مع دخولنا في الربع الأخير المتبقي للإنتخابات الرئاسية في “تركيا”،أعلن رئيس الجمهورية “رجب طيب أردوغان” نيته رسمياً خوض السباق الرئاسي ممثلاً عن “تحالف الشعب”، رغم أن الأمر بدا كإعلام ما يعتبر معلوماً مسبقاً، لأن “تحالف الشعب”، في الأساس، ليست لديه مشكلة في عضوية المرشّح الذي سيمثلهم، كما استخدم “دولت بهجلي”، الشريك في “تحالف الشعب”، عبارة “مرشحنا أردوغان”، في إحدى أحاديثه منذ فترة وجيزة.
ومع هذا لا تزال الحالة لدى “التحالف المعارض” غير واضحة الملامح حتى اللحظة، فنلاحظ ارتفاع وتيرة الخلافات لديهم بعد كل اجتماع سداسي يعقدونه بهدف اختيار المرشح الذي سيمثلهم.
بالفغل وضعهم الحالي ليس سهلاً إطلاقاً، إذ يعتبر تحدياً حقيقاً اختيار اسم واحد يمكن أن يتفق عليه الأعضاء الستة مجتمعين، وكما يبدو، فالحل الأمثل هو أن يترشح كل من الأعضاء الستة خلال الجولة الأولى، ومن ثم يتم اعتماد اسم المرشّح الذي حصل على أعلى نسبة من الأصوات، وإنما، رغم اعتباره خياراً معقولاً من الناحية النظرية ومن وجهة نظر الأعضاء الستة، إلاّ أن الحسابات ذاتها قد لا تتوافق بهذه السهولة والمنطقية أثناء التطبيق على أرض الواقع وبين الشعب، فاتفاق الشعب على اسم واحد ليس سهلاً كما هو الحال فيما بين رجال السياسة.
بدى طرح اسم “إكمال الدين إحسان أوغلو” في مواجهة “أردوغان”، منطقياً جداً بالنسبة لرئيس “حزب الشعب الجمهوري”، لكن الاسئلة التي طُرحت من قبل حاضنة الحزب الشعبية، لم تخطر في بال “قلجدار أوغلو” ذاته.
إذ أن جميع العناصر المتوفرة في المرشّح، والتي وجدوا فيها القدرة على أن تضعه في مستوى المنافسة، هي ذات العناصر التي يمتلكها “أردوغان” مسبقاً ويزيد عنها بأصالتها وواقعيتها أكثر، فهل الطريقة الوحيدة لإسقاط “أردوغان” هي بجلب شبيه له..؟؟
والقيام ذلك، سيؤكد لنا حقيقة أنّ أكثر خيار مثالي متوفر في السباق الرئاسي الحالي… هو “أردوغان”..
لا مهرب من “أردوغان”
لا يساوركم الشّك إطلاقاً في أنّ المرشح الذي ستختاره الطاولة السداسية، سيكون من أكثر الأشخاص شبهاً بأردوغان، وإن سرتم في هذا الإحتمال، ستجدون أنفسكم أمام عائق تمتعه بالأصالة والواقعية، وأن يكون صاحب شخصية مألوفة ومقرّبة من الشعب، إلى جانب أهمية أن يجتاز “أردوغان” في القوة التي يمتلكها…
فلا مهرب من “أردوغان” مهما حاولتم البحث ودراسة الخيارات المتاحة، وهو ما حوّل الأمر على أعضاء الطاولة السداسية إلى ما يشبه الكابوس فعلياً.
لا يستطيع “قلجدار أوغلو” في الآونة الأخيرة، كبح رغبته في أن يكون المرشّح، لكن ما يبدو عليه من تصرفات وردات فعل وما يفعله في خطاباته السياسية مؤخراً، ما هو سوى محاولة لتقليد “أردوغان” والتشبه به، فيتابع ما يفعله ويحاول التشبه بأسلوبه عندما يهاجم أو ينتقد، ورغم ذلك فإن حدود تقليده تتوقف عند حدود إمكاناته، فيظهر تقليده مبتذلاً وغير مقنع أو حقيقي لكونها حالة مؤقت لا أكثر.
لا تحتوي مسيرته على أية قصة نادجحة/ ولم يستطع تقدّيم أيّ دليل، حقيقي وموثوق، حول إمكانية تحقيق كل الأمور التي يعد بها باستمرار وفي كل مناسبة.
لكنه، وضمن الشروط الحالية، سيكون أكثر مرشّح يحصد الأصوات من بين أعضاء الطاولة السداسية إن تم اختياره من قبلهم، رغم أنّ شركاءه على الطاولة امتنعوا عن دعمه ومساندته، لأنهم لم يجدوا فيه المرشح المناسب، ويبدو أنّ جهوده لم تكن كافية في متابعة أساليب تعامل وتعاطي “أردوغان” في مختلف المجالات والأصعدة.
كونه علوياً ليست سوى حجة
إن وجهة النظر التي طرحها، منذ أيام، ” خليل إبراهيم أورال”، نائب البرلمان في أنقرة وعضو “حزب الجيد”، بقوله إن “قلجدار أوغلو” لن يلقى قبولاً من الوسط السني بسبب أصله العلوي، ربما هو اعتراف غير مقصود للناحية التي دارت حولها كثيرا سجالاتهم ونقاشاتهم في كل اجتماع دون أن يرغبوا في الإفصاح أو التحدث عنه بشكل مباشر.
ولا تكترثوا أو تعطوا أهمية كبيرة للاعتذارات التي قدمتها “أكشنار” وشركاؤهم الآخرون لاحقاً، لأن الجميع في حقيقة الأمر، يقدّم هذا الجانب من “قلجدار أوغلو” لدعم حجة رفضهم ترشيحه لمنصب رئاسة الجمهورية، فذلك يعني الحرمان من مساندة شريحة واسعة من الشعب، مما يشكّل عائقاً في الترشح والفوز، بحسب ما ذهبوا إليه.
بالرغم من عدم تعرضه، من السياسيين في “حزب العدالة والتنمية” بشكل خاص، لأي نوع من الانتقاد حول احتمالية التأثير السياسي لعلويته عليه، فعلى العكس من ذلك، اهتم “حزب العدالة والتنمية”، ومنذ البداية، بالهوية العلوية وضمان حرية التعبير لديهم، فكانت محوراً أساسياً من محاور سياسة الانفتاح التي تم اتباعها.
ربما كان حذراً في مسألة تضمين “بيت الجمع” ضمن الكيان العام لدور العبادة، لكنه دافع في الوقت ذاته في سبيل حصولهم على كافة الحقوق المرتبطة بحرية الإيمان وممارسة المعتقدات، شأنهم في ذلك شأن باقي المذاهب والطرق، ولم تكن مسألة إدخال مراكزهم ضمن كيان “دور العبادة” بهدف خلق أي شكل من التفرقة بقدر ما كانت إيجاده لطريقة فعالة ومؤثرة أكثر في مواجهة ذلك التفريق.
فقد اشترك في وجهة نظره حول اعتبار العلويين جزء من الإسلام، مع معظم العلويين الذين يؤكدون الرأي ذاته، ما جعله ينظر في مسألة دور العبادة على أنّها جزء من خطّة الساعين إلى طرح العلوية كدين آخر مختلف عن الإسلام.
“نيجدات سوباشه”، المعروف بعلاقاته الجيدة مع العلويين، كان واحدا من الذين اطلعوا بشكل مكثّف على كافة نتائج ورشات العمل التي تولى إقامتها بالتنسيق مع المتحدثين العلويين أنفسهم.
إذ لم يسبق للعلويين، طوال تاريخهم، أن خاطبتهم الدولة “بهويتهم العلوية” كما هو الحال في الوقت الراهن، في حين أنّ “حزب الشعب الجمهوري” لم يقم بضمّهم إلاّ بعد تجاهله للهوية العلوية التي يتمتعون بها.
ليست المشكلة في أن يكون “قلجدار أوغلو” علوياً، بل في كونه من “حزب الشعب الجمهوري”
وبهذا، فإن ما قام به “حزب العدالة والتنمية” في واقع الأمر، لم تكن سوى عملية توسعية أكثر للحالة الديمقراطية باتخاذ خطوات تهدف لبناء مجتمع يتساوى فيه جميع الأفراد مع تمتع كل منهم بحرية الإيمان والمعتقد، فجميع المواطنين في “تركيا” متساوون ضمن بلد ديمقراطي يستطيع الجميع فيه الاستفادة من كافة الحقوق التي منحت لهم من قبل الدستور، دون المساس بإيمانهم وهوياتهم أو حتى شخصياتهم، وبصرف النظر عن دينهم أو عرقهم.
لا تشكل الهوية العلوية لـ”قلجدار أوغلو” مشكلة إطلاقاً ليصبح مرشحاً رئاسياً، لكن إن أردتم التأكد من وجود مشكلة ما، فالأفضل هو البحث في كونه رئيساً لـ”حزب الشعب الجمهوري”
إن افترضنا استلام شخص آخر، باستثناء “قلجدار أوغلو”، لرئاسة “حزب الشعب الجمهوري” بصفته علوياً مثلاً، وليكن “دينيز بايكال” على سبيل الافتراض، هل كانت عضوية ترشحه ستكون بحال أفضل برأيكم؟، بالتأكيد لا، إذا فالمشكلة أساساً ليست في الهوية العلوية لـ “قلجدار أوغلو” بل في مستوى ما وصل إليه انحدار الحزب الذي يترأسه في نظر الشعب.
والسبب الآخر يكمن في خطابه السياسي وملفه الشخصي الذي لا يزال بعيدا جدا عمّا يحتويه ملف “أردوغان”، فافتقار حياته للنجاح وأنه لا يرى في نفسه الثقل الذي يمكن أن يخوّله إلى مستوى جعله منافساً أمام “أردوغان”..
باستثناء ذلك، فقدت شهدت المسألة العلوية أشكالا مختلفة من الانفتاح والتحول الاجتماعي اللافت، والذي لا يمكن إنكاره، خلال المرحلة التي تولى فيها “حزب العدالة والتنمية” بأقل تقدير.