صرخ صارخهم، وهو يندب الحظ، بسبب التفوق التركي في مجال السياحة، بالمقارنة بمصر، صاحبة حضارة السبعة آلاف سنة، والتي بها آثار تاريخية لا وجود لها في العالم!
فحتى الآن فإن عدد السياح الذين وصلوا تركيا منذ بداية الموسم السياحي تجاوزوا الخمسين مليون سائح، مما رفع سقف الطموحات بأن يصل العدد في نهاية الموسم إلى سبعين مليوناً، وهو عدد سكان دولة كبيرة، أما الحال في المحروسة فهو لا يسر عدواً ولا حبيباً.
من صرخ هو عمرو أديب، في برنامجه على قناة «أم بي سي مصر»، ولم تكن هذه هي المرة الأولى له، فقد شاهدته من قبل يصرخ أيضاً، لتظل صرخته في وادي غير ذي زرع، وتشبه الآذان في مالطا، لأن العقلية التي تحكم البلاد، في حالة استسلام للهزيمة، وهي ترى أن ثقافة مد اليد، تحقق إنجازاً سريعاً، والقوم يعملون في إدارة البلد بمنطق العمال باليومية، فليست لديهم طاقة على العمل لما هو أبعد من ذلك، لأن ثماره قد لا تقطف اليوم، ناهيك عن أنهم أفشل من أن يفكروا بشكل علمي في النهوض بالبلاد، وأن يكونوا مثل تركيا!
لقد ارتاح القوم منذ سنوات بعيدة، إلى أن مشكلة السياحة ترجع إلى العامل البشري غير المنضبط، ومن سائق التاكسي، إلى العامل في المطعم، وذلك لتبرير فشلهم، مع أنه لا فرق بين هنا وهناك، وعندما تعاملت مع البيروقراطية التركية، تأكدت أنها الرائدة في العالم، ومعلمة الأجيال، وأن البيروقراطية المصرية ليست أكثر من تلميذ نجيب في المدرسة التركية، ولعلها عندنا هي بعض تراث زمن الخلافة العثمانية!
وهذا الحضور البشري الضخم في تركيا، كان سبباً في أن ترفع الفنادق أسعارها للضعف وإلى أكثر من ذلك، ومع هذا فان كثيرا من الفنادق كاملة العدد، لأن الدولة تدرك وظيفتها وتعمل على النهوض بالسياحة، باعتبارها مصدرا مهما من مصادر الدخل القومي، بينما السلطة في مصر تعلق الفشل دائماً في رقبة الأنفار من المتعاملين مع السياح.
قد أسمعت لو ناديت حياً
قبل سنوات قام وفد من أصحاب القرى والفنادق السياحية بجولة في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، وعادوا من هناك ليقولوا إن اعلامنا محلي، وأن الحضور هو لقناة «الجزيرة» الإنكليزية، وأنه لا بد للحكومة أن تتجاوز الخلاف السياسي مع قطر وتقوم بالترويج للسياحة في مصر عبرها، لكن قد أسمعت لو ناديت حياً!
فالسلطة، التي تروج لعدم استقرار الأوضاع في المحروسة، وأن العلميات الإرهابية تحصد الأرواح، من أجل أهداف سياسية صغيرة تخص الحاكم، لن يعنيها نجاح السياحة، وهي التي بنت استقرار الحكم على «الرز» القادم من الخليج، فلما تململ المانح، كان الصراخ، انظروا إلى السياحة في تركيا، ودون اكتراث من سلطة لا تنظر إلا لموضع الأقدام؛ قدميها وقدم الغير الذي يفيض عليها بالأرز، ومما رزقهم الله!
أهل الحكم في تركيا، يمتلكون رؤية مكتملة في الترويج لبلادهم سياحياً، وما يعنينا هنا هو الجانب الخاص بالدراما، والتي ساهمت في الدعاية لتركيا، من خلال الصورة التي تحملها الدراما لها ولطبيعتها الخلابة، وعلمت الحكومة أن الدراما هي قوة ناعمة فاهتمت بها، وساعدت القائمين على صناعتها، فميزانية الدولة تتحمل جزءاً من تكلفة سفر الوفود التي تشارك في المهرجانات الدولية، مع أنها تنتمي للقطاع الخاص، نظراً للعائد المالي الكبير، وبالعملات الأجنبية، من جراء تصدير الدراما!
لتكون تركيا الآن هي ثاني أكبر دولة مصدرة للأعمال الدرامية على مستوى العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية، وقد أنشأت شركة كبرى للدبلجة، في وقت تراجعت فيه الدراما المصرية والدراما السورية الناهضة، والأخيرة وإن كانت منافستها في الداخل العربي فقط فقد توقفت بسبب التدمير الذي قام به النظام بعد الثورة، للأرض ومن عليها، في حين أن الدراما المصرية، كانت تعاني في السنوات الأخيرة من عهد مبارك، وجاء السيسي لينهي عليها تماماً، وقد احتكرت السلطة الدراما، من خلال شركتها «المتحدة»، وأحالت فنانين كبار للتقاعد، لتقوم بتخليق عدد من النجوم الجدد، وقد فشلت في ذلك، ثم إن السيسي قد تحول إلى كاتب السيناريو الأول، بدلاً من أن نعود بالدراما الى أيام مجدها، بإعطاء الخبز للخباز، على أن يتواضع الحاكم العسكري، فيعلم أنه الفن يحتاج إلى ابداع، وأن العقلية العسكرية تفتقر إلى هذه السمة!
عنوان المرحلة
لقد كان في التلفزيون المصري قطاع للإنتاج، هو من تولى انتاج الدراما الضخمة، والأعمال الفنية المهمة، والملاحم الاجتماعية التي كانت حديث الناس، مصرياً وعربياً، ثم جرى تدمير هذا القطاع لصالح مدينة الإنتاج الإعلامي، فدخلت على الخط لملء الفراغ شركات الخفة المملوكة لأشخاص مثل السبكي وغيره، الذين صاروا عنوان المرحلة، وبدا أنها مرحلة من التسفيه والتسطيح تجد قبولاً لدى حكم مبارك في أخر سنواته، ثم انتهى المسرح المصري الذي كان ضمن اهتمام السائح العربي، وفي هذه الآونة بدأت الدراما السورية تستغل هذا الفراغ لكي تتمدد فيه، ليكتمل المشهد بالقضاء المبرم على الدراما المصرية، في عهد السيناريست الأوحد فخامة الجنرال، تماماً كما خرج التلفزيون المصري من الخدمة لصالح قنوات لقيطة مجهولة النسب، لم تسد فراغاً ولم تحدث أثراً، لمجرد أن هناك جهات تمولها، والقوم مشغولون بالعمولة من قيمة التمويل، بعد اعتمادهم لثقافة الوديعة في إدارة اقتصاد البلد، حتى أن دولة ما على ظهر البسيطة، طلبت إنشاء فرع بها لإحدى الجامعات المصرية، وهو ما كان ينبغي الترحيب به، لكن الفكرة ماتت تماماً، بعد طلب رأس السلطة بأن تدفع هذه الدولة وديعة مقابل ذلك توضع في البنك المركزي، لنهتف مع الطيب صالح «من أين أتى هؤلاء الناس»؟!
إن الدراما المصرية في أوج نجاحها حققت نجاحاً من حيث تثبيت اسم مصر في الوجدان العربي العام، وإن نجحت بالفكرة فلم تنجح بالصورة شأن الدراما التركية، إذ تعد الصورة جنباً لجنب مع الفكرة في مسلسلات أنقرة، مما مثل دعاية مهمة للسياحة فجاء الناس من كل صوب وحدب ليطالعوا هذا البلد الذي عرفوه في الدراما، بينما لم نحافظ حتى على السائح العربي الذي ارتبط بالفكرة التي تقدمها الدراما المصرية، ثم يأتي ليكون ضمن رحلته أن يشاهد مسرحية لعادل إمام، أو محمد صبحي، أو لسمير غانم!
وقد بدا المسرح وقد توقف تماماً، لأنه مجال لا تستطيع السلطة أن تسجل حضوراً فيه، لأنه يكشف ويفضح، فمقياس النجاح والفشل هو عزوف الجماهير أو تزاحمها، مما يساهم في استمرار العرض أو توقفه، لكن في المسلسلات يمكنه أن يحقق نجاحاً زائفا في البروبوغندا، كتلك التي قام بها السيسي لمسلسله الاختيار 3 هذا العام، وما قامت به الهام شاهين لمسلسل آخر شاركت فيه، بالكتابة عنه على السوشيال ميديا، والتقاط صحف النظام ما يكتب ومحاولة القيام بمهمة الخداع البصري!
النفخ في محمد رمضان
إن من مقاييس النجاح للدراما في تنافس قنوات تلفزيونية في الخارج على شرائها، فكم مسلسل من التي تم انتاجها في ظل احتكار سلطة العسكر للإنتاج، وهيمنتها على المجال، وبزوغ نجم السيناريست عبد الفتاح السيسي، تم بيعه لقنوات تلفزيونية خارج القطر المصري؟ وكم جلبت مصر من أموال نتيجة ذلك؟ في وقت غزت فيه الدراما التركية العالم، وصارت مصدراً مهماً من مصادر الدخل القومي، دفع الدولة الى بعث المجلس الأعلى للدراما، في وقت تم تدمير قطاع الإنتاج بالتلفزيون المصري، وانهاء عمل عشرات الفنانين الكبار، واحالتهم للمعاش المبكر، لصالح «زيط ومعيط» ومحمد رمضان، الذي تم النفخ فيه لصناعة بديل لأحمد زكي، دون جدوى، ليعطي فشله رسالة لا تخطئها العين بأن السلطة لو اجتمعت لصناعة نجم سينمائي لفشلت، فالسلطة لا تصنع من الفسيخ شربات.
ضعف الطالب والمطلوب!
إن عدم الإلمام بهذه الأبعاد في المشهد التركي، سيجعلهم يصرخون كثيراً، لكنهم لن يهتدوا إلى سبيل الرشاد، لأن العقلية في حد ذاتها غير مؤهلة لذلك.
«إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم»!
بين تركيا ومصر تشابهات كثيرة في التاريخ والجغرافيا والجغرافيا السياسية والديموغرافيا وحتى نفس المشاكل لكنها أكثر عمقا وتعقيدا في تركيا عن مصر ولكن الفارق الجوهري هو الشعب الذي يستطيع أن يضحي من أجل مستقبله ويتمسك بحقوقه وتراثه والشعب التركي شعب مناضل ومجاهد وقيادي عبر التاريخ ولهذا ستفتح أبواب المستقبل له في كل المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والعلمية والتقنية ، بينما الشعب الغير مستعد للتضحية وتسوده ثقافة الاستسلام للأمر الواقع واللامبالاة وإنعدام المسئولية والجهل والفقر والمرض والفوضي فمستقبله مظلم وقاتم وسينضم إلى الدول الفاشلة