قدمت تركيا اعتراضاتها وأكدت معارضتها ووجهت انتقاداتها قبل وأثناء انعقاد قمة الناتو في مدريد، وأتاحت تلك التصرفات لأن يُنظر إلى تركيا على أنها نوع من المعارضة داخل حلف الشمال الأطلسي “الناتو”.
وفي الحقيقة، تركيا كعضو داخل هذا التحالف، تعمل باستمرار على حساب نفسها، وتتخذ موقف العضو الذي يثير القضايا بصوت عال ويطرح المسائل التي لا ينتج عنها حل لصالح الدول الأعضاء الأخرى.
ويعتبر تاريخ الناتو نفسه ليس غريبًا على مثل هذا النوع من الخطابات المعارضة. ومرارًا، كان لدى بعض الدول الأعضاء انتقادات كبيرة على تحمل مسؤوليات الاتحاد أكثر من الدول الأخرى.
تاريخ المعارضة داخل الناتو
وتحدث الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب حول الخلل الفعلي لحلف الناتو بالقول: “الولايات المتحدة تتحمل العبء الأكبر من نفقات حلف الشمال الأطلسي (ناتو) للدفاع عن أوروبا، لذلك ينبغي على الدول الأوروبية الأعضاء في حلف “الناتو” أن تنفق المزيد من الأموال على الحلف بدلًا من ترك الولايات المتحدة تأخذ على كاهلها تحمل العبء الأكبر في ميزانية الحلف”.
ونجمت توترات بعد تلك التصريحات، وكلنا نتذكر المواقف الغريبة التي قام بها ترامب خلال لقاءاته مع قادة الاتحاد الأوروبي، وعلى وجه الخصوص المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي ماكرون.
وجه الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، انتقادات لحلف الناتو ووصفه بأنه “ميّت دماغياً”، واُعتبرت تلك الانتقادات على أنها “صدع عميق” داخل حلف الناتو ، وأدت التطورات الناجمة على وصفه النقدي والهجومي إلى اتخاذ الولايات المتحدة قرار انسحاب قواتها من سوريا دون استشارة حلف الناتو.
وفي الحقيقة، اتخذ ترامب هذا القرار إلى حد كبير من خلال الإصغاء إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وكان قرارًا صائبًا للغاية من أجل السلام الإقليمي وإيجاد حل في سوريا ومن أجل الوظائف السليمة لحلف شمال الأطلسي. بالمقابل، قال ماكرون: “لا يوجد تنسيق على الإطلاق بين الولايات المتحدة وحلفائها في الناتو في عمليات صنع القرار الاستراتيجي”.
وأضاف ماكرون حينها: ” تركيا هي عضو آخر في حلف شمال الأطلسي “الناتو” ولديها أعمال عدوانية غير منسقة في منطقة تتعرض فيها مصالحنا للخطر”.
ثم تحدث ماكرون بعد ذلك عن الموت الدماغي للناتو، وأُعجب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بهذا الوصف كثيرًا، حيث أشار إلى أنه وصف صائب وصحيح.
تركيا عضو في حلف الناتو وليست رهينة له
هناك العديد من النزاعات داخل حلف الناتو، والتي قد تؤدي إلى أن تجعل بعض أعضاء الناتو يشككون مباشرة في وظائف الناتو.
ولم يحدث في تاريخ حلف الناتو أن تُثير تركيا مثل هذه الانتقادات كما أثارتها تحت قيادة أردوغان.
والمزاعم التي تشير إلى أن هوية أردوغان السياسية حاسمة في هذا الأمر، هي إحدى التكتيكات الرخيصة لمحاولات تشويه سمعة أردوغان في الرأي العام الغربي.
والجميع يعلم أن أردوغان ليس من المعجبين بالغرب ولا يمكن أن يكون مدافعًا متهورًا عن الناتو، ومع ذلك فإنه الشيء الرئيسي لأردوغان وللتقاليد السياسية التي جاء منها هي مصالح تركيا.
تركيا ليست رهينة أو أسيرة في أيدي حلف الناتو، بل هي عضو مثل جميع أعضاء هذا الحلف، وهناك التزامات وحقوق ناشئة عن العضوية. ويخلق الانضمام إلى التحالف حقوقًا والتزامات متبادلة.
وقد ترى تركيا بعض الأضرار من عضويتها في الناتو وخاصة في المسائل التي تنتقدها، ولكن بالمقابل ترى أن هناك أيضًا فوائد لا يمكن تجاهلها، وأن من مصالحها استمرار عضويتها في الناتو ضمن توازن الأضرار مع المنافع.
من جهة أخرى، هذه ليست عضوية تتحقق بالاستسلام الأعمى، وتركيا تقوم بكل ما بوسعها وبكل ثقة لتؤكد على أنها عضوًا في الناتو تعرف حقوقها ومصالحها ومسؤولياتها.
لا يمكن أن تستند معارضة حلف شمال الأطلسي “الناتو” على أسس ميتافيزيقية. وأولئك الذين يفعلون ذلك يحاولون أن ينسبوا تحالفات أخرى إلى تركيا ضد الناتو ويروجون إلى أنها ذات المصير لتحالفات روسيا أو دول إقليمية أخرى.
هناك مشاكل خطيرة داخل الناتو كحلف، والجميع يعلم أن الانقلابات ضد تركيا كانت مدعومة من بعض أعضاء الناتو. وحتى الآن نقول إن السويد التي تحاول الانضمام إلى تحالف الناتو تدعم التنظيمات الإرهابية “بي واي دي/ واي بي جي/ بي كي كي” في سوريا.
والجميع يعلم أيضًا أن الولايات المتحدة تقدم الكثير من هذا الدعم فعليًا وعلنيًا، ولا سيما أنها الشريك الأكبر للتحالف.
وكان موقفنا تجاه انضمام السويد وفنلندا إلى الناتو أن نوصل رسالة مفادها: ” السويد وفنلندا (القول لكما)، الولايات المتحدة (أنت الذي يجب عليك أن تسمعي).
الأعمال السيئة للناتو لا تجعل روسيا بريئة أو بديلة
كل الذي تحدثنا عنه حول الناتو صحيح، لكن هذا لا يجعل من روسيا بريئة أو بديلة لحلف شمال الأطلسي “الناتو”.
عندما نقارن ونقيس أعمال روسيا ، سنجد أن لا مكان لها في العالم الإسلامي، وذلك بسبب الجرائم التي ارتكبتها ضد الإنسانية في سوريا وليبيا والشيشان وأفغانستان.
ويمعنى آخر، إن التقارب مع روسيا ضد حلف الناتو، بطريقة ما، يجعلك حليفًا لنظام الأسد الذي يمارس الإبادة الجماعية بحق شعبه وقتل مليون منهم دون تردد وبأبشع الطرق، والذي قام أيضًا بتهجير 14 مليونًا.
ويستمر الأمر على هذا النحو حتى يأتي اليوم الذي يؤدي لنقول : “لا هذا ولا ذاك”.
من جهة أخرى، هناك من يزعم أن التدابير والشروط التي وضعتها تركيا لانضمام السويد وفنلندا إلى حلف الناتو ليس لها أي تأثير وأن التنازلات المقدمة هي للتظاهر فقط ولن يتم الامتثال لها، وأن تنظيم غولن الإرهابي لا يعتبر صراحة تنظيم إرهابي في نص المذكرة الثلاثية.
ولكن هناك أخبار جديدة لأولئك الذين يزعمون ذلك وهي أن الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ قال: “على رأس جدول أعمال الناتو الحرب ضد العدوان الروسي وبكل تأكيد إرهاب تنظيم غولن الإرهابي”.
جاء ذلك في المؤتمر الصحفي المشترك الذي عقده ستولتنبرغ مع وزيرة الخارجية السويدية آن ليندي، ووزير الخارجية الفنلندي بيكا هافيستو، بعد حفل توقيع بروتوكولات انضمام البلدين إلى الحلف
كما أعلن وزراء خارجية البلدين أنهم سيلتزمون ببنود مذكرة التفاهم الثلاثية، وقالوا: “نحن نأخذ مخاوف تركيا على محمل الجد”.
ماذا يمكن أن يقولوا أكثر من ذلك، وما الذي يمكن أن نحصل عليه أكثر من ذلك؟ .
بواسطة / ياسين اكتاي