الرئيس أردوغان وكليتشدار أوغلو في معركة الحجاب
فاجأ رئيس حزب الشعب الجمهوري، كمال كليتشدار أوغلو، الرأي العام التركي عموما، وأنصار حزبه العلمانيين على وجه الخصوص، حين قال في مقطع فيديو نشره في مواقع التواصل الاجتماعي، إن الحزب سيقدم إلى البرلمان التركي مشروع قانون يضمن للنساء المحجبات حرية ارتداء الحجاب في المدارس والجامعات والدوائر الحكومية.
هناك تفسيرات مختلفة لخطوة رئيس حزب الشعب الجمهوري المفاجئة، أولها أن كليتشدار أوغلو الذي يستعد لإعلان ترشحه للانتخابات الرئاسية يواصل دغدغة مشاعر الناخبين المتدينين والقوميين
التفسير الثاني لمبادرة رئيس حزب الشعب الجمهوري هو أن تسريبات وصلت إليه تفيد بأن حزب العدالة والتنمية يستعد لطرح فكرة حماية حرية ارتداء الحجاب بضمانات قانونية، بعد حادثة حظر الحجاب واللحية من قبل عقيد يعمل مديرا في مصنع صيانة تابع للجيش بمدينة قيسري. وتم إبعاد ذاك العقيد عن منصبه، إلا أن الحادثة أثارت مخاوف من احتمال عودة مشكلة الحجاب في البلاد بقوة، بعد أن ظن الجميع أنها قد حلت. ودفعت تلك المخاوف حزب العدالة والتنمية إلى العمل لمنح حرية ارتداء الحجاب حصانة قانونية، ولما سمع كليتشدار أوغلو أن منافسه يستعد لأن يفتح ملف حقوق المحجبات أراد أن يستبقه من خلال تقديم مشروع قانون إلى البرلمان.
نص مشروع القانون الذي تقدم به حزب الشعب الجمهوري إلى البرلمان فضفاض، ولا يتطرق إلى حرية ارتداء الحجاب باسمه. وهو بعيد عن حماية تلك الحرية، لأنه يبدو مجرد مناورة يقوم بها كليتشدار أوغلو. وقد يتم تفسير القانون المقترح بشكل يؤدي إلى انتهاك حقوق المحجبات في المدارس والجامعات وأماكن العمل، كما أنه يمكن تغييره فيما بعد بقانون آخر، وهو ما دفع رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان للدعوة إلى تعديل الدستور ليحتوي على ضمانات صريحة لحماية حرية ارتداء الحجاب، لأن الضمانات الدستورية أقوى من الضمانات القانونية، وأن تعديل مادة في الدستور أصعب من تعديل قانون أو إلغائه.
مشكلة الحجاب في تركيا لم يكن سببها الدستور أو القوانين. وبعبارة أخرى، لم تكن هناك قوانين أو مادة في الدستور تحظر ارتداء الحجاب في الجامعات والمدارس وحتى الدوائر الحكومية، بل كان الجو السياسي العام يسمح للأقلية العلمانية المتطرفة بفرض وصايتها
الحقيقة التي يجب ألا تغيب عن الأذهان في هذا الموضوع هي أن مشكلة الحجاب في تركيا لم يكن سببها الدستور أو القوانين. وبعبارة أخرى، لم تكن هناك قوانين أو مادة في الدستور تحظر ارتداء الحجاب في الجامعات والمدارس وحتى الدوائر الحكومية، بل إن الجو السياسي العام كان يسمح للأقلية العلمانية المتطرفة بفرض وصايتها، وتفسير الدستور والقوانين بحسب هواها لحظر ارتداء الحجاب بدعوى أنه يتعارض مع مبدأ العلمانية.
ومن المؤكد أن ذاك الجو القديم سوف يخيم على تركيا مرة أخرى إن فاز مرشح المعارضة في الانتخابات الرئاسية، لتعود الانتهاكات التي تطال المحجبات، ولن تتمكن الأحزاب الصغيرة، كحزب السعادة وحزب المستقبل، من الحيلولة دون وقوع تلك الانتهاكات. كما أن تعديل الدستور يمكن أن يؤدي إلى تقوية أيدي المحجبات في المعارك القانونية التي قد يضطررن للجوء إليها في المستقبل للدفاع عن حقوقهن، إلا أنه لن يلجم العلمانيين المتطرفين الذين يحلمون بسقوط أردوغان وعودة “تركيا القديمة”.
مبادرة كليتشدار أوغلو بشأن حماية حقوق المحجبات أشعلت نقاشا في صفوف مؤيدي حزب الشعب الجمهوري. وانتقد بعضهم إثارة هذا الموضوع
مبادرة كليتشدار أوغلو بشأن حماية حقوق المحجبات أشعلت نقاشا في صفوف مؤيدي حزب الشعب الجمهوري. وانتقد بعضهم إثارة هذا الموضوع “في الوقت الذي يعاني فيه الشعب من مشاكل عديدة”، بحسب تعبيرهم، واعتبروها “استغلالا للدين لأغراض سياسية”، وتنازلا عن العلمانية لصالح “الإسلام السياسي”، فيما ذهب آخرون إلى أنه لا داعي للقلق، لأن “الفتيات المحجبات سيخلعن الحجاب برضاهن وإرادتهن الحرة بعد سقوط هذه الحكومة”، بحسب رأيهم.
مشروع التعديل الدستوري الذي يستعد حزب العدالة والتنمية لتقديمه إلى البرلمان لحماية الأسرة وحرية ارتداء الحجاب؛ سيكون اختبارا لنوايا حزب الشعب الجمهوري ورئيسه. ومن المتوقع أن يحرج المشروع أحزاب تحالف الطاولة السداسية المعارض، وتنقسم مواقفها منه بين مؤيد ومعارض بحسب ميول أنصارها، ويختار حزب الشعب الجمهوري معارضة التعديل المقترح خوفا من غضب مؤيديه العلمانيين المتطرفين.