ستُعقد اجتماعات مهمة في هذا الشهر خلال 10 أيام، وذلك بمشاركة تركيا، حيث سكون لهذا الاجتماعات تأثير كبير في تحديد ملامح المستقبل.
يتوجه الرئيس “رجب طيب أردوغان” إلى أوزبكستان – سمرقند بتاريخ (15-16 أيلول/ سبتمبر) للمشاركة في قمة رؤساء دول (منظمة شنغهاي للتعاون). ومن ثم سينتقل إلى الولايات المتحدة في (17-22 أيلول/ سبتمبر)، لحضور الدورة السابعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة وسيلقي خطاباً أمام الجمعية العامة، ومن المزمع أن يُجري محادثات خاصة في القمتين، مثل بوتين وبايدن.
وهذا يعني أن تركيا تشارك في الأقطاب المتباعدة جغرافيًا وسياسيًا على حد سواء.
هذه الجولة تشترك مرة أخرى وفي نفس الوقت مع سلسلة من التطورات الإقليمية والعالمية التي تقع في قلب أنقرة.
لا تزال الأزمة السورية في طريق مسدود، واحتمال البدء بعمليات عسكرية في الشمال السوري ما زال قائمًا، أما العراق المجاور فتتفاقم فيه حالة عدم الاستقرار، ومن جهة أخرى تستمر المفاوضات النووية الإيرانية مع الغرب، كما تستمر التوترات مع إسرائيل، وهذا يعيد تشكيل المكونات الرئيسية للأزمة في سوريا.
إن الوجود العسكري الأمريكي على حدودنا الجنوبية وتحالفه المفتوح مع تنظيم بي كي كي الإرهابي يجعله جزءًا من الإرهاب، كما أنه يشير إلى التطورات الأخرى على حدود تركيا.
التوترات المتجددة كل يوم مع اليونان مرتبطة أيضًا بشرق البحر الأبيض المتوسط وسوريا، وقد حصل أحد هذه التوترات عندما تمت محاصرة طائراتنا الحربية S-300، بينما حصل الآخر عندما كان تنظيم بي كي كي الإرهابي والولايات المتحدة الأمريكية ينفذان تدريبات صاروخية مشتركة على بعد بضعة كيلومترات من حدودنا. ومن الواضح أن مراكز القيادة والسيطرة هي نفسها، وهذا أحد أشكال الرسائل في العلاقات الدولية.
وفوق كل ذلك ثمة حرب بين روسيا وأوكرانيا، وكما يعلم الجميع فإن هذه الحرب في حقيقتها بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا أو بين الشرق والغرب، لقد بدأت ترد أنباء عن صراعات واسعة تختلف عن الخلافات التي اعتدناها على الحدود الأذربيجانية الأرمينية. وذلك (بعد التصريحات المشتركة لروسيا وأذربيجان وإيران بشأن تطوير ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب وقبل منظمة شنغهاي للتعاون)
وهكذا، لا تزال أربع مناطق أزمات على الأقل (سوريا / اليونان / أرمينيا / أوكرانيا) من حولنا على تصارع للحياة مع العديد من اللاعبين.
ليت الأمر يقف عند هذا الحد، فبعض هذه الدول لديها انتخابات بالتزامن مع الانتخابات التركية، وهذا سيدخل اليونان والولايات المتحدة الأمريكية وتركيا في مرحلة زمنية حساسة.
في ظل هذه الأحداث تقوم أنقرة بجولة رسمية تشمل الشرق والغرب، فلديها الكثير لتتحدث عنه مع روسيا وأمريكا، لكن بعض القضايا لن تأتي بنتيجة، إذ إن بعضها محفوف بالكثير من العقبات، وبعضها يُنتظر موعد حلولها كانتخابات الكونغرس الأمريكي في نوفمبر.
في الواقع هناك ما قبل هذه الجولة المزدوجة وما بعدها، وذلك أشبه بالزيارة التي أجراها أردوغان إلى البلقان، واجتماع “المجموعة السياسية الأوروبية” المقرر عقده في براغ يومي 6 و7 تشرين الأول/ أكتوبر القادم، أي قبل انعقاد المجلس الأوربي الذي ستشارك فيه تركيا التي تكمن أهميتها في كونها جزءاً من خريطة محور الشرق والغرب التي تحدثنا عنها.
دعونا نذكر أعضاء منظمة شنغهاي للتعاون: جمهورية الصين الشعبية والاتحاد الروسي وقرغيزستان وطاجيكستان وكازاخستان وأوزبكستان والهند وباكستان وإيران حديثًا، أما البلدان المراقبة فهي: أفغانستان ، منغوليا ، بيلاروسيا، والدول المشاركة في الحوار: تركيا وأذربيجان وسريلانكا وأرمينيا وكمبوديا ونيبال والمملكة العربية السعودية ومصر وقطر.
الآن تخيلوا هذه البلدان على خريطة العالم، انظروا م الانطباع الذي سيتولد لديكم؟
مما لا شك فيه أن الدول المذكورة لها علاقات وخلافات ومصالح منفصلة مع بعضها البعض ومع منظمة ما، ومع بقية دول العالم، فلا وجود لـ “تحالف مثالي”.
لكن هناك سؤال واحد فقط هنا، ماذا تعني منظمة شنغهاي للتعاون في النظام العالمي الجديد؟
يدعي أولئك الذين ينتقدون علاقة تركيا بهذه المنظمة أن منظمة شنغهاي للتعاون لا تعادل الاتحاد الأوروبي إذا كانت منظمة تعاون، ولا تتساوى مع منظمة حلف شمال الأطلسي إذا كانت منظمة دفاعية / أمنية. هل هذا صحيح؟ ليس تمامًا، لكنه ليس خاطئًا تمامًا أيضًا، فهذه المقارنة لا أهمية لها، هذا اعتراض تقليدي، وهذا ما يسمى فهم “النظام العالمي” وعدم فهم “الجديد”. إنه قديم وأعمى.
هل هذه المنظمة منظمة تتحدى النظام الغربي الراسخ؟ نعم هي كذلك، ولا فائدة من إنكار هذا. هل روسيا والصين ـالعضوان المؤسسان الرئيسيان للمنظمةـ عدوتان للولايات المتحدة الأمريكية؟ يبدو ذلك، إن طبيعة الأشياء ومجرى الحياة سيؤدي حتما بالمنظمة إلى جعلها المحور.
وفيما يخص عضوية إيران وعضوية تركيا المحتملة، العضوية الكاملة لهاتين الدولتين في منظمة شنغهاي للتعاون تعني تأكيدًا لحدود الغرب المستمدة من اليونان! ستكون هذه هي حدود الشرق، لا تظنوا أنني بصدد إزالة الأمور الجانبية، فإن ممارسة السياسة الخارجية متعددة الأبعاد والاتجاهات التي تنتهجها تركيا حاليًا تؤتي ثمارها، وهي سياسة صائبة جدًا، وأكبر مثال على ذلك التعامل مع الأزمة الأوكرانية. لكن هل هذه نظرة الولايات المتحدة والغرب بشكل عام إلينا؟ هل يتقبل الغرب هذا أو يرانا نستحق هذا اللطف، فهل ينظرون بإيجابية إلى عضويتنا في منظمة شنغهاي للتعاون؟ هناك ما يريده الغرب، وهذا يجبر تركيا على “البقاء” ، وليس “الذهاب إلى أي مكان آخر”. هذه هي الحقيقة.
كما أن لمنظمة شنغهاي مشاكلها الخاصة، كما في العلاقات الروسية الصينية، ومحور الهند غير المستقر، بالإضافة إلى موازين القوى في غرب آسيا. لكن الاتجاه العالمي بما فيه أوروبا موجود هنا مجدداً.
تحاول منظمة شنغهاي للتعاون بناء خط من بكين إلى لندن ، كما في حالة أوكرانيا، وفي نفس الوقت سيكون هذا طريقاً سياسياً، وكأنها تقول شيئًا عن الاتفاقيات التي أبرمتها الدول المجاورة لبحر قزوين، ومنظمة الدول التركية، ونتائج الحرب الأذربيجانية الأرمينية، قلب العالم.
ولعلنا سنستمع إلى ما تود شنغهاي أن تقوله من خلال الخطاب الذي سيلقيه أردوغان في الأمم المتحدة.
بواسطة / نيدرت إيرسانال