هل يحافظ حزب أردوغان على قوته بعد 21 عاما من تأسيسه؟
تأسس حزب “العدالة والتنمية” التركي، في 14 آب/ أغسطس 2001. ووصل إلى سدة الحكم بعد الانتخابات التي أجريت في تشرين الثاني/ نوفمبر 2002، ومنذ ذلك الوقت ما زال يتربع على عرش الحكم في البلاد.
وفي 14 آب/ أغسطس 2022، يحتفل حزب العدالة والتنمية بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان بذكرى تأسيسه الـ21، وهو الحزب الذي وصل إلى سدة الحكم بعد عام واحد من تشكيله وما زال يحكم البلاد منذ 20 عاما، وتعد الانتخابات العامة المقبلة إحدى التحديات للحزب الذي يحكم البلاد منذ فترة طويلة.
وفي تقرير مطول نشر على مجلة “كريتر” المحلية، يقول الخبير التركي “نيبي ماش” إنه في البلدان الديمقراطية هناك عدد قليل جدا من الأحزاب التي فازت بالانتخابات وحافظت على بقائها في السلطة مع الزعيم ذاته دون انقطاع لفترة طويلة.
وفي بيئة مليئة بالاستقطاب السياسي اليوم، من الصعب القول إن عملية تحليل فوز حزب في 15 انتخابات متتالية قد فهم بشكل كامل، وغالبا يلجأ بعض المحللين السياسيين لتحليل بقاء الحزب في السلطة من خلال متغيرات عرضية، ويزعم البعض أن المعارضة لا تستطيع خوض السباق الانتخابي على قدم المساواة، بسبب السيطرة على الإعلام؛ ويجادل البعض بأن استخدام إمكانيات الدولة يخلق منافسة غير عادلة، بينما يؤكد آخرون على مسألة أمن الانتخابات محاولين إيجاد ذريعة لخسارة المعارضة.
ويبقى التساؤل: “كيف يمكن لحزب البقاء في السلطة منذ 20 عاما، ولا يزال الحزب الأول بالبلاد ويحافظ على فارق في الأصوات مع منافسيه؟”، ومما لا شك فيه أن هذه الإشكالية تشمل أيضا سبب عدم تمكن حزب الشعب الجمهوري، وهو الحزب الأول بالمعارضة، من زيادة حصته من الأصوات بأي شكل من الأشكال.
ولدى المعارضة اعتقاد بأن شعبية حزب العدالة والتنمية الحاكم انخفضت، ولكنه ليس في حالة انهيار، وهو رأي أطلق بكافة الانتخابات السابقة.
الخلفية التاريخية في وعي الناخبين
ويرى الكاتب أنه لا يمكن فهم نجاح حزب العدالة والتنمية في البقاء بالسلطة منذ 20 عاما، بمجرد النظر إلى فترة حكم الحزب.
ويمكن فهم سلطة حزب العدالة والتنمية الطويلة الأمد من خلال مقاربة شاملة لكل من الماضي القريب وتاريخ الديمقراطية التركية بأكمله مثلما يتم تحليل وصول الحزب الديمقراطي إلى السلطة في 14 آيار/ مايو 1950، وفوزه بأغلبية ساحقة في الانتخابات عبر المقارنة بممارسات حقبة الحزب الواحد.
وفي التاريخ السياسي لتركيا، فإن فوز الحزب الديمقراطي في الانتخابات لثلاث فترات متتالية هو أيضا نتيجة للمشاكل التي واجهتها العلاقات بين الدولة والمجتمع في الفترة الأولى لتأسيس الجمهورية، وجرى تأسيس الحزب الديمقراطي من أولئك الذين تركوا حزب الشعب الجمهوري وكان جلال بايار أحد المؤسسين وقد شغل منصب وزير الاقتصاد ورئيس الوزراء خلال حكم الحزب الواحد.
ولم تشكل مسألة عمل بعض مؤسسي الحزب الديمقراطي في حزب الشعب الجمهوري بالماضي أي إشكالية للناخبين، والقضية التي تهم الناخب هي ما إذا كان الحزب المشكل حديثا سينتج سياسة تتوافق مع توقعات المجتمع أم لا، ولو لم يحدث الانقلاب العسكري في 27 آيار/ مايو 1960، لكان من الممكن أن يستمر الحزب الديمقراطي بالفوز في الانتخابات حتى لو انخفضت شعبيته.
وبالنظر إلى نتائج الانتخابات، كانت نسبة الأصوات التي حصل عليها الحزب الديمقراطي في الانتخابات الثلاثة هي 52.6 بالمئة عام 1950، و57.6 بالمئة عام 1954، و47.8 بالمئة عام 1957، أما حزب الشعب الجمهوري فكانت لديه 39.4 بالمئة و35.3 بالمئة و41 بالمئة على التوالي.
وجاء وصول “حزب العدالة” إلى السلطة بمفرده في انتخابات عام 1965 نتيجة رد فعل المجتمع التركي على مدبري انقلاب 27 آيار/ مايو (1960) وممارساتهم في الآونة الأخيرة.
وفي الانتخابات التي أجريت عام 1965 كأول انتخابات بعد انقلاب (1960)، حصل حزب العدالة على 52.8 بالمئة، فيما حصل حزب الشعب الجمهوري على 27.3 بالمئة من الأصوات.
أما في الانتخابات التي أجريت عام 1969، فعلى الرغم من أن حزب العدالة انخفضت شعبيته وفاز بنسبة 46.5 بالمئة، فإن حزب الشعب الجمهوري حصل على 28.7 بالمئة بزيادة نقطة واحدة فقط عن الانتخابات التي سبقتها.
لكن انقلاب عام 1971 والمعروف بـ”المذكرة” أوقف الفوز المتتالي لحزب العدالة وحكمه البلاد بمفرده، ولو سارت السياسة في مجراها الطبيعي قبل تنفيذ الانقلاب لكان قد حدد الناخب خياره على أساس عقلاني، وهذا يعني تقليد الحزب سيستمر في الفوز بالانتخابات بمفرده.
ولا يعني انخفاض شعبية كل من الحزب الديمقراطي و”العدالة” في الانتخابات التي أجريت قبل الانقلابات أنهما لا يمكنهما الفوز في الانتخابات المقبلة، وقد أعطى الناخبون رسالتهم للأحزاب السياسية بطرق مختلفة خلال فترة الانتخابات، ومن الممكن للأطراف التي تتلقى الرسالة تحديث سياستها الخاصة وفقا للواقع الجديد، ومن الطبيعي أن تنخفض شعبية الأحزاب غير القادرة على تحديث سياستها وفقا لتوقعات المجتمع.
بعد الانقلاب العسكري عام 1971، تم تشكيل 11 حكومة مختلفة حتى انقلاب عام 1980ـ وكانت مدة ولاية بعض الحكومات لا تتجاوز الـ30 يوما، وفعليا منذ 27 آيار/ مايو 1960 كان هناك تدخلات مستمرة في السياسة الداخلية قائمة على “نظام الوصاية”، وقد لعب مدبرو الانقلابات دورا بارزا في سياسة البلاد.
وخلقت انتخابات 14 آيار/ مايو 1950 صدمة كبيرة لدى بعض الدوائر في تركيا، وأدت نتيجتها لدفع هؤلاء للعمل مع مدبري الانقلاب، وبعد الانقلاب الذي جرى في 12 أيلول/ سبتمبر 1980، اتبعوا أسلوبا جديدا مع الناخب التركي من خلال حصر العملية الانتخابية ما بين حزبين شكلهما الانقلابيون، وهما الحزب الشعبي و”الديمقراطي القومي”، ومع ذلك تم إجراء تعديل على الخطة، وسمح لحزب الوطن الأم بالمشاركة في الانتخابات لتجنب النقد وخلق تصور بأنها تجرى في بيئة حرة.
ولم تكن نتائج الانتخابات العامة التي أجريت عام 1983 كما أراد الانقلابيون، وانتخب الناخبون حزب الوطن الأم.
ومنذ انتخابات عام 1987 حتى حكم حزب العدالة والتنمية عام 2002، انتخب الناخبون حزبا مختلفا في كل انتخابات تجرى، ولم يتمكن أي حزب من البقاء في السلطة على التوالي، كما أن الأحزاب التي فازت بتلك الانتخابات لم تتمكن من تشكيل حكومة لوحدها مما أحدث انقساما سياسيا بالبلاد مشابها لما جرى خلال فترة السبعينيات. وبعد انتخاب تورغوت أوزال رئيسا للبلاد عام 1989، شكلت 11 حكومة مختلفة حتى عام 2002.
وكانت حقبة التسعينيات هي الفترة التي كان فيها الناخب التركي يبحث عن زعيم سياسي وحزب يدعمه، ولأن جماعات المصالح المنظمة تهيمن على المجال السياسي، فإنه يبقى هشا وغير ديمقراطي قابلا للتدخل، ولذلك فإن ثقة الجمهور بالأحزاب السياسية القائمة تآكلت.
وصول العدالة والتنمية للحكم.. وحماية الإصلاحات
وصل حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في مثل هذا الجو السياسي، وفاز في 15 انتخابات متتالية، ولم يرتكب الحزب الأخطاء التي وقعت بها الأحزاب التي وصلت قبله للسلطة، لكنه واجه عملية عرقلة من قبل بعض الهياكل بعد فترة زمنية معينة.
وتبنى حزب العدالة والتنمية “الإرث الإيجابي” لتقليد الحزب الديمقراطي، وحافظ على الوعي السياسي للقواعد الانتخابية من خلال التذكير بالماضي، وأثناء التصويت لـ”العدالة والتنمية” قام الناخبون بإجراء حساب جيد للماضي، وقاموا بالاختيار من خلال مقارنة الحزب بمنافسيه.
في الفترات الأولى لحكمه، نفذ حزب العدالة والتنمية سياسة قائمة على معارضة مؤيدي النظام القديم، وأعطى الأولوية لسياسة الإصلاح واتخاذ خطوات جريئة نحو حل المشكلات المؤجلة في السياسة الداخلية والخارجية.
ونفذ الحزب صراعه مع “كتلة الوصاية” بالبلاد على مدى طويل، مستغلا نضج الظروف، وفي هذا السياق عندما واجه مقاومة بذلك زاد من دعمه وشرعيته بالذهاب إلى الانتخابات وتعزيز سلطته، وقام بتغييرات عبر اللجوء للشعب وبطريقة الاستفتاء، لم يتمكن من تمريرها من خلال البرلمان، ورأى أن الانتخابات والاستفتاءات بمثابة رافعة في سياسة حل الأزمات.
وجدد حزب العدالة والتنمية، سياسته الخاصة وفقا للتحول المجتمعي والسياسي في الداخل التركي، والتحول العالمي في العالم، وساهم ذلك في إجبار الأحزاب السياسية الأخرى على القيام بتحولات. وطوال فترة حكمه، لم يتنازل عن سياسته الاستثمارية، على الرغم من انتقادات المعارضة وحتى نخبه الداخلية من وقت لآخر.
وكما جرى مع الحزب الديمقراطي بعد فوزه بفارق كبير في الانتخابات لثلاث فترات متتالية، وحزب العدالة لفترتين، أدى فوز حزب العدالة والتنمية في انتخابات 2011 وهي فترة ولايته الثالثة بزيادة بحصة الأصوات، إلى تسريع البحث عن تشكيل الأزمات من بعض الدوائر التي فقدت الأمل من الانتخابات.
ويمكن اعتبار أحداث غيزي (2013)، وما جرى في الفترة ما بين 17- 25 كانون الأول/ ديسمبر 2013 من محاولة انقلاب من خلال عناصر “غولن” عبر الجهاز الأمني والقضائي، وأحداث “6-8 تشرين الأول/ أكتوبر” عام 2014 المعروفة بأحداث “عين العرب”، ومحاولة الانقلاب الفاشلة في 15 تموز/ يوليو 2016 من ضمن سياسة الأزمات التي شكلتها تلك الدوائر.
وترتبط قدرة حزب العدالة والتنمية على محاربة التدخلات غير الديمقراطية التي واجهها منذ ولايته الثالثة في السلطة ارتباطا مباشرا بتعلمه في مواجهة “الاحتجاجات أو الاجتماعات الجمهورية”، و”المذكرة الإلكترونية” في نيسان/ أبريل عام 2007، وقضية إغلاق الحزب عام 2008، خلال فترات حكمه الأولى.
انتخابات 2023 حاسمة
وتعتبر انتخابات 2023 حاسمة لكافة الأحزاب بتركيا، ويتوجب على الأحزاب إنتاج سياسة قادرة على الوصول إلى نسبة تصويت 50+1 في النظام الرئاسي، وبالنسبة لحزب العدالة والتنمية هناك مزايا وعيوب يواجهها في هذه الانتخابات.
الميزة الأكثر أهمية هي أن زعيم حزب العدالة والتنمية أردوغان، قد وصل إلى أكثر من 50 بالمئة من دعم الناخبين عدة مرات حتى الآن، لكن الحزب يواجه الآن عيوبا تتمثل في أنه فقد شعبيته في بعض المناطق.
أربع قضايا رئيسية لانتخابات 2023.. وأبرز التحديات أمام “العدالة والتنمية”
وفي انتخابات 2023، هناك أربعة مواضيع مهمة ستحدد جدول أعمال الانتخابات، وهي المشاكل الاقتصادية، قضية اللاجئين، وعلم الاجتماع الجديد، والسياسة المتبعة تجاه الناخبين الأكراد.
بالنسبة لحزب العدالة والتنمية، فإن الاقتصاد هو الموضوع الأكثر أهمية، وعندما يكون جو متفائل تجاه حل المشكلة، سيكون من السهل إدارة قضية اللاجئين وتوقعات علم الاجتماع الجديد.
ويقصد بعلم الاجتماع الجديد، توقعات شرائح المجتمع والتي زادت رفاهيتها الاجتماعية خلال فترة حزب العدالة والتنمية وأصبحت “طبقة وسطى” وهي الطبقة التي يستهدفها الحزب الحاكم من البداية.
وأكثر من 23 مليونا من الناخبين الذين سيصوتون في عام 2023، هم أولئك الذين سيصوتون لأول مرة خلال حقبة حزب العدالة والتنمية، ويبلغ عدد الناخبين الذين تتراوح أعمارهم بين 18-26 في هذه المجموعة حوالي 12 مليونا، وهؤلاء يشكلون 18.8 بالمئة من إجمالي الناخبين.
وأحد العوامل المهمة التي ساهمت بفوز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات الماضية، هي أن الناخبين يجرون مقارنات ما بين العشرين سنة الماضية والفترة التي قبلها، ولكن مع المجتمع الجديد (الجيل الجديد)، لم تعد تجرى تلك المقاربات، بل أصبحت المقارنات تجرى ما بين فترات حكم الحزب الحاكم. لذلك، في حين أن نجاح حزب العدالة والتنمية في حل وإدارة الأزمات حتى الآن هو ميزة في هذا الموضوع، فإن المناقشات حول استدامة هذا النجاح تشكل عبئا، والعامل الرئيس الذي يحول هذا العبء إلى ميزة هو القيادة السياسية.
ومرشح تحالف الجمهور في انتخابات 2023 هو الرئيس أردوغان وهو زعيم عالمي يتجاوز المحلي، وقد ساهم أسلوب سياسته بالبقاء في المنصب في 15 انتخابات مختلفة حتى الآن.
وستجرى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في آن واحد في انتخابات 2023، وتحديد سقف التحالفات، القوائم المشتركة أو المنفصلة في البرلمان سيكون لها تأثير على ديناميكيات الانتخابات، وفي هذا الصدد، من هو المرشح لمنصب نائب في منطقة سيكون أكثر أهمية في تفضيلات الناخبين مما كانت عليه في الانتخابات السابقة.
وواحدة من أهم التحديات التي تواجه حزب العدالة والتنمية الذي كان في السلطة لفترة طويلة هي مسألة تجديد النخبة السياسية، فمن المهم عدم خلق استياء جديد ووضع توازنات قائمة على إشراك جهات فاعلة جديدة في النظام.
ومما لا شك فيه أن تفضيلات السياسة الخارجية، ومواقف الأطراف تجاه القدرة الأمنية والدفاعية للبلاد، وأولوية الاستقرار السياسي، أي ضمان الاستقرار والنظام، لا تزال مهمة جدا بالنسبة للناخبين، وهناك حقيقة بأن حزب العدالة والتنمية يتمتع بميزة نسبية في هذه الأمور مقارنة بالأحزاب الأخرى.
وفي الأنظمة السياسية ذات الأحزاب المهيمنة، من السهل على أحزاب المعارضة أن تتحد ضد الحزب الحاكم من خلال سياسة التكتل، ونظرا لأن الحزب المهيمن حافظ على سلطته لفترة طويلة جدا، فإنه ينظر إلى هذا النمط من السياسة على أنه أفضل طريقة لمواجهته وهذا ما يحدث في تركيا.
وتجتمع أحزاب المعارضة التركية باستمرار حول طاولة، وتخطط لكيفية الإطاحة بحزب العدالة والتنمية في انتخابات عام 2023. والفرصة الأكثر أهمية التي تعزز يد حزب العدالة والتنمية ضد هذا المسعى الائتلافي هي أن هذه الأحزاب السياسية، تختلف وجهات نظرها وفهمها للسياسة عن بعضها البعض بشكل كبير، وشغلها الشاغل فقط إسقاط النظام الحاكم أكثر من سعيها لحكم البلاد.
ولا ينبغي النسيان أن الناخبين الأتراك أكثر وعيا، فهم يعطون الأولوية للاستقرار السياسي، ويعلمون أن نهج التحالف لا يسفر عن نتائج جيدة للبلاد.
بواسطة / عماد أبو الروس