تسعى تركيا لجعل الولايات المتحدة تعيد النظر في العلاقات الثنائية ضمن إطار موازين القوى العالمية الجديدة، لكن إدارة بايدن تهدف إلى الحفاظ على العلاقات الهرمية طويلة الأمد.
شهدت تركيا والولايات المتحدة علاقات متوترة وصراعات على مدار العقد الماضي، خاصة منذ اندلاع الربيع العربي وظهور ظرف إقليمي جديد، ما جعل هوة الخلافات تتسع بين واشنطن وأنقرة. وبالرغم من أن تركيا طلبت من الولايات المتحدة مراجعة العلاقات بما يتماشى مع التطورات السياسية المحلية والبيئة السياسية الإقليمية الجديدة وتوازن القوى العالمي الجديد، لكن الإدارة الأمريكية تريد الحفاظ على العلاقات الثنائية الهرمية طويلة الأمد. وبعبارة أخرى، في الوقت الذي تحاول فيه أنقرة زيادة الاستقلالية في سياستها الخارجية، تريد الولايات المتحدة إبقاء البلاد خاضعة لتوقعاتها العالمية.
ومع أن وزارة الخارجية الأمريكية لا تزال تصف تركيا على صفحتها على الويب بأنها “حليف رئيسي في الناتو وشريك إقليمي مهم” و”شريك أمني هام للولايات المتحدة” وتشير إلى أن الولايات المتحدة تريد “إبقاء تركيا راسخة في مجتمع المنطقة الأوروبية الأطلسية”، إلا أن الحكومات الأمريكية الأخيرة تواصل اتباع السياسات التي تجعل تركيا جهة غير مرغوب بها وتنفّر من التعامل معها، بل لا يزال تصور الحزبين المتنافسين على الحكم في واشنطن، والمناهض لتركيا، هو السائد في دوائر السياسة الأمريكية.
فعلى سبيل المثال، تخلت الولايات المتحدة عن سياستها المتوازنة نسبياً تجاه قضية قبرص والعلاقات الثنائية التركية اليونانية. ومن الواضح أن واشنطن فضلت مؤخراً دعم الجانب اليوناني ضد تركيا، وأنشأت ترسانة عسكرية ضخمة وأقامت 9 قواعد عسكرية مختلفة داخل الأراضي اليونانية. ورغم ادعاء الجانب الأمريكي أنه ضد التهديد الروسي المتزايد في أوروبا الشرقية، فإن الجانب التركي يشكك في إنشاء القواعد العسكرية بالقرب من الأراضي التركية. وبالإضافة إلى ذلك، باعت الولايات المتحدة أسلحة استراتيجية لليونان لتعزيز وجودها العسكري في جزر بحر إيجة الشرقية، كما ألغت العقوبات المفروضة على الإدارة القبرصية اليونانية وساعدتها على عسكرة الجزيرة ضد الجانب التركي.
ومن المعروف أن الهيكل السياسي ونظام الضوابط والتوازنات في الولايات المتحدة يتيح لأنواع مختلفة من الجهات الفاعلة بما في ذلك جماعات الضغط ومجموعات المصالح، التأثير على صناع القرار. وقد يضطر رئيس الولايات المتحدة إلى التفاوض حتى مع أعضاء الكونغرس من حزبه بشأن العديد من قضايا السياسة الخارجية.
فما هي آلية تأثير الكونغرس على صناعة القرار؟
يمكن الاستدلال على تأثير أعضاء الكونغرس بطريقتين مختلفتين. أولاً، يمكن للرئيس استخدام تدخل الكونغرس كذريعة ضد الجهات الأجنبية. أي أنه كلما أراد رئيس أن يتخذ موقفاً سلبياً ويريد الحفاظ على صورة إيجابية، فإنه يستخدم رفض الاقتراح كذريعة لموقفه السلبي. وإذا ما تم إقناع بايدن بعدم بيع طائرات إف-16 بدون قيود أو شروط لتركيا ولكنه لا يريد عزلها، فسيستخدم معارضة عضو في مجلس الشيوخ مثل بوب مينينديز كذريعة لقراره السلبي.
ثانياً، يمكن أن يكون تدخل الكونغرس حقيقياً، ما يعني أن أعضاء الكونغرس قد يعارضون أحياناً بعض مقترحات السياسة الخارجية لأسباب مختلفة، معظمها قضايا فردية أو مسائل تتعلق بالدوائر الانتخابية.
ومن ناحية أخرى، عانت تركيا خلال مسيرة علاقاتها مع الولايات المتحدة ولا تزال تعاني من سياسات الكونغرس، إذ من الصعب دائماً إقناع مجلس الشيوخ باتخاذ خطوة مؤيدة لتركيا وذلك بسبب التحالفات السياسية المناهضة للبلاد داخل النظام الأمريكي، مع أن المواقف الحزبية لهذه التحالفات المحلية تدفعها في بعض الأحيان إلى نقطة محفوفة بالمخاطر. والحقيقة أنه من غير الواضح ما إذا كان بعض أعضاء الكونغرس يخدمون المصالح القومية الأمريكية أو مصالح مجموعة سياسية معينة منطوية تحت لوبي بعينه. لذلك، يدعو الجانب التركي السياسيين وصناع القرار الأمريكيين إلى عدم التضحية بالسياسة الخارجية الأمريكية والمصالح الوطنية الأمريكية، مقابل التوقعات الضحلة للعديد من اللوبيات، بما في ذلك اللوبيات اليونانية والأرمنية.
استمرار سياسة الاستبعاد والتهميش في الولايات المتحدة
يرى المسؤولون الأتراك أن الغموض الاستراتيجي للحكومة الأمريكية يربك صناع القرار في السياسة الخارجية الأمريكية، وبينما يشكل تطور المؤسسات الأمريكية تصورات مختلفة عن تركيا لأن لكل منها تجارب مختلفة مع نظيراتها التركية، كما تؤكد المؤسسات الأمريكية على التهديدات المحتملة المختلفة الموجهة للهيمنة الأمريكية. وفي الوقت الذي يؤكد فيه البعض بإصرار على التهديد الروسي المتزايد، يشير آخرون إلى القوة الصينية المحتملة، كذلك يعتبر آخرون تركيا منافساً قوياً في الشرق الأوسط. لذلك نجد أنه منذ تعاونت تركيا مع الحكومة الليبية المعترف بها من قبل الأمم المتحدة، لم تتردد الولايات المتحدة في دعم الفاعل السياسي الذي كان تحت رعاية روسيا، خليفة حفتر.
ونظراً لأن تركيا ستستمر في اتباع السياسات الخارجية التي تزيد من مصالحها الوطنية إلى أقصى حد، يبدو أن الحكومة الأمريكية ستواصل مع العديد من دول أوروبا الغربية، جهودها ضد أنقرة. لكن بالنظر إلى صعود القوة العسكرية والسياسية والاقتصادية الروسية والصينية في مناطق مثل أوروبا الشرقية وشرق البحر المتوسط والشرق الأوسط، فمن الواضح أن تكلفة خسارة تركيا ستكون كبيرة ليس فقط بالنسبة للولايات المتحدة ولكن أيضاً للتحالف عبر الأطلسي. وسيؤدي استمرار سياسة الإقصاء الأمريكية إلى زيادة تدهور الثقة في العلاقات الثنائية.
بواسطة / محي الدين أتامان
الأمريكيين لا يعرفون الدبلوماسية فأسلوب رعاة البقر متجذر فيهم أي حق القوة فهم يستخدمون حلفائهم قبل أعدائهم وليسوا حلفاء بل أتباع.،. انظروا من المستفيد الأكبر من الحربين العالميتين ولم يتضرر إلا قليلا ومن المستفيد من حرب أوكرانيا وإضعاف روسيا عسكريا وإقتصاديا ودق مسمار النعش في الاقتصاد الأوروبي لاسيما ألمانيا وإضعاف الاتحاد الأوروبي.، السياسة الأمريكية وذراعها الدبلوماسي لديها إلتزام غير معلن بعدم بروز دولة مركزية قوية في الشرق الأوسط ما عدا إسرائيل ولذلك دعمت ثورة الخميني ضد الشاة ودعمت إنقلاب يوليو الأمريكي في مصر ضد الملك فاروق الأول وخلع كل الملكيات في الشرق الأوسط بما فيها السلطنة التركية العثمانية من قبل
النخب الأمريكية لا تنظر إلى تركيا إلا بوصفها كخصم أو أداة أو كنصف شريك على نحو أدق كما هو واقع.،. السياسة التركية يجب أن تكون حذرة وتطور ألياتها وتستمر في مسارها النهضوي المتكامل خاصةً لملء الفراغ الأمريكي المتزايد في الشرق الأوسط وبناء لوبي تركي وعربي مساند للقضايا التركية وموازن للوبيات الأرمينية واليونانية وهذه هي الخطوة الناقصة في الدبلوماسية التركية الماهرة وذلك حتى تتبدل موازين القوي بعد خمس سنوات وتفرض تركيا نفسها كقوة إقليمية كبري ثم بعد عقد أو أزيد كقوة دولية عظمى