يمكننا أن نعتبر الذكرى السنوية لليلة 15 يوليو/تموز (محاولة الانقلاب الفاشلة) فرصة لتقييم الكفاح ضد تنظيم “غولن” الإرهابي. وعلاوة على ذلك، فإن الوقت المتبقي كافٍ لإجراء تقييم عام. ولكن على عكس التقييم العام، فسنحاول الاستفادة من الوقت المتبقي من خلال تجاوز البعد القضائي والقانوني.
فمنذ ما يقرب من عشر سنوات، تم تعريف أعضاء تنظيم “غولن” الإرهابي على أنهم كيان يهدد وجودنا الوطني. واتضح أن هذا الكيان يمثل أيضًا مشكلة من حيث هويتنا الدينية. وتعد هذه النتائج من أهم مكاسب الوقت المتبقي. وثمة إنجاز آخر هو تحديد مصدر ذلك التنظيم. فإذا تم تعريف تنظيم “غولن” الإرهابي على أنه تهديد باعتباره كيان خاص بنا، لكان سيبدوا على أنه مشكلة دورية. حتى أنه سيكون بمقدورنا رؤيتها من بين نقاط ضعفنا. وفي هذا الصدد، فإن تعريف تنظيم “غولن” الإرهابي والكيانات المماثلة له على أنها كيانات وسيطة ناشئة عن العلاقات غير المتكافئة بين المراكز الإمبريالية والدول المحيطة، هو مؤشر على أننا اتخذنا موقفًا مختلفًا. وفي واقع الأمر، فقد تم تشكيل سياق قانوني فيما يتعلق بالكيانات التابعة عندما ضغطت تركيا على المراكز الإمبريالية من خلال السويد وفنلندا. ولهذا السبب، قطعت تركيا شوطًا طويلًا في السنوات العشر الماضية.
وإذا لم تخلق تركيا وضعًا فعليًا في هذه العملية، فإن علاقة الكيانات التابعة مثل تنظيم “غولن” الإرهابي بالمراكز الإمبريالية لا يمكن اعتبارها قضية نظرية. وحقيقة، فإن رغبة الدوائر المحافظة الليبرالية، التي كانت على اتصال بتنظيم “غولن” الإرهابي في الماضي، في الضغط على قضية تنظيم “غولن” الإرهابي في سياق القانون، تعد بمثابة دليل على أنها لا ترى العلاقة غير المتكافئة بين المراكز الإمبريالية والدول المحيطة باعتبارها قضية هامة. وجدير بالذكر أن الأحداث الكبرى التي وقعت بعد ليلة 15 يوليو/تموز لم تجعل الدوائر التي على اتصال بها تتبنى موقفًا جديدًا تجاه تنظيم “غولن” الإرهابي. بل على العكس من ذلك، فضلت هذه الدوائر، تعزيز مواقفها بمبررات مختلفة من خلال اتخاذها موقفًا معارضًا، كما تبنت أيضًا، موقفًا انتقاديًا تجاه حرب الدولة ضد هذا التنظيم. وينطبق هذا أيضًا على المجموعات تحت مظلة حزب الشعب الجمهوري. وينبغي أن نرى تعايش الدوائر، التي لا يمكن أن تجتمع معًا مقارنة بالماضي، كحالة فعلية. وقد أعادت تلك الحالة الفعلية تشكيل تركيا.
والسؤال المطروح هنا كيف يجب توضيح أن الدوائر الأيديولوجية في حالة صمت رغم أننا نعيش في فترة نشطة للغاية؟ عندما ضغطت تركيا على المراكز الإمبريالية من خلال السويد وفنلندا، اعترفت دول أوروبا الغربية الأعضاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو) بعلاقاتها مع المنظمات الإرهابية. وفي الوقت الذي وضعت فيه تركيا سياقًا قانونيًا للمنظمات الإرهابية، التي عرّفتها فيه على أنها بمثابة تهديد لوجودها، قامت المراكز الإمبريالية بحماية تلك الكيانات التابعة على أساس سياق قانوني خاص بها. وكانت علاقات الدول الأوروبية والولايات المتحدة مع المنظمات الإرهابية أبعد من كونها أنشطة منظمات استخبارية. ومع ذلك، سعوا للحصول على أدلة قانونية. وقد أظهر هذا أنهم في حالة من اليأس. يجب أن يكونوا قد أدركوا أن علاقتهم بالوسط المحيط بهم تخرج عن نطاق السيطرة. وقد اتبع أولئك الذين هم بالداخل نفس المسار أيضًا، ولم يتمكنوا من فهم طبيعة الفترة، وسعوا للحصول على أدلة قانونية. ومع ذلك، فقد بدأ التحقيق في طبيعة “القيم الأوروبية” وانتشر على نطاق واسع. وقد وقعوا في فخ تركيا إذا جاز التعبير. يمكننا أيضًا تضمين صمت الدوائر الأيديولوجية في هذا الإطار. فبينما كانت تركيا تبني واقعها الخاص ضد المنظور الأوروبي المركزي، فقد مهدت الطريق أيضًا لاستجواب فكري.
وفي هذه الفترة، يمكننا القول إن المراكز الإمبريالية اجتمعت على معاداة أردوغان. لا بد أنهم اعتقدوا أنهم عندما يطيحون بأردوغان، فستنجح الأمور وتسير وفق ما خططوا له. تنعكس آراء بعض المراكز المعروفة في الصحافة من وقت لآخر. لا بد أنهم يعتقدون أنه يمكنهم خلق تصور سلبي وإسقاط أردوغان باستخدام مفاهيم معينة مع تأثير التجربة الاستشراقية. ونحن نعلم علم اليقين أن الرئيس الأمريكي يريد الإطاحة بأردوغان من خلال حشد أتباعه بالداخل. لكن هذا الموقف يُعد دليلاً واضحًا على أن القوى الداخلية والخارجية لم تكن لديها أفكار ثورية. ومن الأهمية بمكان أن يكون أول ما يتبادر إلى الذهن عند ذكر الولايات المتحدة في الفترة الجديدة هو المحافظين الجدد. وينطبق وضع مماثل على بلدان أوروبا الغربية، التي ليس لديها أي مهارة أخرى سوى احتضان إرث الماضي الاستعماري. وهم أيضًا لا يستطيعون تجاوز إلصاق الصفات السلبية بأردوغان. وهذا يتيح لنا إجراء مقارنة بين الوضع في القرن التاسع عشر والوضع في القرن الحادي والعشرين.
مصدر الأفكار الثورية اليوم ليس أوروبا. وهذه النتيجة هي واحدة من أهم نتائج العقد الماضي.