لا بد أن الجميع يذكر عندما كانت تركيا تُتهم بمحاولة تغيير المحور وما نتج عن ذلك من متابعة دقيقة لما يقوم به الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وما آلَ إليه مصير الوزراء ورؤساء الوزراء في ذلك الوقت، سنقوم بتحليل تلك الأيام بهدوء بعد أن يخف توتر الأحداث الجارية اليوم لكن يجب أن ننوه بأن خلافات المحور لا تشبه الخلافات الأيديولوجية التي اعتادت عليها تركيا، فقد كان النزاع في ذلك الوقت على محاولة تركيا الوصول إلى الاستقلال الاقتصادي والتحرر من الدول الإمبريالية وكانت الجماعات التقليدية تتدخل سرًا في نضال تركيا هذا تحت غطاء الخلافات الأيديولوجية فقد كانوا يعتبرون أنشطة أردوغان خطيرة بالنسبة لهم وكانوا يريدون تحديد مسار تركيا كما يحلو لهم.
خلال أحداث 28 شباط/ فبراير كانت النزاعات في الظاهر أيديولوجية لكن الولايات المتحدة وإسرائيل كانتا المحركتين للأحداث، فقد غزت الولايات المتحدة العراق للسيطرة على مركز الجغرافيا الإسلامية وسيطرت على الخليج بالكامل واتضح أن تركيا هي هدف لها أيضًا، وكانت الولايات المتحدة تضرب تركيا داخليًا وخارجيًا من خلال استخدام تنظيم بي كي كي الإرهابي على وجه الخصوص، وبذلك صارت تركيا مشغولة محليًا بنزاعات العلمانية ومناهضيها وخاضعة اقتصاديًا للولايات المتحدة والغرب بشكل عام، حيث جعلت الأزمات الاقتصادية تركيا عاجزة وخاضعة للغرب ما يقارب عشر سنوات، كان نفوذ إسرائيل في تركيا واضحًا جدًا في ذلك الوقت ونتيجة لذلك كان الفائزون في أحداث 28 شباط/ فبراير أعضاءً في تنظيم غولن الإرهابي، وبينما كانت الجماعات والدوائر الدينية تتعرض للضغط السياسي كان تنظيم غولن الإرهابي والتنظيمات المشابهة له قد بدؤوا في اكتساب القوة وهذا مرتبط باتهامات تغيير المحور بشكل مباشر، فقد اعترض تنظيم غولن الإرهابي وغيره من التنظيمات التابعة للخارج على خطوات أردوغان نحو الاستقلال بعد الأزمة الاقتصادية العالمية لعام 2008 لكن أردوغان لم يتراجع.
تغير “محور” اتهام “تغيير المحور” بعد عام 2012 بالكامل، فلم يعد هناك جدوى من اتهام أردوغان بالعلمانية، فقد أغلق ديون تركيا لصندوق النقد الدولي وركز على أعمال البنية التحتية من مطارات وجسور وطرق ومحطات الطاقة النووية، كما انقضى عهد اتهام أردوغان بتهمة “الإسلام السياسي” فلم تعد هذه الاتهامات التي فقدت معناها ذات جدوى. لا شك أن مؤامرة “غيزي بارك” كانت المحاولة الأولى للغزو الداخلي فقد واجهت تركيا فجأة أكبر هجوم إمبريالي حينها، وفي نفس الوقت اتضح ضعف المهاجمين وأنهم كانوا حائرين في مواجهة هذا التغيير السريع في تركيا وذلك من خلال مطالبهم التي نصت على إيقاف بناء المطارات والجسور ومحطات الطاقة النووية، وهم بهذا وضعوا الاتهامات الأيديولوجية جانبًا وكشفوا عن “محاورهم”.
السؤال عن أهمية تنظيم غولن الإرهابي بالنسبة للغرب والولايات المتحدة وإسرائيل يحتاج إلى إجابة من منظور واسع لأنه ليس منطقيًا البحث عن إجابة لهذا السؤال من منطلق قانوني.
وقد أوضح المحافظون الليبراليون حقيقة محورهم بعد عام 2012 دون ترك أي مجال للشك كما أوضحوا أن على تركيا ألا تترك المحور الغربي وعملوا بما يتناسب مع ذلك فهم يحاولون التدخل في شؤون تركيا دائمًا بحجة القانون أو الأخلاق. ولا تختلف تهمة “الإسلام السياسي” التي كانوا يطلقونها سابقًا عن قولهم اليوم “إن المجتمع الديني أثبت فشله في السلطة” فرغبة تركيا في تحديد محورها سيكون له ردود فعل قوية، ولكن أقول ختامًا “تركيا لن تغرق فهي إن تغرق تفيض المحيطات لغرقها” هذا القول يعني أن محور تركيا سيغير محور العالم.
إن “قرن تركيا” اسم أُطلق على سلسلة انتصارات تمتد من تأسيس الجمهورية إلى فتح إسطنبول وحتى انتصار “ملاذكرد”، إذن لقد بدأ تغيير المحور بالفعل.