يبدو أن تصريحات زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو حول امتلاكهم معلومات عن كافة الناخبين أثارت جدلًا واسعًا، حيث قال: “نمتلك معلومات حول الناخبين لا تمتلكها الهيئة العليا للانتخابات”.
ومن الطبيعي أن تكون لدى الأحزاب السياسية حساسية إزاء معلومات الناخبين. فالمنخرطين في السياسة يطمحون لكسب أصوات الناخبين، وبكل تأكيد تعتبر وظيفتهم معرفة معلومات عن الناخبين الذين يتطلعون إليهم.
ولكن عندما أدلى كمال كليجدار أوغلو بتلك التصريحات اختلطت الأمور، حيث أثارت تصريحاته جدلًا واسعًا لسببين.
السبب الأول هو أن بعد انتخاب كليجدار أوغلو رئيسًا لحزبه لم يتعقب ورقة الاقتراع الخاصة به ولا حتى قائمة الناخبين ولذلك هو سياسي لم يتمكن من الذهاب إلى صناديق الاقتراع.
فأصبح الأمر هنا محض التباس، كيف لسياسي لم يتمكن من الذهاب إلى صناديق الاقتراع أن يعرف معلومات خاصة حول الناخبين لا تمتلكها الهيئة العليا للانتخابات.
أما السبب الثاني فهو السبب الرئيسي الذي أثار هذا الجدل الواسع. من المؤسف أنه بعد انتخاب كليجدار أوغلو لرئاسة حزبه، بُنيت سياسة حزب الشعب الجمهوري استنادًا على المعلومات التي تم الحصول عليها بشكل غير قانوني.
وبسبب اتباعهم لهذا النوع من السياسة استطاعوا تجاوز المنافسين السياسيين الآخرين، حتى السياسيين داخل حزب الشعب الجمهوري نفسه، تم استبعادهم وإقصاءهم وما زالوا يستبعدون منهم. والكل يعرف ما حدث لـ”أيكوت إردوغدو” مؤخرًا.
كشف كمال كليجدار أوغلو عن شيء معروف، وكانت تصريحاته بمثابة الإدلاء عن شيء معلوم لديهم.
السيد كمال سياسي يرغب في التصرف استنادًا على معلومات مجهولة المصدرحتى قبل أن يصبح رئيسًا لحزبه. واستمر في اتباع نفس هذا النهج حتى بعد أن أصبح الرئيس العام لحزبه.
وبعد مؤامرة 17/25 ديسمبر/كانون الأول، لم يمتنع كليجدار أوغلو من الإدلاء بتصريحات حول الأشرطة وتسجيلات المونتاج الصوتية الغير قانونية التي حصل عليها.
خلال فترة المؤامرة تلك، كان السيد كمال يتعامل مع حساب مغرد تنظيم غولن الإرهابي الذي كان تحت الاسم المستعار “فؤاد عوني”.
وعندما كان يدلي حينها بمزاعمه حول الرئيس أردوغان، طُرح عليه سؤال “من الذي قدم لك هذه الصور وجعلك تشاهدها”؟ لم يتردد في الرد بوقاحة: “لم أستطع رؤية وجوههم كانوا مقنعين”.
يلوح السيد كمال بكل ملف ومستند يحصل عليه، ويستمر بإظهاره دون التفكير بما يحتويه أو التساؤل حول ما إذا كان هذا الملف سري أم مزور.
لذلك ليس غريبًا أن يدلي كليجدار أوغلو بتصريحات تفيد إنه “يمتلك معلومات حول الناخبين” لأنه مهتم بالقيام بتلك الأعمال بشدة.
المسألة الأساسية التي ينبغي الوقوف عندها هي نوع المعلومات التي يمتلكها كليجدار أوغلو ومن أين حصل عليها ومن الذي قدمها له.
أصبحت تصريحات كليجدار أوغلو حول معلومات الناخبين أكثر إثارة للاهتمام، وذلك بالتزامن مع انتشار مزاعم التسريبات الداخلية (تسريب معلومات من داخل الحكومة لحزب الشعب الجمهوري) .
فهل يمتلك كليجدار أوغلو أو حزب الشعب الجمهوري معلومات حول الوضع الصحي للناخبين أو ما لديهم من سندات ملكية وما يمتلكون من نقود، أو معلومات حول مدارس أطفالهم؟
وفي هذا السياق، أصدر أكرم إمام أوغلو تعليماته، في الأيام الأولى لاستلامه منصبه كرئيس بلدية إسطنبول الكبرى، بنسخ قاعدة البيانات الإلكترونية للبلديات والمؤسسات المرتبطة بها، حيث تحتوي على البيانات الشخصية لسكان إسطنبول.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل يمكن أن تكون بلديات المدن الأخرى التابعة لحزب الشعب الجمهوري قد نسخت قاعدة البيانات الشخصية بطريقة مماثلة وأرسلتها إلى الطابق الرابع عشر (الغرفة السرية) من مقر حزب الشعب الجمهوري؟
وبعد أن أدلى كليجدار أوغلو بتصريحاته حول امتلاكهم معلومات حول الناخبين، سارع مسؤولو حزب الشعب الجمهوري في تفسير تلك التصريحات لإنقاذ السيد كمال، حيث قالوا إزاء ذلك:” رئيس حزبنا لم يقصد بتصريحاته أننا نمتلك البيانات الشخصية والإضافية للناخبين، بل كل مافي الأمر أننا أجرينا تحليلًا للبيانات التي قدمتها الهيئة العليا للانتخابات، وكان يقصد كليجدار أوغلو أن المعلومات استخلصناها استنادًا لتلك التحليلات”.
ووفقًا لقانون الانتخابات، تقوم الهيئة العليا للانتخابات بتقديم قوائم الناخبين للأحزاب السياسية التي لديها أحقية المشاركة بالانتخابات مرتين كل عام.
فهل قدم حزب الشعب الجمهوري طلبًا للحصول على تلك القوائم لعام 2022؟ أو هل حصل على قوائم الناخبين لعام 2022؟
من الحزب السياسي الذي حصل هذا العام على تلك القوائم؟ إنه حزب الجيد، ثاني أكبر حزب في الطاولة السداسية للمعارضة.
وعلى ما يبدو أن حزب الشعب الجمهوري أبرم اتفاقًا مع حزب الجيد، فالأخير يقدم لحزب الشعب الجمهوري القائمة التي حصل عليها لعام 2022 ، وحزب الشعب الجمهوري يقدم لحزب الجيد القائمة التي سيحصل عليها عام 2023 “، لذلك قام حزب الشعب الجمهوري بتحليل قائمة الناخبين لعام 2022 التي حصل عليها من حزب الجيد.
إذا كانت المسألة على هذا النحو فليست هناك مشكلة بذلك.
عندما ننظر إلى الفترة التي تولى فيها كمال كليجدار أوغلو رئاسة حزبه خلال 12 عامًا، فإننا نجد أن الأوضاع تحمل بعض المخاوف.
ينبغي أن لا نستبعد إمكانية القيام بأعمال شريرة واستهداف الأشخاص وفقًا لتلك المعلومات المزيفة، التي يحصلون عليها من مصادر مجهولة.
الأمر الذي يدعو للتساؤل، كليجدار أوغلو الذي لم يستطع بالأمس الذهاب إلى صناديق الاقتراع، كيف له أن يعرف اليوم معلومات خاصة حول الناخبين؟