بعد محاولة الانقلاب الفاشلة 15 تموز/يوليو، نحى الشعب آرائه وأفكاره ومعتقداته وخلافاته السياسية جانبًا واجتمع من أجل مستقبل البلاد بعد أن أدرك خطورة الموقف. وكان يهيمن مفهوم “البلد أولًا ثم معتقداتي” على عقلية الحاضرين.
وبغض النظر عن الانتماء السياسي والحزبي، تجمع الملايين من الشعب التركي بساحة “يني كابي” في 7 أغسطس/آب، حيث كان هذا التجمع الرمز الأكثر واقعية بعد الانقلاب.
وتلقى زعماء العديد من الأحزاب التركية دعوات لحضور هذا التجمع التاريخي الذي أصبح رمزا لروح “يني كابي”. كما شارك في التجمع السيد كليجدار أوغلو زعيم حزب الشعب الجمهوري.
وبعد فترة قصيرة من التجمع، تحولت توجهات كمال كليجدار أوغلو إلى مسار مختلف تمامًا، حيث وصف محاولة انقلاب 15 يوليو/تموز بالمسرحية. كما وصف حالة الطوارئ بأنها انقلاب، والتي أعلنتها الحكومة في 20 يوليو/تموز لمحاربة خونة تنظيم غولن الإرهابي.
وبعد ذلك أطلق زعيم حزب الحركة القومية دولت بهجلي تصريحات تفيد أنه من غير الممكن مواجهة الهجمات التي تتعرض لها تركيا عبر النظام البرلماني ودعا حزب العدالة والتنمية لتحضير الاقتراحات اللازمة من أجل تعديل الدستور للانتقال من النظام البرلماني إلى الرئاسي في الحكم.
بعد الاقتراح الذي قدمه بهجلي، بدأت الصفوف تصبح واضحة. كما أصبحت التحالفات ضرورية ولا مفر منها بعد إقرار التعديلات الدستورية بخصوص الانتقال للنظام الرئاسي، والتي جرت عبر استفتاء شعبي.
ولأن الحكومة كانت بحاجة إلى نسبة تصويت 50 بالمائة زائد 1 بالمائة (50+1). اتخذ دولت بهجلي مجددًا الخطوة الأولى بخصوص هذه المسألة وأعلن في تصريحات للصحفيين أن المرشح الرئاسي لتحالف الشعب هو رجب طيب أردوغان.
الأشخاص الذين كانوا يحلمون بحزب العدالة والتنمية بدون أردوغان والذين خططوا للاستيلاء على الحزب بتعديل الدستور أصيبوا بخيبة أمل كبيرة. وقبل الانتخابات الرئاسية 2018، قاموا بحياكة الألاعيب في الخفاء ضد أردوغان، ولم يتمكنوا من منع انتخابه، لذلك حزموا أمتعتهم من الحزب وغادروه.
تعيين متين فوزي أوغلو أزعجت شخص ما
لم أذكرهم بمسألة التفتيش في الدفاتر القديمة. إن مسألة تعيين متين فوزي أوغلو، الرئيس السابق لاتحاد نقابات المحامين، سفيرًا لدى قبرص التركية، بموجب المرسوم الرئاسي الأخير في تعيين سفراء جدد للبلاد، أثار انزعاج شخص ما.
إنهم يتذكرون ما صرح وقام به متين فوزي أوغلو في الماضي ويجرون بتقييمات مهينة بحقه.
وقبل أن يتمكنوا من تجاوز صدمة تعيين فوزي أوغلو، أزعجتهم أيضًا أخبار جديدة. وهي أخبار محمد علي جلبي، النائب السابق عن حزب الشعب الجمهوري، والذي قدم استقالته وانتقل إلى حزب الوطن الذي يترأسه المرشح الرئاسي السابق محرم إنجه، والذي استقال منه فيما بعد وأصبح مستقلًا لفترة، وانضم بعدها إلى حزب العدالة والتنمية.
وتعرض محمد علي جلبي لمؤامرات تنظيم غولن الإرهابي خلال محاكمات إرغينيكون وباليوز. حيث أنهوا حياته العسكرية. أولئك الأشحاص الذين يتحدثون عن جلبي وتصريحاته القديمة كما تحدثوا عن تصريحات فوزي أوغلو، بدأوا يطلقون حملات غوغائية بحقهما.
يمتلك الجميع حق الانتقاد، ولكن إذا قام أعضاء الطاولة السداسية بذلك فإنهم سيقولون: “ما الأمر الذي جمعهم ” إن العقلية التي تجد أنه من الطبيعي تجمع كلًا من حزب الشعب الجمهوري وحزب الجيد وحزب السعادة والحزب الديمقراطي وحزب الشعوب الديمقراطي والمغادرين لحزب العدالة والتنمية حول طاولة واحدة، لا يمكنها أن تفهم انضمام محمد علي جلبي إلى حزب العدالة والتنمية وتعيين متين فوزي أوغلو سفيرًا لقبرص التركية.
روح تجمع “يني كابي” ما زالت موجودة
السؤال الذي يجب طرحه هو ما الأمر الذي جمع تلك الأحزاب على الطاولة السداسية، والإجابة بأن الذي جمعهم هو معارضة رجب طيب أردوغان غير كافية.
بالطبع معارضة رجب طيب أردوغان هو الدافع وراء تشكيل الطاولة السداسية، ولكن بالمقابل لا يوجد شكوك لأحد أن السبب الحقيقي وراء ذلك مختلف تمامًا.
ومع ذلك، إذا تمكنوا من رؤية ما قاله كل من فوزي أوغلو ومحمد علي جلبي، وما فعلوه وما هو الموقف الذي اتخذوه بعد 15 تموز/يوليو، فلن يكونوا هناك حاجة إلى أن يتفاجئوا.
روح تجمع “يني كابي” الذي حدث بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة 15 يوليو/تموز ما زالت موجودة، ويواصل تحالف الشعب نضاله بما يتماشى مع تلك الروح.