من جهة أخرى، وضع حزب الشعب الجمهوري يده على القضاء بعد انقلاب 1960، وأخذ البلاد رهينة لعقليته ومصالحه.
كان الرئيس الراحل تورغوت أوزال أول سياسي يتخذ خطوات بخصوص مسألة رفع الحظر على ارتداء الحجاب في تركيا. وقد رفض القضاة العلمانيون الفاشيون التعديلات التي أجراها في هذه المسألة. واتخذوا قرارات أوصلوا بها المسألة إلى أمر غير قابل للطعن. وقد أظهر نجم الدين أربكان أكبر مقاومة لرفع الحظر على ارتداء الحجاب وكانت مطالباته بذلك من بين أسباب إغلاق حزب الرفاه.
وفي الفترة الممتدة بين عامي 2002- 2013، عندما وصل حزب العدالة والتنمية إلى السلطة، لم يستطيع رفع الحظر على ارتداء الحجاب بسبب الوصاية العسكرية التي كانت مفروضة من قبل الاتقلابيين. وبعد انتخابات 2007، قدم حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية مشروعهما لتعديل القانون الذي يمنع طالبات الجامعات من ارتداء الحجاب. وتم رفض التعديل الذي تم رفعه إلى المحكمة الدستورية من قبل حزب الشعب الجمهوري. وألغت حينها المحكمة الدستورية التركية التعديل الذي يهدف إلى رفع الحظر على ارتداء الحجاب.
وفي عام 2008، كان قبول التعديل الدستوري الخاص بمنح الطالبات حرية ارتداء الحجاب في الجامعات بأغلبية 411 صوتا برلمانيا. ورفع حينها المدعي العام للمحكمة الدستورية العليا “عبد الرحمن يالنتش كايا” دعوى قضائية لإغلاق حزب العدالة والتنمية. بالمقابل، نجا الحزب بصعوبة من الإغلاق لكنه لم يتمكن من الإفلات من العقوبات لأنه كان محور البيادق المناهضة للعلمانية. وعندما ننظر إلى نتائج التصويت البرلماني نجد أن نسبة الذين وافقوا على التعديل الدستوري هي 74 بالمائة. وعلى الرغم من هذه النسبة إلا أن القضاة التابعين لحزب الشعب الجمهوري ألغوا التعديل الدستوري. وهذا بعني أنهم قاموا باغتصاب السلطة التشريعية للبرلمان.
وفي هذا السياق، لم يستطيع حزب العدالة والتنمية من رفع الحظر على ارتداء الحجاب إلا بعد فوزه الثالث في الانتخابات.
ولو لم يتمكن البرلمان من انتخاب رئيس بعد انتخابات عام 2007 وتعيينه أعضاء جدد في المحكمة الدستورية خلال فترة ولاية الرئيس المنتخب عبد الله غول، والتعديل الدستوري الذي جرى عام 2010، لما كان من الممكن رفع الحظر على ارتداء الحجاب مرة أخرى.
من جهة أخرى، أنا لا أكتب كل هذه الأمور للتذكير بالماضي السيء لحزب الشعب الجمهوري في مسألة ارتداء الحجاب. بكل تأكيد هناك جروح لم تلتئم بعد. ولكن الأهم من كل هذا أن هناك كتلة إذا أتيحت لها الفرصة ترغب بفعل نفس الأعمال وربما أكثر.
زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو أدرك ما يريده هذا الجمهور (المحافظ) حيث كان قلقًا بخصوض تقديم ضمانات للمحافظين. واقترح حزبه تشريعا لضمان حرية الحجاب قانونيا.
وقبل هذا الاقتراح نشر كليجدار أوغلو على حسابه الرسمي على مواقع التواصل الاجتماعي بيانا أعلن فيه أنهم سيتخذون خطوة لطلب الصفح والمسامحة من قبل المحجبات.
حاليا لا توجد مشكلة في مسألة حرية ارتداء الحجاب في المنظمات العامة والمؤسسات بما فيها المؤسسة تعليمية. فلماذا اتخذ حزب الشعب الجمهوري مثل هذه الخطوة؟
نعلم أن كليجدارأوغلو يائس من مسألة الترشح للرئاسة، بالمقابل قال معارضو ترشيح كليجدار أوغلو: سيد كمال، ستكون مرشحا جيدا لكن المحافظين لن يصوتوا لك.”
والمرشح الذي لا يستطيع الحصول على أصوات من هذه الشريحة (المحافظين) لا يمكنه الفوز في الانتخابات” أطروحتك تعمل بشكل جيد.
وفي سياق متصل، هناك أشخاص محافظون (ظاهريا) يجلسون على طاولة تحالف الستة المعارض. ويبذلون ما بوسعهم بسبب المخاوف التي تشير إلى إنه في حال وصول حزب الشعب الجمهوري ستكون هناك ضغوط على المحافظين كما كان من قبل.
وقال كليجدار أوغلو أمام عدسات الكاميرا: “نحن نفصل ملابس النساء عن احتكار السياسة. ونضمن هذا الحق قانونيا. سنمنع هذا تماما من أن يكون موضوعا للمناقشة”.
يجب تنفيذ هذا الاقتراح على الفور قبل طرح الأسئلة التالية :
“من الذين سيتم طمأنتهم بشأن ارتداء الحجاب؟ من سيفرض الحظر على ارتداء الحجاب مرة أخرى؟ هل هناك حاجة إلى الحماية القانونية؟
تم تطبيق الحظر على ارتداء الحجاب لمدة 50 عاما في تركيا بشكل غير قانوني. وخلال الفترات التي كان يتم تنفيذ قرارات الحظر، كانت الحكومات غير مرتاحة لمثل هذا الوضع وكان السياسيون يكافحون لحل هذه المشكلة.
الأشخاص الذين مارسوا الاستبداد والاضطهاد على هذا الشعب عندما لم يكن هناك حكم مانع يتظاهرون الآن بأنهم أصبحوا جيدين لأسباب سياسية، ولكن إذا أتيحت لهم الفرصة سيعيدون الشعب إلى فترة الدمار.
وبما أن حزب الشعب الجمهوري قد وصل إلى هذه المرحلة، فلا يمكن القيام بمثل هذا الاقتراح القانوني الغامض. ومن خلال تعديل دستوري يحتوي على بيانات واضحة للغاية، يمكن إرسال هذه المسألة إلى مزبلة التاريخ.
من ناحية أخرى، لا يكفي ضمان أن مثل هذا الحظر لن يحدث مرة أخرى مستقبلا. فجروح انقلاب 28 فبراير/شباط لم تلتئم ولم تعود حقوق الذين تعرضوا للإساءات في الماضي ويجب اتخاذ التعديلات اللازمة لإعادة تلك الحقوق سواء وقعت الإساءة لسبب سياسي أو من أجل أسباب أخرى.
والنقطة التي وصلنا إليها الآن هي حصاد إنجازات نصف قرن من المقاومة. من ساحة بيازيد إلى ساحة تاندوغان. ألف تحية وسلام لأولئك الذين أحاطوا تركيا بأيديهم وأكملوا تعليمهم في الخارج.
بواسطة / حسين ليكوغلو