“إذا سُئلت أين هو مركز الإرهاب في العالم فسيكون جوابي: من الذي يقوم بحماية هؤلاء الإرهابيين الآن، هم من يقومون بأعمالهم الإرهابية ثم يهربون إلى اليونان وأوروبا ويعيشون في ألمانيا وفرنسا وهولندا والدنمارك وبريطانيا وأمريكا. وتقوم أمريكا بإخفائهم وحمايتهم وإعطائهم مركزًا كبيرًا في ولاية بنسلفانيا”.
لهذا فإن معرفة هوية التنظيم المسؤول عن التفجير أمر مهم بلا شك ولكن الأهم هو معرفة السبب في اختيار التوقيت “لماذا الآن”.
حاضنة الإرهاب
من الواضح أن التفجير وبالأخص اختيار “تقسيم” يحمل “تذكيرًا” لتركيا، لكن أنقرة لم تنسَ أصلًا، إذ إنها لا تتردد في الإدلاء بتصريحات تتهم من خلالها الولايات المتحدة الأمريكية منذ أحداث 2015 و 2016 إلى الآن معلنة لواشنطن أنها لا تنسى الأحداث التي وقعت في هذه الفترة وأنها على علم بأن تنظيم غولن وتنظيم بي كي كي الإرهابيين إنما هما وجهان لعملة واحدة. باختصار لو قالت تركيا “الولايات المتحدة تدعم الإرهاب وكلٌ من تنظيمي غولن وبي كي كي/واي بي جي الإرهابيين دليل واضح على ذلك” فسيكون تكرارًا لاتهاماتها -المشروعة- لكن بنبرة وصيغة مختلفة.
ولكن البيان الأخير كان بمثابة “صفعة قوية” على وجه واشنطنوهو بمثابة توجيه اتهام للأمريكييين من قبيل: “أنتم دولة إرهابية” فمثل هذا الوصف -رغم من صحته- ليس معتادًا بالنسبة لأمريكا التي اعتادت هي اتهام الدول الأخرى بمثل “دولة إرهابية أو دولة شغب أو ديكتاتورية”.
ولا بد من هدفٍ لتركيا في اختيار توقيت توجيه هذه الاتهامات، فقد أدلت بها بعد انتهاء قمة “منظمة الدول التركية” وأثناء الانتخابات النصفية الأمريكية المهمة جدًا، فتركيا تستهدف باتهاماتها الرئيس الأمريكي بشكل خاص وكأنها بقولها “رئيس دولة الإرهاب” تحدد الرئيس الأمريكي بالاسم وتقول أنت المعني يا بايدن.
عودة القاتل إلى مسرح الجريمة
ويعتبر البيان الذي أدلى به وزير الداخلية “صويلو” عقب الحادث والذي جاء فيه: “أنا أرى أن رسالة التعزية من أمريكا تندرج تحت الحقيقة القائلة: القاتل يعود ويكون أول الواصلين إلى مسرح الجريمة” يعتبر اتهامًا حاد النبرة للفاعل وهو يحمله مسؤولية أفعالة السابقة أيضًا.
لنعد إلى السؤال السابق لماذا قامت تركيا بهذه الخطوة وأدلت بهذه التصريحات الآن؟
يقوم البعض بإرجاع السبب إلى الأحداث الجارية في الفترة القريبة مثل مسألة “دادا أغاتش” (أليكساندروأوبولي) في اليونان وأزمة أوكرانيا ومسألة طائرات “F 16” والانتخابات القريبة، فهذه الأحداث كلها تدل على توتر العلاقات بين البلدين، وتركيا تؤكد للولايات المتحدة أنها لا تتساهل أبدًا في مسألة الأمن القومي.
وتضمنت تصريحات الرئيس أردوغان التي تزامنت مع الانتخابات النصفية الأمريكية كل ما سبق، كما أشار أردوغان إلى رغبته بفوز الجمهوريون في هذه الانتخابات، وذلك في تصريح له حول عملية شراء طائرات “F 16” قال فيه: “لقد نجح الجمهوريون في السيطرة على مجلس النواب وإذا نجحوا في السيطرة على مجلس الشيوخ أيضًا فسيسهل هذا من عملنا”
ويوضح هذا استياء أنقرة من الحكومة الحالية للولايات المتحدة الأمريكية فيمكن قراءة التصريح الأخير بهذا الشكل: “سيكون من الأفضل لنا أن يخسر الديمقراطيون”، فتركيا تتأمل ضعف واشنطن بفوز الجمهوريون مما يتيح لها التصرف بحرية أكثر في إجراء بعض السياسات المهمة، باختصار تركيا لا تريد فوز بايدن وحكومته أبدًا.
الحرب ضد الإرهاب
حققت تركيا في حربها مع الإرهاب -في الداخل والخارج- انتصارات لم يرَ لها مثيل حتى أنه صار هناك ما يُسمى بـ “الأسلوب التركي” تعبيرًا عن هذا النجاح، أما الذين ينتقدون تركيا في هذا الخصوص فهم لم يروا وحشية “التسعينيات” ولا يحق لهم النقد فهم ليسوا في وضع يخولهم ذلك.
بعد الأحداث الأخيرة ستبدأ مرحلة جديدة في العلاقات التركية الأمريكية ومسألة سوريا وتنظيم بي كي كي وتنظيم واي بي جي الإرهابيين أيضًا. ستكون المرحلة الأولية “صعبة” خاصة وقد تزامنت مع التطورات الروسية الأمريكية ومن الواضح أن التذكير بالوعود لن يكون كافيًا.
صحيح أن التفجير حدث في “تقسيم” لكن من الصعب فهم تأثيره -بكل أبعاده- دون النظر إلى ما يحصل في “كوباني” فعلى تركيا أخذ التطورات العالمية كلها بعين الاعتبار مثل تطورات الحرب الأوكرانية والتطورات السورية والعلاقات الروسية الأمريكية وغيرها، وتأمين الحدود الجنوبية. أخيرًا على تركيا ألا تكتفي بمحاولة تخطي العقبات التي تواجهها في طريق الصعود إلى القمة بل عليها سحق هذه العقبات أيضًا.
بواسطة / نيدرت إيرسانال