تولى رئيس البرلمان التركي “مصطفى شنطوب” منصب رئاسة اللجنة الدستورية في البرلمان، من “ديسمبر 2016-يناير 2017″، أثناء إعداد الحزمة الدستورية التي تم التصويت عليها في الاستفتاء الذي جرى في 17 أبريل/نيسان 2017.
بمعنى آخر، أنه كان أوّل المطلعين على كافة النقاشات الحاصلة فيما بين ممثلي الحكومة من جهة والمعارضة من جهة ثانية، حول آرائهم بهذه الحزمة.
سألت “شنطوب”، خلال الحلقة التلفزيونية التي قدّمناها على القناة السابعة، الأحد الماضي، حول ما تثيره بعض أطراف المعارضة عن عدم إمكانية ترشّح “أردوغان” مرة أخرى، وأن الأمر لن يكون وارداً إلا في حال قرر البرلمان إجراء الإنتخابات.
وقد قال في تصريح سابق أنه سيكتب مقالاً بهذا الصدد وأن وجهة النظر هذه غير واردة من الناحية الحقوقية، فكان له ذلك، وبالفعل نشر المقال الذي تحدث عنه.
لكن “شنطوب”، وقبل الخوض في الجانب الحقوقي لتفاصيل الموضوع الذي كنّا بصدده في حوارنا التلفزيوني ذاك، شارك معنا حكاية طريفة:
“لقد تمت مناقشة جميع المواد حينها بإسهاب، وأثناء اطلاعي على مسار ذاك الجدال، لم أجد هذا الموضوع مطروحاً للنقاش إطلاقاً من قبل أيّ من المشاركين، على العكس تماماً، فقد كان هنالك خطاب مختلف تماماً عبّر عنه الأصدقاء في المعارضة”.
فما شكل الخطاب الذي لاحظته؟
“إنكم تمنحون “أردوغان” الفرصة للترشّح لثلاث مرات أخرى” كيف ذلك؟، أولاً، وبمجرّد دخول هذا التعديل الدستوري موضع التنفيذ، سيكون بإمكانه الترشّح للمرة الأولى، ومن ثمّ لمرّة ثانية، في حين أنّ الثالثة ستكون بقرار من مجلس النوّاب”، وقد صرّح زملاؤنا المفوّضون بذلك، لكنهم، وعلى ما يبدو، بنوا رأيهم وكأنّ مثل هذا الطرح لم يتم، أو أنهم لم يقبلوا بوجود هذا الإحتمال أساساً، وتصرفوا لاحقاً من هذا الباب والمنطلق.”
فكما تعلمون، بمجرّد أن يكون “أردوغان” محوراً لأي نقاش كان، ستتواجد في البلاد أيضاً أوساط قد تأخذك بالحوار إلى مناحٍ قد لا تمّت للموضوع الأساسي الذي تتناقشون فيه بصلة.
ولا تخلو هذه الأوساط من رجال قانون درسوا الحقوق عاشوا لعقود ضمن النظام القانوني للبلاد، وظهروا أمامنا لاحقاً بألقاب يقولون عنها “ألقاب فخرية” أو ما شابه.
ولا بدّ أنكم تتذكرون أيضاً “صبيح كاناد أوغلو” وحالاته الـ 367 الغريبة، التي أثارها في عام 2007 من خلال “اختلاق القانون”.
وهذا…. يشبه ذاك..
وكأنها نقاشات تعتمد في مبدأها على المثل القائل، “الحياة مريرة، والفلفل مرير، إذا فالحياة فلفل”. (المقصود في المثل أن الاقتراح يبدو منطقيًا لكن ليس له علاقة بالواقع)
واسمحوا لي بهذا الصدد أن أقتبس، دون أي تدخل، توضيحات رئيس البرلمان “شنطوب” للمادة 101 من الدستور”، والتي طرحها في هذا السياق :
“لقد تم اختيار رئيس الجمهورية في عام 2014، ضمن النظام البرلماني القديم، وهو ما يعني أن الإنتخابات التي جرت حينها كانت بناءً على المادة 101 القديمة والتي ترشح بالإستناد للوارد فيها لمرة واحدة فقط، لكن السؤال هنا، هل كانت المادة 101 الجديدة في الدستور نافذة حين ترشّحه في عام 2018؟.
تم إلغاء المادة القديمة بتاريخ 30 نيسان/أبريل 2018، بينما جرت الإنتخابات في شهر حزيران/يونيو من العام نفسه، وهو ما يعني أن اختيار رئيس الجمهورية لمرة واحدة في عام 2014 بناء على المادة 101 القديمة مع إمكانية ترشحه لمرة ثانية في حال كان نفاذها سارياً، لكن المادة الجديدة دخلت حيّز التنفيذ بعد إلغاء الأولى بتاريخ 30 نيسان/أبريل 2018، وفي العام نفسه ترشّح رئيس الجمهورية للانتخابات بناء عليها لأول مرة، بينما تقول المادة أنّ بإمكان رئيس الجمهورية الترشح لدورتين متتاليتين، فما الأساس الذي تبنى عليه افتراضات من يقول بعدم إمكانية ترشحه لولاية ثانية؟، فالمادة القديمة التي تعتمدون عليها… تم إلغاؤها.”
بيان رئيس هيئة الأركان البريطانية ونكتة من الحرب الباردة
تذكرت إحدى النكات العائدة لفترة الحرب الباردة حينما قرأت بيان رئيس هيئة الأركان البريطاني “باتريك سوندارز”، ودت مشاركتها معكم لنضحك قليلاً، بينما أنا أكتب… وأنتم تقرؤون، وإنما لا بدّ من أن أنقل إليكم عبارات “سوندارز” قبلها:
“نحن الجيل الذي لا بدّ له من الاستعداد للقتال في أوروبا مرة ثانية، لا بدّ من التجهّز لإلحاق الهزيمة بـ”روسيا” في الحرب العالمية الثالثة.”
وفيما يتعلق بالنكتة العائدة للحقبة التي كانت فيها “بلغاريا” تابعة للاتحاد السوفيتي خلال الحرب الباردة، فتفضلوا بقراءتها:
تواجد مسافر فرنسي وبريطاني وروسي وبلغاري، ضمن رحلة جويّة واحدة.
لكن الحمولة الثقيلة على ما يبدو أدى لاختلال توازن الطائرة بعد مدة وجيزة من الإقلاع مما هدد بسقوطها، وهو ما دفعهم إلى رمي بعض الحمولة والحقائب…. في بادئ الأمر.
لم تمر فترة طويلة قبل أن يأتيهم الصوت من مقصورة القيادة يقول: ” لا بدّ لأحدكم أن يقفز، لأن الحمولة لاتزال ثقيلة”..
لم يتردد حينها البريطاني، ووقف على الفور قائلاً، “فلتحيا إمبراطوريتنا التي لا تغيب عنها الشمس، فلتحيا الملكة”، وألقى بنفسه من الطائرة مباشرة…
لكن الأمر ذاته تكرر مرة أخرى بعد مدّة قصيرة، مما دفع بالفرنسي للتضحية بنفسه بالقفز وهو يهتف بالقول، “فلتحيا الثورة الفرنسية، فليحا نابليون العظيم”.
ولن يكون من الصعب عليكم توقع تكرار الأمر مرة أخرى، وسماعهم لإشعار جديد يخبرهم بأن الحمل لا يزال ثقيلاً…
في هذه المرة، بمجرد أن سمع الروسي الإخطار الأخير، وثبَ من مكانه واقفاً وهو يهتف، “فليحيا لينين، فلتيحا الشيوعية، فلتحيا أخوة الشعوب”، ومن ثم أمسك المسافر”البلغاري” من رقبته ورماه خارج الطائرة.
إن أردنا تطبيق الحكاية على واقعنا الحالي استناداً إلى عبارة رئيس الأركان البريطاني، التي اقتبستها، لكانت النهاية على الشكل التالي:
بمجرّد أن سمع البريطاني الإخطار الأخير، وثب من مكانه واقفاً وهو يهتف، “فلتحيا بريطانيا العظمى، فلتحيا ملكتنا”، ومن ثمّ أمسك بالمسافر “الأوكراني” من رقبته ورماه خارج الطائرة..
فهل سيكون مناسباً أن نكتفي بهذا القدر …. من النكتة؟