انتقلت تركيا من النظام البرلماني إلى الرئاسي في الحكم، عبر التعديلات الدستورية التي أجريت عام 2017. والذين صوتوا بـ “لا” في عملية الاستفتاء لمنع اعتماد التعديل الدستوري والانتقال للنظام الرئاسي، بدؤوا في تقديم أطروحة النظام البرلماني المعزز في الحكم من أجل إزالة التعديل الدستوري الذي اُعتمد بناءً على أصوات الشعب.
استمرت النقاشات حول ماهية النظام البرلماني المعزز، منذ النصف الثاني من عام 2017. ونتيجة لبعض الأعمال التي شملت ممثلين عن أحزاب سياسية معارضة، تم إنشاء مسودة، لكن المسودة بقيت معلقة ولم تظهر لأنه لا يمكن لأي حزب أن يمتلكها.
في النهاية، كثفت الطاولة السداسية للمعارضة التركية عملها معلنة في 28 شباط/فبراير العام الجاري عن مقترحاتها الدستورية المتوقعة قبل اجتماعهم التاسع. ومنذ ذلك الحين وكما هو متوقع لم يضيفوا أي شيء جديد. ستكون مدة ولاية الرئيس 7 سنوات وسيمنح الرئيس نائبا في البرلمان مهمة تشكيل الحكومة.
من الواضح ما تريده “الطاولة المستديرة”، فقد ظهر رئيس حزب السعادة تمل كارامولا أوغلو ليتصدر المشهد وكما لو أنه وضع الأمور في نصابها. ووفقا للنظام الذي أعلنه تمل كارامولا أوغلو، لا يهم من سيكون الرئيس الذي سيتم انتخابه.
وحول هذا الوضع الجديد قال تمل كارامولا أوغلو: “وفقا لهذا النظام، لا يهم من سيكون المرشح للرئاسة فالقادة الستة سيقررون من هو الرئيس وسيلتزم ويتعهد بذلك الرئيس، وسيتبنون ذلك الرؤساء العامين للأحزاب الستة ويمكن تسمية هذا “مجلس التنسيق” كمقترح”
ويبدو ظاهريا أن هذا النظام جيد لكنه يثير العديد من الأسئلة: لمن سيطرح الرئيس السؤال الأول حول عمله؟ هل سيطرحه على الأشخاص حسب الترتيب الأبجدي؟ أم حسب العمر؟ أم حسب ترتيب نسبة الأصوات التي تم الحصول عليها في الانتخابات؟ أم حسب ترتيب طولهم؟
إذا لم يكن هناك اتفاق بينهم، فهل سيتم إهمال قرار ما ووضعه جانبا؟ فمثلا إذا أعيد العمل في اتفاقية إسطنبول من سيوقع أولاً؟ هل سيبقى الشريك السابع لتحالف الستة المعارض حليف سري كما كان قبل الانتخابات؟ وهل له الحق في التوقيع؟
من الذي تزعجه إرادة الشعب ولماذا؟
تأسس نظام الوصاية على السياسة خلال انقلاب 27 مايو/أيار 1960. وعبر هذا النظام دفع البلد والشعب ثمناً باهظاً. من الذي ينزعج من حقيقة أن البلاد تحكمها إرادة الشعب؟ من يشك في أن المرشح المنتخب من قبل الشعب يستطيع حكم البلاد؟
ونتفهم جيدًا أن حزب الشعب الجمهوري منزعج من هذا الوضع. فإن الحزب الذي يدعي أنه مؤسس الدولة، لم يُمنح السلطة من قبل الشعب منذ اعتماد نظام التعددية الحزبية. وعندما ننظر إلى هذا الأمر من نافذة التاريخ الحديث، يمكننا أن نفهم بوضوح أن حزب الشعب الجمهوري، الذي لم يحظ بتأييد الشعب لمدة 70 عامًا، يسعى وراء وسائل مختلفة للوصول للسلطة.
لمدة 70 عامًا لم يمنح الشعب السلطة لحزب الشعب الجمهوري، فلماذا السعي الآن لمنحها للحزب الجمهوري
السؤال الحقيقي هو ما هي مشكلة أولئك الذين يسعون إلى إعطاء ما لم يقدمه الشعب خلال 70 عاما؟ لماذا تستمرون في إنتاج صيغ مختلفة لمنح حزب الشعب الجمهوري السلطة التي لم تمنحها له الأمة؟ ما هو السبب وراء هذا السعي؟ يمكنكم اعتماد مرشحكم كما تريدون هذا اختياركم لكن لماذا تحاول رهن إرادة الأمة؟ ما الذي يجبركم على القيام بذلك؟
لا يوجد هناك لغة لأعبر من خلالها، ولكن إذا تحدثتم عن مجلس رئاسي، سيكون هناك أساس لمناقشات خطيرة جدا. وإذا فرض عليكم مستقبلا نموذج البوسنة والهرسك، ستعملون به.
أما النظام الحالي واضح جدا، ستجرى الانتخابات ونذهب لصناديق الاقتراع، وستتنافس وجهات النظر، وسيختار الشعب الكوادر التي ستحكم البلد. إذا لم تكن هناك نتيجة في الجولة الأولى سيتنافس أفضل مرشحين في الجولة الثانية. سيكون للشعب الكلمة الأخيرة. والرئيس المنتخب مسؤولا أمام الشعب فقط. فإن السعي وراء خلاف ذلك هو السعي وراء الوصاية بذاتها.