ثمانية أشهر متبقية على إجراء الانتخابات الرئاسية التركية. وقد بدأ تحالف الطاولة السداسية، الجولة الثانية من المباحثات. ولم يُعلن بعد عن مرشحهم الرئاسي، لكن كمال كليجدار أوغلو، الذي يأتي في مقدمة مرشحي المعارضة أعلن نفسه مرشحًا رئاسيًا، بشكل شبه رسمي، وسيذهب إلى الولايات المتحدة في زيارة تستغرق اربعة أيام.
وقيل وسيظل يُقال: “إنه ذهب ليأخذ الإذن من الولايات المتحدة الأمريكية”. وحتى إذا اعتراض كليجدار أوغلو على ذلك قائلا: “لا يوجد مبرر للحصول على إذن من أحد”، أليس من الطبيعي أن يُنسب معاني سياسية لمثل هذه الزيارة؟ خصوصًا أن عملية الترشيح لا تزال مستمرة.
ووفقًا للصحفيين الذين اصطحبهم كليجدار أوغلو معه خلال زيارته للولايات المتحدة، فإن الأخير لم يذهب للحصول على إذن من أحد، ولم يعقد أي محادثات سياسية، حتى أنه رفض طلبات بهذا الصدد.
يقولون، إنه تحدث إلى بعض الأسماء المنتمين إلى الوسط العلمي، والتقى ببعض الطلاب في يوم العطلة المدرسية، واختفى عن الأنظار لمدة ثمان ساعات، ثم عاد إلى البلاد. فهل هذا ما تم بالفعل خلال الزيارة؟ بالطبع لا.
فقد جلس كليجدار أوغلو، على طاولة حوار مع مجموعة مهمة جدًا في العاصمة الأمريكية واشنطن. وأود أن ألفت الانتباه إلى الاجتماع المغلق الذي عقده مع مؤسسة “مركز التقدم الأمريكي”. وكان هذا الاجتماع مغلقًا أمام الصحافة وحتى الصحفيين الذين رافقوا كليجدار أوغلو خلال زيارته لم يُسمح لهم بالدخول.
وبدوره، قدم الكاتب الصحفي أورهان بورصالي بعض المعلومات المقتضبة عن المشاركين في هذا الاجتماع في مقاله المنشور بصحيفة “جمهوريت” (الجمهورية). وإذا نظرنا إلى مقال بورصالي، فقد أبدت الولايات المتحدة، متمثلة في الحكومة، قدراً كبيراً من الاهتمام الخفي لزيارة كليجدار أوغلو. وفيما يتعلق بالاجتماع ذكر بورصالي في مقاله: “علمنا أن الاجتماع حضره وفدًا من المسؤولين في وزارة الخارجية الأمريكية، بالإضافة إلى بعض النواب بمجلس الشيوخ الأمريكي، ومسؤولين من مكتب كامالا هاريس نائبة الرئيس الأميركي جو بايدن. كما تابع مسؤولون بوزارة الدفاع الأمريكية الاجتماع. وكان الحاضرون في الاجتماع يعرفون عن أسمائهم عندما يأخذون الكلمة، أما الذين لم يأخذوا الكلمة فقد ظلوا مستمعين فقط، ولا يُعرف بالتحديد مناصبهم.”
وتابع: “كان المشاركون من الجناح الحكومي مستمعين فقط خلال الاجتماع، ولم يطرحوا أية أسئلة. إن الإقبال المرتفع لأكثر من 10 مسؤولين بارزين في الحكومة الأمريكية، حتى وإن كانوا على مستوى منخفض، يُعد بلا شك مؤشرًا على الاهتمام السياسي.”
هل هذا هو الاهتمام السياسي الذي أظهرته الولايات المتحدة لزيارة كليجدار أوغلو؟ وهل سنهتم بمشاركة مسؤولين بمكتب كمالا هاريس نائبة الرئيس الأمريكي في لقاء أجري مع مركز فكري؟
الجدير بالذكر أن “مركز التقدم الأمريكي” ليس مجرد مؤسسة فكرية عادية. ولن أتطرق اليوم بالحديث عن هذه المؤسسة وتعاونها مع تنظيم “غولن” الإرهابي من وقت لآخر تحت إشراف وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي آي أيه).
لكن قوة مؤسسة “مركز التقدم الأمريكي” وتأثيرها في السياسة الأمريكية واضحان. ومؤسسها هو جون بوديستا، الذي قاد الحملة الانتخابية للمرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون عام 2016. وتمارس “مجموعة بوديستا”، التي أسسها جون بوديستا مع شقيقه توني بوديستا، ضغوطًا من أجل عملائها في الكونغرس والإدارة في العاصمة الأمريكية واشنطن منذ ما يقرب من 35 عامًا. ويُعرف الأخوان جون وتوني بوديستا، اللذان تربطهما علاقات وثيقة بإدارة باراك أوباما، بأنهما أكثر جماعات الضغط نفوذاً وقوة في واشنطن.
وهناك العديد من الدول والشركات العالمية من بين عملاء “مجموعة بوديستا”، التي ترعى “مركز التقدم الأمريكي” حيث جلس كليجدار أوغلو على طاولة الحوار معهم من أجل أنشطة الضغط في واشنطن. أما نيرا تاندين، التي عينها الرئيس الأمريكي جو بايدن في منصب مستشار خاص له في عام 2021، فهي الرئيسة السابقة لـمؤسسة “مركز التقدم الأمريكي”.
وسيكون هناك من يقول، “ما المشكلة في ذلك؟” سأقوم بنقل ما يجول بخاطري، وسأترك التعليق لكم. وسأطرح سؤالا على كليجدار أوغلو مفاده: “لماذا لم تلتقي بأعضاء مجلس الشيوخ أثناء زيارتك للولايات المتحدة؟”وسيجيب على السؤال هكذا: “لم أفضل ذلك”. ومع ذلك، فإن مجالات نشاط المؤسسة الفكرية التي تحدث معها في لقاء مغلق أمام الصحافة تخبرنا بشيء ما. فقد أدارت المؤسسة الفكرية هذه في الواقع الحملات الانتخابية لباراك أوباما المنتمي للحزب الديمقراطي، وهيلاري كلينتون، وجو بايدن. وأصبحت مركزًا للموارد البشرية.
مخطئ من يستخف بزيارة كليجدار أوغلو إلى الولايات المتحدة قبل الإعلان عن ترشحه للرئاسة، وعودته إلى تركيا دون مقابلة أي مسؤول رسمي في الولايات المتحدة؛ حيث أجرى كليجدار أوغلو محادثات رفيعة المستوى، كما جلس مع الفريق الذي أسقط دونالد ترامب من رئاسة الولايات المتحدة. وبطبيعة الحال فإن كليجدار أوغلو لم يتحدث خلال اجتماعه مع مؤسسة تتمتع بهذه القوة والخبرة في أمور تافهة على أية حال. فالعالم أجمع يعرف أن مؤسسة “مركز التقدم الأمريكي” من أهم المؤسسات الفكرية الأمريكية التي تعرف كيف يجب على المرشح المحتمل إعلان ترشحه، وطريقة إدارة الحملات الانتخابية، وإدارة الحملات الرقمية، وطريقة استخدام بيانات وسائل التواصل الاجتماعي.
فهل من الممكن أن يكون ما تم مناقشته خلال الاجتماع خارج هذه الموضوعات؟ تذكروا جيدًا تصريحات جو بايدن قبل انتخابه رئيسًا للولايات المتحدة والتي كانت مفادها أنه سيغير حكومة حزب العدالة والتنمية من خلال دعم المعارضة في تركيا. ألا يمكن أن يتجسد هذا الوعد بالدعم في هذا الاجتماع؟