نحن نعيش في عصر يسمى “ما بعد الحقيقة” حيث فقدت الحقائق والوقائع والحقيقة أهميتها. وسنناقش هذه المفاهيم أكثر في هذه الأيام، عندما يصل الصراع بين الأشخاص الذين يخافون الكذب والكاذبين إلى ذروته.
من جهة أخرى، تنتشر الأكاذيب وتأثيرها بشكل أسرع وتصبح أكثر تدميراً في ظل انتشار مواقع التواصل الاجتماعي. فالعالم بأسره يشكو من مخاطر هذا الأمر ويحاول اتخاذ الاحتياطات.
بعد جلسات صعبة ومثيرة للجدل، أقرّ البرلمان التركي مشروع قانون تضمّن تعديل قانون الصحافة وبعض القوانين المعروف باسم “لائحة مكافحة التضليل الإعلامي”
وكان موقف المعارضة ووسائل الإعلام التابعة لها من مشروع القانون الذي تم تقديمه إلى البرلمان التركي موقفًا سلبيًا، ولم يكونوا سعداء به.
عندما ننظر إلى المسار العام نرى أن لا شيء يثير الدهشة. فالخطاب الذي تستخدمه المعارضة واضح: «ليسقط الاستبداد وتعيش الحرية».
وتشرح لنا هذه اللغة وهذا الشعار كل شيء. فلغتهم هذه هي لغة أعضاء جمعية الاتحاد والترقي الذين دمروا الدولة العثمانية تحت اسم “الحرية”. هذه اللغة هي لغة الانقلابيين الذين يختبئون وراء كذبة “يوجد استبداد” ليقوموا بتنفيذ انقلابهم.
وفي هذا السياق، هم يريدون بذلك قتل عصفورين بحجر واحد. أولًا يبثون كراهيتهم للعثمانيين، ثانيًا يحاولون وصف رئيس الجمهورية التركية رجب طيب أردوغان بأنه سلطوي واستبدادي تحت ذريعة معارضتهم لـ قانون “مكافحة التضليل الإعلامي”
وفي الوقت الذي يريدون فيه التشهير والطعن بالرئيس أردوغان، فإنهم يكشفون عن حالاتهم الخاصة.
بكل تأكيد هم استمرار للفاشيات التي أطاحت بالسلطان عبد الحميد. فهم يفكرون مثلهم ويتحالفون ويتعاونون مع كل الجهات المعادية لتركيا كما فعل أسلافهم من الفاشيين. لكن هناك أخبار سيئة لهم. فأردوغان ليس السلطان عبد الحميد، تركيا لا تعيش حاليا عهد الانحدار.
سنسلط الضوء على نص مادة القانون الذي يعارضونه : “أولئك الذين ينشرون علانية معلومات كاذبة ومضللة تتعلق بالأمن الداخلي أو الخارجي للبلاد، والصحّة العامة، أو تعكير صفو النظام العام، بهدف نشر الخوف أو الذعر بين الناس سيواجهون عقوبة الحبس من سنة إلى 3 سنوات”
إنهم لا يقولون: لن نكذب ولن نروج للأكاذيب بعد الآن، ولن نخلق القلق أو الخوف أو الذعر” بل يقولون: “لماذا تعاقبون من يفعل هذه الأشياء هل هذه هي الرقابة”
لا يوجد شيء يمكن فعله حيال أولئك الذين ينظرون إلى هذه القضية من هذا المنظور. أولئك الذين يتغذون من هذا المنظور لا يمكن أن يطلق عليهم أي شيء.
ولكن من خلال ذكر الأمثلة الفظيعة لأكاذيبهم السابقة، يمكننا أن نفهم بشكل أفضل من هم وعلى ماذا ينوون ويخططون.
المثال الأول: نشرت صحيفة “إسطنبول إكسبريس” تقريرًا كاذبًا تحت عنوان “قُصف منزل أجدادنا ” ونجم على إثر ذلك ما يسمى حوادث 6-7 سبتمبر”، حيث لقي 11 شخصًا مصرعهم، وأصيب العشرات بجروح عام 1955، ولحقت أضرار بالعديد من المنازل وأماكن العمل بسبب هذه الكذبة.
وفي أيار 1980، لقي 57 مواطنًا مصرعهم في الأحداث التي اندلعت بسبب كذبة “إلقاء متفجرات على مسجد علاء الدين في مدينة جوروم”.
الاستفزازات المعروفة باسم “أحداث جوروم” هيئت ووضعت حجرالأساس لآخر انقلاب عسكري 12 سبتمبر 1980. وبإمكاننا إيجاد أكاذيب مماثلة في أحداث مرعش وسيواس.
من جهة أخرى، لعبت أكاذيب وسائل التواصل الاجتماعي، التي بلغت ذروتها خلال أحداث مؤامرة “غيزي بارك”، دورًا بارزًا في جميع المؤامرات ومحاولات الانقلاب التي قام بها تنظيم غولن الإرهابي.
وتصرخ اليوم وسائل الإعلام المعارضة من أجل الحرية، وهي بنفس الوقت تأخذ عناوينها الرئيسية من حساب تنظيم غولن الإرهابي “فؤاد عوني” (كان ظاهرة تويتر مجهولة المصدر).
كما نشرت صحيفة جمهوريت عنوانا رئيسيا “ليسقط الاستبداد، وتعيش الحرية” من حساب عضو منظمة غولن الإرهابي “ترول جانسبيري” ، حيث تحدث التقرير عن الدعوات إلى حمل السلاح بحجة أن “أعضاء حزب العدالة والتنمية يحملون السلاح”.
أولئك الذين يثيرون ضجة حول الرقابة لديهم مشكلة واحدة فقط، إنهم يحاولون القيام بنفس الأشياء التي تم القيام بها في الماضي من خلال الأكاذيب والتلاعب. صرخاتهم هذه تدل على الخوف من فشل مخططاتهم.