تعتبر قضية اللاجئين من أهم القضايا المطروحة على الساحة ليس فقط في تركيا ولكن أيضًا في العالم بأسره، وتتزايد خطورتها يومًا بعد يوم. وقد تجاوز عدد النازحين في تاريخ العالم مائة مليون، وهذا رقم قياسي سريع الخطى من الناحية العددية.
وتكشف مقاربتهم لكيفية تعامل الإنسانية مع هذه المشكلة عن جودتهم الخاصة، ولكن إحدى القضايا التي تحدد هذه الجودة هي الفروق بين اللاجئين. ولقد رأينا عن كثب اختلاف مواقف الدول الأوروبية تجاه موجات الهجرة القادمة من سوريا وأوكرانيا، وكيف أنهم يعارضون بشكل متطرف موجة هجرة قادمة من مكان مقابل ترحيبهم بموجة أخرى قادمة من مكان أخر.
فبينما يعارض الأوروبيون، موجات الهجرة السورية، بدعوى الحفاظ على أمن بلدهم، واستقراره، والوضع الاقتصادي به، وما شبه ذلك، فإنهم على النقيض من ذلك يرحبون بموجات الهجرة الأوربية، حيث استقبلوا العدد الأكبر من اللاجئين الأوكرانيين، الذين نزحوا بأعداد كبيرة إلى بلادهم في وقت قصير؛ وذلك لأن أولئك الذين نزحوا إليهم من هناك (من أوكرانيا) كانوا ذوي بشرة بيضاء وعيون زرقاء.
وقد يستغرب أحدكم هذا التناقض، لكن هذا بمثابة اختبار لهم وسيخسرون حتما، أو ربما يدرس الجميع تاريخه، ومجتمعه، والمسؤولية التي يضعها تراثه الثقافي أمامه.
ولكن ماذا يحدث لنا؟ لماذا لا يوجد رد فعل قوي تجاه خطاب الكراهية والعداء الذي يحاول بعض العنصريين بيننا إثارته، رغم أن علاقة القرابة الوطيدة، والروابط الثقافية والتاريخية التي تربطنا مع السوريين أقوى بكثير من تلك التي بين الأوكرانيين والأوروبيين؟
برأيكم هذه الخطابات البغيضة تحمي من ممن؟ تحمينا من تاريخنا، ومن ثقافتنا، ومن أنفسنا، أليس كذلك؟ أليس من الطبيعي أن يكون من يحاول حمايتنا من تاريخنا، ومن ثقافتنا، ومن أنفسنا، على خلاف معنا؟
متى رأينا هؤلاء المناضلين المسلحين في مواجهة ضد أعداء تركيا الحقيقيين؟ لماذا لم نرهم وهو يحملون السلاح ويقاتلون ضد من يحاربون تركيا، وضد من يحاولون وضع تركيا في مأزق على كل الجبهات؟
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، كيف يمكن لأولئك الذين يروجون بتهور وجهل لخطاب حقير من الضغينة والكراهية، والذي يتعارض تمامًا مع القيم الثقافية والتاريخية والأخلاقية لبلدنا، أن يجدوا هذه الشجاعة؟
وكيف يمكن للناس أن يظلوا صامتين على هذه الخطيئة، التي تتطلب ألف توبة وألف استغفار، عندما تخطر ببال أي إنسان عادةً مثل هذه الأفكار؟
لا بأس إذا بقيت العنصرية مجرد فكرة، لكن تحويلها إلى تصرف ملموس وعدوان على أعراق أخرى فإن ذلك يُعد انحراف واضح، وجريمة ضد الإنسانية، وهذه الجريمة المرتكبة ضد الإنسانية تقترب من كونها بمثابة زرع الألغام خطوة بخطوة ضد أمن المجتمع واستقراره وهويته وشخصيته.
بادئ ذي بدء، إنه لأمر مخز أن يطلق إنسان مستقر في بلده، وليس لديه أي نصيب من عادات تركيا وثقافتها وهويتها وشخصيتها، نعرات مفادها أنه سيتوجه إلى الحدود التركية السورية ويزرع أول لغمًا بها لمنع تدفق اللاجئين السوريين، مصرحًا ببطولته الرخيصة ضد اللاجئين الضعفاء، العزل، المحتمين ببلده. ولاشك أن ذلك السلوك المخزي يلحق به العار قبل كل شيء. إلا أن إظهاره لهذا العار بتهور ورعونة يعد أيضًا بمثابة عار على إنسانيتنا.
وتحاول أوروبا بطريقة أو باخرى الاندماج مع أوكرانيا من خلال التأكيد على الروابط التاريخية والثقافية والهوية، وتفتح الطريق للاندماج معها بإزالة الحدود والألغام الموضوعة بينهما.
ويركض من يُسمون بالقوميين، والعنصريون في بلادنا، الذين يصنعون بطولات رخيصة بعروضهم النباحية أمام المدنيين الأبرياء، وطالبي اللجوء العزل، وأطفالهم وذويهم، لزرع الألغام على الحدود التركية السورية بدعوى الدفاع عن الوطن.
دعونا نتفق على أن هرولة حزب سياسي لتنفيذ عملية زراعة لغم عمل إبداعي للغاية، ولكنه عمل إبداعي على مستوى حزب آخر يتصرف كجناح سياسي لمنظمة إرهابية.
إلى ماذا يرمز اللغم؟
اللغم هو رمز حقيقي للأمر. ولا يحمل وظيفة حماية تركيا من قريب أو من بعيد، بل على العكس من ذلك، فهو يرمز إلى السلسلة التي وضعها الإمبرياليون المدمرون حول الأتراك لتطويقهم، بعد أن احتلوا تركيا بعد الحرب العالمية الأولى.
منذ 12 عامًا، يتم إزالة الألغام الموضوعة على الحدود، التي فرضها المنتصرون في الحرب على تركيا، بشكل شبه كامل، وذلك بعد أن هُزمت تركيا في الحرب بطريقة أو بأخرى (سواء شخصيًا أو بسبب هزيمة ألمانيا). وكان من المخطط أنه سيتم إزالة جميع الألغام التي تعني كسر القيود التي تم فرضها في نهاية الحرب العالمية الأولى على تركيا والعالم الإسلامي، وبذلك تتمكن تركيا قلبها التاريخي والثقافي مرة أخرى. وكانت إزالة هذه الألغام رمزا لصحوة وقيامة عالم إسلامي كبير مستعد لاحتضان تركيا.
وكانت الانقلابات المشهودة في سوريا ودول الربيع العربي من بعدها تعبيرًا عن المقاومة الإمبريالية ضد جهود تركيا والعالم الإسلامي لإزالة هذه الألغام.
والآن، هل هذا الشخص، الذي أخذ هذا اللغم واندفع لوضعه على نفس الحدود، يمثل تركيا، أم أنه يمثل امتثاله للدور الذي كلفه به الإمبرياليون بتركيا؟
هل الألغام المزروعة تمنع اللاجئين من دخول تركيا أم أنها تمنع تركيا من احتضان إخوانها في جغرافيا القلب؟
العقلية الفاشية التي تنسب هذه الوحدة، وهذه السلاسل، وهذه الألغام إلى تركيا لا يمكن أن تكون تمارس الفاشية باسم القومية التركية.
وهذه العقلية ليست بغريبة علينا. فهذه هي العقلية التي تطلب من تركيا أن “تنشغل بشؤونها فقط وألا تتدخل لمساعدة الغير” منذ قرن من الزمان.
وحقيقة قدرتها على القيام بذلك باسم حماية الوطن والقومية التركية من خلال تزييف سياسي كامل يعد بمثابة أمر مؤسف تجاه الأمن القومي قبل كل شيء.