تتجه تركيا نحو انتخابات رئاسية وبرلمانية في غاية الأهمية سيتم إجراؤها في صيف العام المقبل، وسط تحديات كبيرة تحيط بها من الخارج، بالإضافة إلى أخرى تواجهها في الداخل. ومن المؤكد أن تلك التحديات ستثقل كاهل حزب العدالة والتنمية الحاكم، لأنه سيكون مضطرا للانشغال بمتابعة جميع التطورات في الداخل والخارج، فيما تستنفر المعارضة جهودها فقط للفوز في الانتخابات.
التحدي الخارجي الأكبر أمام تركيا هو خطر الإرهاب الانفصالي الذي يأتي من شمالي العراق وشمالي سوريا، في ظل الدعم السخي الذي تقدمه الولايات المتحدة إلى حزب العمال الكردستاني في تلك المناطق، بحجة محاربة تنظيم “داعش” الإرهابي. وتزيد الأوضاع الراهنة التي تفسح المجال لتحرك المنظمات الإرهابية والميليشيات المسلحة لبسط سيطرتها وتوسيع نفوذها في كل من سوريا والعراق، خطورة هذا التحدي.
أنقرة تفضِّل أن تكون في دمشق وبغداد حكومة قوية تمثل كافة أبناء الشعب، لتنسق معها في محاربة حزب العمال الكردستاني، كما تتمنى أن يحمي كلا البلدين وحدة ترابهما. إلا أن الظروف الراهنة تشير إلى أن استتباب الأمن والاستقرار في سوريا والعراق حلم بعيد المنال على المدى القريب. بل وقد تسوء الأوضاع فيهما ليشتد خطر التفكك والتقسيم. وبالتالي، يجب على القيادة التركية أن تضع خططا بديلة كي تكون تركيا مستعدة لكل الاحتمالات، وقادرة على حماية أمنها القومي ومصالحها العليا، بالإضافة إلى حماية حلفائها في سوريا والعراق بكل الأحوال.
تصعيد اليونان في بحر إيجة هو تحدٍ خارجي آخر تواجهه تركيا في الآونة الأخيرة. ومن المحتمل أن ترتفع وتيرة هذا التصعيد، في ظل الدعم الكبير الذي تتلقاه أثينا من الولايات المتحدة وبعض دول الاتحاد الأوروبي، وانتشار القواعد العسكرية الأمريكية على الأراضي اليونانية. وترى أنقرة أن هناك أطرافا تحرِّض اليونان لإشغال تركيا وإضعافها، وأن أثينا “المدللة” تخطئ في حساباتها إن كانت تعتقد أن تلك الأطراف ستحميها في أي مواجهة عسكرية مع تركيا.
الخطر الأكبر الذي يهدد تركيا في الداخل هو احتمال العودة إلى “تركيا القديمة” وتدمير كافة النجاحات التي حققتها البلاد في العقدين الأخيرين، وتوقف المشاريع العملاقة، والتراجع عن تطوير الصناعات الدفاعية.
استمرار التحرشات اليونانية بالمقاتلات التركية قد يتسبب في حوادث تؤدي إلى حرب ساخنة بين البلدين. وفي آخر تطور يكشف مدى خطورة تلك التحرشات ومدى نفاق الولايات المتحدة وازدواجية معاييرها وانحيازها السافر لأثينا، قامت رادارات منظومة أس-300 الروسية المنصوبة في جزيرة كريت، بتتبع مقاتلات تركية كــ”أهداف معادية”، أثناء قيامها بمهام في بحر إيجة وشرق المتوسط. وهو ما لفت إليه رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان في كلمته التي ألقاها، الثلاثاء، بمناسبة يوم النصر في المجمع الرئاسي بأنقرة، وأضاف قائلا إن “تركيا تترقب الرد الذي ستبديه الولايات المتحدة على تفعيل اليونان منظومات أس-300 ضد قوة جوية في الناتو”.
أما التحديات التي تواجه تركيا في الداخل فيأتي على رأسها بث المعارضة مشاعر العنصرية والكراهية في المجتمع لأهداف انتخابية. ومما لا شك فيه أن ما تقوم به المعارضة يهدد السلم الأهلي والنسيج الاجتماعي، ويعمق الشرخ بين المؤيدين للحكومة والمعارضين لها. ويتوقع أن تقوم المعارضة بتغليظ لهجتها أكثر كلما اقتربت البلاد من موعد إجراء الانتخابات.
الخطر الأكبر الذي يهدد تركيا في الداخل هو احتمال العودة إلى “تركيا القديمة” وتدمير كافة النجاحات التي حققتها البلاد في العقدين الأخيرين، وتوقف المشاريع العملاقة، والتراجع عن تطوير الصناعات الدفاعية.
ويرى كثير من المراقبين أنه أمر شبه مؤكد، إن فازت المعارضة في الانتخابات المقبلة. وهو ما أعرب عنه المهندس سلجوق بيرقدار، المدير التقني لشركة “بيكار” للصناعات الدفاعية المنتجة لمسيرات “بيرقدار TB-2” و”أقينجي”، ردا على سؤال حول مدى شعوره بالقلق والخوف من عرقلة المشاريع الدفاعية في حال تغيرت الحكومة، وأشار في حديثه إلى المذيعة “كبرى بار” إلى هذا الاحتمال، لافتا إلى وجود مساعٍ تهدف إلى تمهيد الطريق لهذه الخطوة.
هناك مشاكل أخرى تعاني منها تركيا كمعظم دول العالم، بسبب ارتفاع أسعار الطاقة وآثار جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية. ويرى الشارع التركي، وفقا لنتائج استطلاعات الرأي، أن أكبر مشكلة في البلاد هي التضخم وارتفاع الأسعار، وتليها مشكلة اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين. إلا أن أردوغان ما زال يحتل المرتبة الأولى بفارق كبير حين يُسأل المواطنون: “من الذي يمكن أن يحل هذه المشاكل؟”
كان الرئيس الأمريكي، جو بايدن، صرح خلال حملاته الانتخابية بأنه سيزيد دعم الولايات المتحدة للمعارضة التركية لتفوز في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وتسقط أردوغان، كما فازت في الانتخابات المحلية الأخيرة في إسطنبول، ما يعني أن تركيا أمام معركة مفصلية، إما ستنتصر فيها لتحافظ على استقلاليتها وتواصل مسيرتها نحو مزيد من التطور والقوة والرفاهية، وإما ستعود إلى “بيت الطاعة” لتظل دولة وظيفية تدور في فلك أمريكا.
بواسطة / إسماعيل ياشا