نعيش الأيام الأخيرة من تنظيم كأس العالم في قطر. هذا التنظيم الذي جهزت له قطر منذ 12 عامًا. تنتهي المباريات بعد مباراة تحديد المركز الثالث بين المغرب وكرواتيا اليوم والمباراة النهائية بين الأرجنتين وفرنسا يوم الأحد.
كانت بطولة كأس العالم أهم قضية تبرز على جدول أعمال الجميع في قطر. بالنسبة للتجهيزات والتنظيم الذي حصل قبل انطلاق البطولة، جُددت البنية التحتية لجميع المدن القطرية بالكامل، وبُنيت مدن جديدة. وفي الوقت الذي تتخذ فيه قطر جميع الترتيبات اللازمة لتصبح مدينة عالمية منفتحة على العالم، لم تنس مهمتها في تمثيل معتقداتها وقيمها بأفضل طريقة ممكنة. تأثير الثروة الكبيرة من الموارد الطبيعية التي منحها الله لشعوب الدول الأخرى في المنطقة، لم يُنظر إليها بنفس الطريقة بالنسبة لحكام قطر وشعبها.
أصبحت قطر واحدة من الدول الرائدة في مجال المساعدات الإنسانية في العالم. كانت المنظمات الحكومية والمدنية القطرية تمد يد العون والمساعدة للأيتام والمظلومين والمضطهدين في جميع أنحاء العالم خاصة في سوريا وأفغانستان واليمن وميانمار والسودان وكشمير. قلنا منذ البداية أن تركيا هي ليست أغنى دولة في العالم، لكنها احتلت المرتبة الأولى عالميًا بالسنوات الأخيرة في تقديم المساعدات الإنسانية مقارنة بالدخل القومي. وفي هذا الصدد، كانت الدولة الرائدة التي نافستها في الأعمال الخيرية هي قطر.
يستخدم أمراء قطر السابقون والحاليون الثروة الوطنية لخدمة بلدهم وتنميتها دون تحويلها إلى ثروة شخصية. وهذا الأمر واضح جدا لأننا نجد رضا المواطنين عن حكامهم في البلاد على مستوى عالٍ جدًا.
فوضت قطر إنشاء البنية التحتية وخدمات التنظيم الذي أقيم لكأس العالم إلى العديد من البلدان. استقطبت قطر الموارد البشرية من العديد من البلدان. وبهذه الطريقة، تم إشراك العديد من البلدان في عملية التنظيم. وبكل تأكيد كانت تركيا في طليعة هذه الدول. وكانت هناك مشاركات من مصر وبنغلاديش والهند وباكستان وتونس والجزائر والمغرب في هذا التنظيم
على الرغم من أن البعض يرون أن الأموال التي تم إنفاقها على كأس العالم هي بمثابة هدر، إلا أن قيمة العلامة التجارية المحققة باسم الدولة والنفقات التي تمت بفعالية وكفاءة تلغي الأحاديث التي تقول أن هناك هدر. لأن قطر اعتبرت تنظيم كأس العالم فرصة جيدة لتحسين جودة وفعالية الدولة بأفضل طريقة ممكنة. مثلما تعتبر تركيا عملية العضوية في الاتحاد الأوروبي فرصة لتحسين البنية السياسية والاجتماعية للبلاد. ومن الواضح أن قطر من خلال تنظيمها للبطولة لم تتخلى عن هويتها الخاصة وتمسكت بالقيم التقليدية والإسلامية، وبذلك تضيف أصالة مختلفة إليها.
لقد كانت قطر مثالا على أن المال لا يفسد الجميع بنفس الطريقة، وأنه حتى في مواجهة المال والسلطة، فإن الناس لديهم فرصة لإظهار اختلافاتهم.
على الرغم من خروج المنتخب الوطني القطري لكرة القدم من دوري المجموعات، يمكننا القول بسهولة أن الفائز الأكبر في هذه البطولة هو قطر.
ماذا صنع أبناء المغرب
لا شك أن الدور الذي لعبه المنتخب المغربي خلال هذه البطولة يستحق التطرق إليه والحديث عنه كثيرًا. التوقعات التي قدمها صديقنا العزيز هاكان البيرق قبل سنوات بدأت مع ما فعلوه “أبناء المغرب”. رأينا مرة أخرى أن “أبناء المغرب”، الذين بدا للوهلة الأولى أنهم تبنوا طريقة الحياة الغربية ونسوا هويتهم، كانوا ينتظرون إشارة صغيرة للاستيقاظ والعودة إلى مرحلة التاريخ.
كأول فريق أفريقي وعربي وصل المنتخب المغربي إلى نصف النهائي. وعلى الرغم من إقصائهم من قبل فرنسا في نصف النهائي، إلا أنهم فعلوا ما في وسعهم وفازوا بما كان عليهم الفوز به.
المنتخب المغربي، الذي وحد قلوب العالم الإسلامي بأسره وليس العربي فقط، قد أعاد إحياء الجاذبية التي تحتويها توقعات العالم الإسلامي منذ قرون. في الحقيقة، كان إنجاز المنتخب المغربي هو تكرار لاهتمام العالم الإسلامي تجاه منتخب تركيا في مونديال 2002. ويتكرر هذا الاهتمام والحماس إزاء جميع إنجازات تركيا في المجالات الأخرى.
أجندة تركيا في قطر
كأس العالم هي أحد الأجندة الرئيسية في قطر. كما أن تركيا كانت من أهم بنود الأجندة في جميع المجالس التي نحضرها في قطر. ومن بين المواضيع التي نوقشت هو الحكم الصادر بحق أكرم إمام أوغلو بتهمة “إهانة” أعضاء اللجنة العليا للانتخابات. لا أحتاج إلى التعليق حول هذه القضية على الإطلاق. أنا أستمع فقط إلى الآراء التي تم الإدلاء بها. يقول شخص يتابع الشأن التركي باعتزاز: “إن القول بأن أردوغان أصدر هذه العقوبة لعرقلة طريق كليجدار أوغلو يشبه الاستهزاء بذكاء أردوغان وببراعته السياسية. ويتابع: “مثل هذا الأمر لا يصب في مصلحة أردوغان وإذا كان قد فعل ذلك كمتدخل، فمن المستحيل عليه ألا يعرف أنه لن يفيد إمام أوغلو.
يوافق شخص آخر هذا الرأي بالقول: “يبدو أن إمام أوغلو سعيد جدًا بهذه العقوبة والمشهد الذي رأيناه واضح جدًا. وهو حريص على استخلاص قصة أنه الضحية من قرار المحكمة واتباع المسار الذي اتبعه أردوغان في الماضي” ويتابع: ” لكن مسار أردوغان كان قائما أولا على نجاح كبير، وليس فقط على أنه الضحية. إذا فعلت الضحية ذلك فقط فإنها ستجعل نفسها الأكثر بؤسا، ولن تكون هناك قيادة منقذة تخرج منها. يحاول إمام أوغلو فقط بناء قصة بطولية له من خلال تقمصه لدور الضحية لأن ليس لديه إنجازات يمكن ذكرها”
إمام أوغلو الذي لم ينجح في مهامه كرئيس للبلدية، اتخذ هذا القرار المُعد مسبقًا وكأنه ينتظر أخبارًا جيدة ، حيث حول هذا القرار مباشرة إلى “احتفال”. المشهد منذ البداية يشبه مرحلة منسقة من لعبة أنشأها مع زعيمة حزب الجيد ميرال أكشنر، حيث توضع كل الأحجار في مكانها الصحيح.
هذا المشهد ليس تضامناً أخلاقياً ضد أن إمام أوغلو هو الضحية، بل هو تعبير عن فرح كبير لا يمكن إخفاؤه من وجوههم، فهو يروي كل شيء.