وكان أردوغان قد أعلن قبول روسيا للاتفاق في اجتماع عقده مع الصحفيين عندما سأله أحدهم “كيف قمت بعمل هذا ” فكان رده “سأخبر بايدن أولاً ثم أجيبك عن سؤالك” ردًا على الغرب الذي أخذ صفه في نزاع “الشرق والغرب” المتمثل في حرب أوكرانيا وردًا على استياء واشنطن في العلاقات التركية الأمريكية مفاده “أستطيع عمل ما لا تستطيعه”.
ومع اقتراب موعد الانتخابات النصفية الأمريكية في الثامن من نوفمبر/تشرين الثاني نستطيع توقع ما قد ينتج عن صناديق الاقتراع وذلك من خلال ما نشاهده من حملات ووعود سياسية تنظم في العواصم والمحافل العربية.
من الصعب معرفة مدى فعالية وقوة هذه التحركات مسبقًا، ولكن أردوغان تحدث عن الدور المهم لبرلين الذي لعبته أثناء محادثاته لحل أزمة الحبوب، وذلك في اجتماع خاص في نفس اليوم الذي أُعلن فيه إعادة تفعيل اتفاقية الحبوب،
وعقب أردوغان قائلًا: “حتى “أولاف شولتس” تغير موقفه عما كان عليه قبل شهر إذ يبدو أنه اكتسب خبرة من المحادثات هذه وبات يعرف أن بوتين لن يتراجع أبدًا بالضغط عليه لذلك دعا إلى البحث عن أرضية مشتركة من أجل الحصول على النتائج”.
ما الذي تغير في موقف المستشار الألماني اليوم مقارنة بالشهر الماضي؟
لا تتوقعوا أن “الإعلام المحلي” سيهتم بهذا القسم من تصريحات الرئيس فقد مضى وقت طويل منذ أن فقد ميزته هذه، وربما يكون هذا هو السبب في أن الصفحات الإنجليزية لوكالة الأناضول أعطت هذا القسم من الخطاب مكانًا خاصًا فهي تقول “شعبنا لم يقدر ذلك فليرَ الأجانب على الأقل لعلهم يقدرون هم” وشددت على كلمات الرئيس أعلاه بشأن ألمانيا، فكُتب بالألمانية ما مفاده: “غيّر المستشار الألماني موقفه فهو يسعى لخلق “أرضية مشتركة” مع روسيا على حد قول الرئيس التركي”.
نحن لا نتحدث عن دولة عادية بل عن دولة تحمل جوهر الاتحاد الأوروبي لكن من الواضح أن هذا الجوهر بات لا يمكن تحمله والإمساك به، إذ إن استياء برلين من الحرب الأوكرانية وما جلبته معها من مشاكل بات واضحًا ولكن ما ليس واضحًا هو ما إذ كانت ستستطيع التخلص من التدخل الأمريكي وإن كان لديها الجرأة على ذلك أم لا، باختصار لون ونبرة الاعتراض غير واضحين.
كانت المحادثات مع “أولاف شولتس” إحدى الاتصالات الدبلوماسية المحدودة التي أجرتها تركيا في محاولاتها في التغلب على أزمة الحبوب ويُظهر هذا الأهمية الكبيرة لألمانيا في حل الأزمة، وعلى الرغم من كل تصريحاتها الرسمية يتبادر إلى الذهن سؤال “هل يمكن أن نشهد برودًا في موقف ألمانيا تجاه حرب أوكرانيا الموجهة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية”؟ لأن احتمالية هذا قوية ويمكن أن تؤدي إلى انهيار الخطة الأمريكية البريطانية وتصبح أول حجر دومينو.
أثناء إجراء المحادثات كان “شولتس” يستعد للذهاب إلى الصين وكان قد التقى بالرئيس الصيني “شي جين بينغ” قبل يوم وأخذ معه العديد من المشاريع ورجال الأعمال، لا شك أن هذه الخطوة وتوقيتها بمثابة رسالة لواشنطن، إذ إن موقف الولايات المتحدة الأمريكية وحلف الناتو تجاه الصين معروفة وكذلك فإن التقرير الأمني للبنتاغون وضع الصين على قائمة الأهداف والتهديدات.
هل يمكن أن تكون الزيارة دليلاً على “الاختلاف” الذي يتحدث عنه أردوغان؟
قبل أن يغادر “شولتس” إلى الصين كتب مقالًا نُشر في صحيفة “بوليتيكو” الأمريكية وصحيفة “فرانكفورتر ألجماينه تسايتونج” الألمانية، يتحدث عن: “الهدف إلى خلق عالم متعدد الأقطاب تظهر فيه مراكز قوى جديدة وإقامة شراكات واسعة بين بعضهم”، ويعد هذا إهانة للولايات المتحدة الأمريكية، وتجسيدًا لـ “الاختلاف” الذي تحدث عنه أردوغان، كما يضم العالم متعدد الأقطاب الذي تحدث عنه “شولتس” الصين وروسيا وتركيا بالطبع.
لكن ماذا عن التدخل الأمريكي في ألمانيا؟
ألا يشكل هذا التغيير في مواقف ألمانيا -التي توغلت فيها الولايات المتحدة والناتو بقدر تركيا على الأقل- خطرًا على الوجود الأمريكي فيها؟ بالتأكيد هو كذلك فالحكومة الألمانية تضم سياسيين داعمين لأمريكا بشكل كبير، ومنهم “حزب الخضر الألماني” الذين يعتبرون من أكثر الشخصيات عديمة القرار في السياسة الأوربية، ووزيرة الخارجية الألمانية “أنالينا بيربوك” -من حزب الخضر الألماني- اعترضت بشدة على زيارة الصين وما زالت تقف ضدها وصرحت: “يجب على ألمانيا أن تستفيد من أخطائها في علاقة التبعية الاقتصادية مع روسيا وما سببته من مشاكل بعد حرب أوكرانيا وألا تكرر نفس الأخطاء في علاقاتها مع الصين”.
بالنسبة لهم لا مكان لروسيا والصين في العلاقات الألمانية، أمريكا فقط مرحب بها. هذا النوع من السياسيين الأوروبيين لا يمكنهم التفكير بمنطقية في الأزمات فلقد دُربوا -كأذناب الاتحاد الأوربي الذين عندنا- على اتخاذ القرارات التابعة والمناسبة لأمريكا فقط.
ماذا ستفعل برلين حيال ذلك فحزب الخضر جزء مهم من التحالف والسلطة، والكل يتساءل عما إذا كان “شولتس” -تلميذ أنجيلا ميركل- سيستطيع القيام بعملية داخلية ويتغلب على الوضع الراهن، فمن الواضح أنه مستاء من الأغلال المفروضة على حكومته، وربما يلجأ إلى أحد “مخارج الطوارئ” المحتملة لديه وهي فكرة تصفية حزب الخضر وتأسيس سلطة جديدة مع حزب آخر يمكن تسميته حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي ويطلق عليه “التحالف الكبير” ومن المعروف أن الصناعة الألمانية وعالم الأعمال كله يتمنى ذلك.
تحدث مثل هذه السيناريوهات في السياسة كثيرًا كما أن حيل أمريكا لا تنتهي، ومن المؤكد أن برلين أيضًا تعزم على القيام بأمر ما.
عرض التعليقات
يوم بعد يوم تثبت الدبلوماسية التركية نجاحها دوليا وستزيد فعالية أنقرة دوليا خاصة بعد عام 2023 والاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي والتنمية المستدامة هذا لا شك فيه.، بالنسبة لألمانيا من الأفضل للألمان الابتعاد عن التحالف الأنجلوساكسوني والنظرة بعقلانية وموضوعية للأمور السياسية الحالية
فالحرب الأوكرانية المستفيد الأول من اندلاعها واستمراريتها هو التحالف الأنجلو ساكسوني والمتضرر الأول منها هو أوروبا /ألمانيا وهدف الولايات المتحدة هو إضعاف روسيا وأوروبا والصين وتركيا =باقي العالم
وإزاحة ألمانيا /أوروبا من المنافسة الاقتصادية التقنية العالمية وذلك برفع أسعار الطاقة ودعم الشركات الأمريكية كما حدث بالفعل.، حلف الناتو لن يحمي أوروبا /ألمانيا بل هو تحالف أنجلوساكسوني بالمقام الأول ويحمي الأمن الأمريكي ويجب على الأوروبيين تذكر مماطلة الأمريكيين في حربين عالميتين في نجدة أوروبا والأمريكيين لا يفكرون في أوروبا كمرجع ثقافي أو عرقي أو كحليف بل كتابع ذليل وثبت تاريخيا أن معارضة سياسات الولايات المتحدة أجدي نفعا وملائم للمصالح الوطنية و إذا استطاعت ألمانيا أن تكون محايدة وعقلانية في خضم الصراعات الدولية فستكون مثل تركيا تستفيد من علاقاتها مع الشرق والغرب وتتلافي سلبياتهم إلى حد كبير ومتى وكيف يحدث ذلك؟ هذا يعتمد على الإرادة السياسية للنخبة الألمانية