أيهما أسهل التطبيع أم المصالحة مع سوريا؟

الرسائل المشفرة التي بعث بها وزير الخارجية التركي مولود شاووش أوغلو في أعقاب قمة طهران الثلاثية في إطار آلية الأستانة أعقبها بعد أيام تصريحات أكثر وضوحا وصراحة أعلنها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وتوجز استراتيجية التحرك التركية المرتقبة في ملف الأزمة السورية ودوافعها وأهدافها.

من..

“سياسة تركيا تجاه سوريا لم تتغير، وهي نفسها المتبعة منذ كنت رئيسا للوزراء”.

و “لا يمكن بأي حال من الأحوال إنقاذ سوريا في وجود الأسد، كما أن المعارضة السورية لا توافق على حل بوجوده”.

و “لو كان الأسد يحب سوريا والشعب السوري مقدار ذرة لترك السلطة ورحل”.

إلى..

“هدفنا ليس هزيمة بشار الأسد بل التوصل إلى حل سياسي لإنهاء الأزمة السورية. وعلينا اتخاذ مزيد من الخطوات مع النظام السوري من أجل إفساد مخططات في المنطقة. والدول لا يمكنها استبعاد الحوار الدبلوماسي”.

الفارق الزمني طبعا بين مواقف أردوغان يصل إلى 7 سنوات، وهي فترة طويلة في السياسة، لكنها كانت مواقف متوقعة وفرضت على اللاعبين المؤثرين في الملف السوري التأهب لها منذ سنوات نتيجة رغبة قيادة العدالة والتنمية بتسجيل اختراق سياسي في طريقة تعاملها مع المسألة لأسباب داخلية وخارجية كثيرة بات يعرفها الجميع.

اقرأ أيضا

استقالة تثير الجدل في تركيا

انتظرت قوى المعارضة السورية وفصائلها حدوث استدارة في مواقف القيادات التركية حول أسلوب ونهج التعامل مع ملف الأزمة السورية لكنها مثلنا لم تكن تعرف موعدها وأين وكيف ستبدأ؟ السؤال الآن هو ليس كيف تقنع هذه القوى حليفها التركي بالتراجع عن قراراته بل كيف ستستعد هي للمرحلة القادمة بكل ما ستحمله من أعباء ومتطلبات؟ التعويل على أن الحوار بين أنقرة ودمشق سيفشل وسيصل إلى طريق مسدود بين الاحتمالات ربما، لكن ذلك لا يمكن أن يكون الورقة التي ستلعبها قوى المعارضة السورية أمام احتمالات أخرى قد تقودها إلى قرارات صعبة في حال لم تسع لتكون طرفا مؤثرا في الوصول إلى ما يريد سواء أكان أمام الطاولة أو بعيدا عنها.

لم تتردد القيادات التركية في قول ما عندها قبل أشهر باتجاه ضرورات فتح الطريق أمام عملية إعادة تموضع “لا بد منها داخل الائتلاف الوطني السوري تواكب متطلبات وضرورات المرحلة المقبلة على ضوء المتغيرات والمعطيات المحلية والإقليمية الجديدة”. وقوى المعارضة السورية تجاوزت حتما نقاشات هل تغير أنقرة في سياستها السورية، إلى كيف علينا أن نستعد للتعامل مع مصطلحين جديدين ستسمع بهما كل يوم بعد الآن: الطريق إلى التطبيع بين أنقرة ودمشق والطريق إلى المصالحة السورية السورية؟

هناك انسداد إقليمي ودولي في التعامل مع الأزمة السورية لا بد من تخطيه بالنسبة لأنقرة لأنها بين أبرز من يدفع الثمن السياسي والأمني والمادي الباهظ فيه وهي محقة في ذلك. الهدف إذن هو البحث عن فرص وحلول جديدة تنهي أعباء هذا الملف وتفتح الطريق أمام تسويات سياسية حتى ولو كان هو الخيار الأصعب الذي قررت أنقرة اعتماده ومحاولة اختباره في الأشهر المقبلة.

الاندفاعة التركية نحو دمشق تتعلق بنتائج قمة سوتشي التركية الروسية في 5 آب الماضي. وليس مستبعدا أن يكون الملف السوري حلقة في العديد من المسائل التي تم التفاهم حولها بطابع ثنائي وإقليمي، مصحوبا بخطة وضعت خطوطها العريضة لخطة المرحلة الانتقالية السياسية في سوريا ولقيت دعم أطراف إقليمية تريد إنهاء الأزمة. لكن أنقرة ستجد صعوبة في إقناع حليفها السوري بالانتقال من لعب دور الشريك إلى الوسيط بعد سنوات طويلة من التعاون والتنسيق المشترك بين الطرفين. موجات الاحتجاج والاعتراضات في الشارع السوري داخل المناطق المحررة رسالة أيضا لأنقرة، أن المعارضة السورية لن تقبل بالذهاب وراء مرحلة انتقالية دون تعهدات واضحة ومحددة وبغطاء سياسي إقليمي حول مسائل التغيير السياسي والدستوري المحتملة.

معادلة من سيسبق الآخر في المشهد السوري التطبيع أم المصالحة مهمة طبعا. الأولوية ستكون برأينا لمحاولة التطبيع بين أنقرة ودمشق المصحوبة بتفاهمات واضحة ومحددة حول رزمة تفاهمات بتفرعاتها، وعلى ضوء ذلك ستحدد المعارضة السورية موقفها طالما أن الراعي التركي والروسي سيكونان بين الضامنين الجدد لخارطة طريق بديلة في سوريا. فهل ستستعد قوى المعارضة السورية لهذه المرحلة أم انها ستواصل خطوات الشرذمة والتباعد وهو ما يريده النظام قبل غيره؟

تبادل الهدايا قد يكون بين تركيا روسيا أكثر مما قد يكون بين أنقرة ودمشق. تصعيد أردوغان ضد أميركا وإيران على السواء قبل يومين، وانتقاد مواقفهما وسياساتهما في سوريا قد يكون مؤشرا آخر على أن التفاهمات كانت ثنائية وتمت في سوتشي بعكس ما يقال حول أنها كانت ثلاثية وتمت في قمة طهران الثلاثية. ملفت جدا أن نبدأ الحديث عن انطلاقة جديدة في حوار دبلوماسي – سياسي محتمل بين أنقرة ودمشق وأن نرى هذا التصعيد الأمني والقصف الحدودي المتبادل والهجمات الإرهابية التي يشنها النظام وقسد ضد المدنيين السوريين في الشمال. أكثر من طرف له مصلحة في التفجير لعرقلة المسار الجديد، لكن الذي يستوقفنا أكثر هو حديث أردوغان عن أن “الولايات المتحدة وقوات التحالف هم المغذون للإرهاب في سوريا في المقام الأول.. فعلوا ذلك دون هوادة ولا زالوا مستمرين”. هل من الممكن الربط بين هذه التصريحات وبين ما يجري وقد يجري على الحدود التركية السورية في الأيام القليلة القادمة؟

قيل لنا بأنه: “أمام السوريين فرصة ذهبية لإطلاق حوار سوري ـ سوري، في ظل انشغال روسيا بحربها في أوكرانيا، وانشغال إيران بملفها النووي. عندما كنا نحاول تفسير المقصود بذلك هل الهدف هو الحوار بين فصائل المعارضة السورية المشرذمة أم بين سوريي الداخل تحت سلطة النظام، أم بين النظام والمعارضة السورية؟ فاجأتنا أنقرة بإعلانها أنها في عجلة من أمرها ولن تنتظر مطولا كي تصل الرسائل إلى البعض ويبدأ بتحليلها ودراستها وإعلان موقفه حيالها.

تفصلنا 10 أشهر عن معركة الانتخابات البرلمانية والرئاسية في تركيا والساحة السياسية والحزبية عرضة لأكثر من مفاجأة وتحول في الكثير من المشاهد والاصطفافات والمواقف. تحالف الجمهور الذي يجمع حزب العدالة والتنمية وحليفه من خارج الحكم حزب الحركة القومية يريدان التمسك بمقعد السلطة، والتكتل المعارض الذي يقرب بين أقصى اليسار واليمين يسعى لانتزاع القيادة وإزاحة حزب العدالة بعد 20 عاما من الحكم. كل طرف سيستخدم ما يملكه من أوراق وفرص وقضايا داخلية وخارجية تعزز حظوظه وتوصله إلى هدفه، والملف السوري بكل تفرعاته السياسية والأمنية والاقتصادية هو في كل نقاش بطابع اجتماعي ومعيشي في البلاد حسب استطلاعات الرأي التركية.

بواسطة / سمير صالحة 
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.