وقد كان لهذا الخطاب المتعلق بذكرى تحرير إزمير صدىً كبير، وأتاحت قناة تلفزيونية الفرصة لرئيس البلدية للتحدث بهذه المناسبة. ومع ذلك، استغل رئيس بلدية إزمير هذه الفرصة لتعميق المواقف المناهضة للجمهورية والحكم العثماني. لم يتعرض أبداً للقضية التركية اليونانية. ومع أن التاسع من سبتمبر/ أيلول كان يوم انتصار وتم الاحتفال به بمناسبة انتهاء الاحتلال اليوناني.
استمرت النقاشات حول الانتقال من الإمبراطورية العثمانية إلى الجمهورية منذ مئة عام. وكان من الممكن التعامل مع هذا الانتقال من حيث نتائجه الطبيعية وتحويله إلى ثروة هائلة، لكن لم يحدث هذا بل تم تنحية فكرة الانتقال جانبا. وفوق هذا تم الحفاظ على المعارضة الموروثة من العهد العثماني، فبالنسبة لنا، لم تكن الحرب العالمية الأولى قد انتهت. ونجحت الأيديولوجية التوسعية لأوروبا، وتشتت الجغرافيا العثمانية. وقد حقق الاستعمار الأوروبي هدفه باستيلائه على الأراضي الشاسعة، إلا أن تركيا تمكنت من البقاء صامدة، وهذا أكبر مؤشر على أن الحرب لم تنته بعد. يجب النظر إلى الحقبة التي بدأت باحتلال اليونان للأناضول ضمن هذا الإطار، لقد أرادوا الاستيلاء على الأراضي المتبقية لكن تركيا لم تسمح بذلك.
طوال مئة عام تقريباً، تم حصر القضية التركية اليونانية في محور المعارضة سواء في العصر العثماني او في عصر الجمهورية التركية. وعندما اندلعت التوترات بين تركيا واليونان مرة أخرى بعد قرن من الزمان كان من المهم جدًا أن تتأجج نيران الأفكار المناهضة للدولة العثمانية والجمهورية التركية، وأن يُصرف الاهتمام عن قضية الشرق والغرب في الداخل. وكنا في القرن العشرين تقريبًا ناقشنا قضايا محور الشرق والغرب من خلال الأفكار المناهضة للدولة العثمانية والجمهورية التركية، وهذا يدل على أن الحياة الفكرية التركية حُصرت في منطقة ضيقة للغاية، كما هو الحال في القضية التركية اليونانية عندما عادت قضايا الشرق والغرب إلى الظهور بعد قرن من الزمان ، تأججت فوراً نيران الأفكار المناهضة للدولة العثمانية والجمهورية التركية، لا جدوى من شرح هذا الوضع بنظريات المؤامرة، ففي بداية التسعينيات عندما انهار الاتحاد السوفيتي وغزت دول أوروبا الغربية بقيادة الولايات المتحدة الجغرافيا الإسلامية مرة أخرى، أشعلوا فتنة الأفكار المناهضة للدولة العثمانية والجمهورية التركية في الداخل، وفي ظل هذا الاضطراب تسلل أعضاء تنظيم غولن الإرهابي إلى الجغرافيا التركية وظهرت قوة عالمية عظمى بمرور الوقت.
وما زال “سويار” مستمرًا في الاتهام دون تردد رغم مضي حوالي قرن كان يجب أن يكون لديه ما يقوله اليوم أيضًا، كان عليه أن يجيب على السؤال المطروح في الأعلى دون التركيز على العثمانيين وأردوغان، كان من المفترض أن يدلي بتعليق مباشر على القضية التركية اليونانية، رأيتم كيف رد رئيس البلدية قال إنه من أجل السلام، لقد أظهر بهذا أنه لم يكن لديه ما يقوله عندما تعلق الأمر باليونان، فلو طُرح على نفس الشخص سؤال عن قضايا الشرق والغرب لكان هناك صمت مماثل، وهذا ينطبق أيضًا على معارضة أردوغان، فعندما تُزال الجمل التي تهدف إلى انتقاد أردوغان يُلاحظ على الفور أن معظم الناس لا يقولون أي شيء يؤخذ على محمل الجد بشأن التغييرات التي تهز العالم بأسره بشدة اليوم.
نحن نعلم أن مناهضة الجمهورية أو الدولة العثمانية لها أنصارها. حتى أنه غالبًا ما تستخدم هذه المعارضة كواجهة. ومن المعروف أيضاً أن أعضاء تنظيم غولن الإرهابي يتغذون أيضًا من هذه المعارضة، من هذه الناحية لا يُعدُّ رئيس بلدية إزمير مثالاً استثنائياً، لكن علينا أن نجد إجابة من أي ناحية ينبغي دراسة هذه المعارضة. وهذا يتطلب تحليلا جيدا للأحزاب القائمة، نسبياً نحن الآن في وضع أفضل بالنسبة للماضي، لأن الكثيرين الآن يضطرون إلى الخروج من مخابئهم.
لم نكن لنتخذ الخطوة الصحيحة بتحملنا مسؤولية التعريف عن أنفسنا للغرب بشكل صحيح، وهذا يعني الاستسلام لهيمنة المستشرقين، عندما يكون الصراع إقليمياً فإن اليونان بالتأكيد مجرد وسيط، وهذا موضوع مقال آخر.