبقى سفيهة؟
الأيديولوجيات التي تتعرض لمواقف واقعية، ولا تتمكن من التعامل مع تلك المواقف ولا من مراعاة امرأة أو مسن أو رجل أو طفل أو شخص معاق أو مريض، ستسقط وتزول، مهما كان محتواها ومطالبها.
وإن العنصرية أسوأ من أحط الأيديولوجيات لدى البشر، فهي في أدنى المستويات على الإطلاق، فهي سلوك لا وجود له حتى في عالم الحيوان.
الأشخاص الذين يحاولون تصدير هذا المستوى لأبناء هذا الشعب النبيل باسم الوطنية والقومية ويحاولون تسميم عقول الأبرياء من أبناء أمتنا بهذه الأيديولوجية القذرة، يجب أن يقرؤوا رسالتهم تلك من خلال عيون “ليلى محمد” ووجهها الذي حرقه الشمس والتقدم في العمر.
وإذا تمكنوا من العثور على شيء يفتخرون به باسم أمتهم مما يرونه في وجهها، فليخوضوا بجهلهم وضلالهم هذا الفخر الذي وجدوه كما يحلو لهم وليبقوا بعيدين عن هذه الأمة التي يزعمون أنهم ينتمون إليها.
ومن المؤسف أنه عندما تصبح العنصرية والعداء تجاه اللاجئين مادة سياسية، فهي تتجه نحو استفزاز وإنشاء وتعبئة جمهورها الخاص بها، حيث من الصعب توقع حدود ما يمكن أن تؤدي إليه هذه الاستفزازات وخاصة في بلد مثل تركيا الذي يستضيف عددًا كبيرًا من اللاجئين. فسياسة عداء اللاجئين لن تحل مشكلة اللاجئين، بل ستزيد من تفاقهما أكثر وأكثر، ومن المستحيل منع العار الإنساني والجرائم التي سيسببها هذا العداء من خلال فتح جروح لا يمكن شفاؤها.
وبدأنا نشاهد حالات متكررة كيف أصبح الأشخاص المتأثرين بالتحريض والعداء الخارج عن السيطرة ضد اللاجئين، يتبنون عدوانًا عنيفًا ضد الأبرياء والأطفال والمسنين وضد الأشخاص الذين لا حول لهم ولا قوة باعتباره عملًا بطوليًا.
ومن الممكن للأيديولوجيا أو السياسة، التي تصور متجر البقالة الأفغاني أو الكتابة باللغة العربية على واجهة المحلات أو على قائمة المطاعم، على أنها تهديد للأمن القومي، أن تدفع الحمقى من جماهيرها المخدرة لارتكاب كل أنواع الكراهية والوحشية، وهنا يقوم صغار أبناء أمتنا بتفريغ طاقاتهم مع الاستياء الأيديولوجي الذي تلقوه بركل امرأة مسنة على وجهها والتي يجب أن تكون بمثابة أمهاتهم.
وبكل تأكيد تعمل الأيديولوجية العنصرية وأيديولوجية عداء اللاجئين مثل عمل جميع الأيدولوجيات، وذلك من خلال تشويه الحقائق، وتحويل جمهورهم إلى “أدوات لا تفكر” لكي تجرهم إلى مثل هذه الأعمال.
ويروجون لفكرة أن اللاجئين هم سبب كل المشاكل التي نواجهها، ويحولون هذا الفكرة إلى هوس. لم يتبق في الوسط عقلية أو شخصية لمناقشتها لأنه لا يوجد شيء التحدث فيه إلى أشخاص تحولوا إلى آلة ردة فعل لأعمال الهوس تلك.
ولتاكيد أن أيديولوجيتهم تعتمد على تشويه الحقائق، كان السبب وراء تعرض ليلى محمد لهجوم وحشي من قبل شخص يدعى شاكر تشاكير أثناء جلوسها في حديقة بولاية “غازي عنتاب”، هو الكذبة القائلة بأن هناك أشخاصًا يختطفون أطفالًا متنكرين بلباس النساء الشرعي.
ولم يكن هناك شيء مؤكد يشير إلى أن هناك بالفعل مثل هذا الحدث أو أن أحدهم اختطف طفلًا أو أحدهم اُختطف طفله.
لكن هذه الرواية الكاذبة تكفي لإثارة بعض الشباب الذين تم تحريضهم على مثل هذه الأعمال مؤخرًا. وأن تتواجد امرأة سورية ومحجبه هذا يكفي لتحريض هؤلاء وتشريع تنفيذ مثل هذا الهجوم.
وبكل أسف، أصبحت الآن الاستفزازات العنصرية والعداء أكبر مشاكلنا. وأصبحنا بوضع تجاوز حد التعبير عن المشاعر المعادية تجاه اللاجئين لدى بعض الناس. قد يحاول السياسيون العنصريون اختلاق مبررات لأنفسهم من خلال ذلك. لكن سياستهم العنصرية هذه تحرض وتستفز وتنتج هذه الجماعات.
وتنعكس فوائد بطولات هذه الأيديولوجية الخطيرة والغير عقلانية على هذا البلد والأمة في وجه “ليلى محمد” البريء.
وإذا تمكنوا من العثور على شيء يفتخرون به في هذا الوجه، فليبتعدوا عن التاريخ المجيد لأجدادنا الذين يعتبرون مثالًا يحتذى به في الشهامة والشجاعة منذ زمن بعيد.
ملاحظة: تم إلقاء القبض على “شاكر تشاكير” نتيجة العمل الدقيق لقوات الشرطة وولاية غازي عنتاب. كما زار والي غازي عنتاب داوود غول المسنة ليلى محمد في المستشفى، بعد تعرضها للهجوم المروع، وأشار إلى أنه لن يسمح بارتكاب مثل هذه الأعمال الإجرامية. وأود أن أتقدم له بالشكر نيابة عن شعبنا الذي تميز بشهامته ورأفته ورحمته .
عرض التعليقات
الأحزاب السياسية التي تلجأ إلى معاداة اللاجئين والأجانب وتجعله ورقة ضغط سياسي تعاني من الإفلاس السياسي وإنعدام الرؤية واللاإنسانية ،
كما أن معاداة اللاجئين ستزيد الاحتقان المجتمعي وتهدد السلام الاجتماعي ولن تحل المشكلة وندرك أن تركيا الحضارة والشعب والقيادة بعيدين كل البعد عن تلك الأفعال المؤسفة فردية الطابع والطريق إلى حل مشكلة اللاجئين تمهد له الحكومة التركية بالفعل بصنع مناطق أمنة ومستقرة لعودة اللاجئين