من سينافس أردوغان على الرئاسة؟
دخلت قوى المعارضة التركية نفق “ديناميتيّة” العلاقة بين قياداتها، قبل دخول تركيا أجواء ديناميكيّة المنافسة الانتخابية، بسبب خلافاتها على مَن سيمثّلها في معركة الانتخابات الرئاسية منتصف العام المقبل. فما إن ارتفعت شعبيّة تحالف المعارضة بعض الشيء في مواجهة الائتلاف الحاكم حتى دبّت الخلافات في صفوف قياداتها، مانحة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان وحزبه المزيد من الفرص والأسباب لمواصلة استرداد ما فقداه من شعبيّة وأصوات .
ارتباك المعارضة ومفاجآت إردوغان
تسود قناعات أربع في تركيا:
القناعة الأولى هي أنّه إذا بقيت قوى المعارضة التركية في مستنقع التخبّط والسير في المجهول، فلن يجد إردوغان مرشّحاً حقيقياً ينافسه كما حدث في آخر انتخابات شهدتها البلاد قبل 4 أعوام مع مرشّح المعارضة محرم إينجا الذي خسر أمامه بفارق 22 نقطة .
القناعة الثانية هي أنّ إردوغان سيواصل الكشف عمّا في جيبه من مفاجآت اقتصادية واجتماعية ومعيشية تعيد له ما خسره من نقاط، حسب غالبيّة استطلاعات الرأي في العامين الأخيرين، وأنّ قيادات المعارضة ستواصل الاحتراب فيما بينها على اسم المرشّح الذي ستختاره لمنافسة الرئيس التركي.
القناعة الثالثة، كما يرى الكثير من الأقلام الداعمة للمعارضة، هي أنّ إردوغان يريد أكثر من ذلك. يطمح إلى أن يختار هو مرشّح المعارضة الذي سينافسه في معركة الانتخابات الرئاسية بعد 6 أشهر، ويبدو أنّ الطاولة السداسية التي تجمع “تحالف الأمّة” المعارض ستمنحه هذه الفرصة إذا ما واصلت خلافاتها وشرذمتها قبل أن تنطلق عجلة الانتخابات .
القناعة الرابعة هي أنّ زعيم “حزب الشعب الجمهوري” كمال كيليشدار أوغلو مقتنع باحتمال انسحاب إردوغان من المعركة الانتخابية إذا ما شعر أنّه سيخسر المنافسة .
حلم المعارضة وأرجحيّة الخسارة
حلم المعارضة التركية هو أكبر من ذلك، إذ تطمح إلى أن يفوز مرشّح رئاسي واحد من الجولة الأولى. لكنّ واقعها يذهب باتجاه مغاير حتى الآن ويعكس رغبتها بهزيمة ثالثة تماماً كما جرى في عامَيْ 2014 و2018 .
بشكل مفاجىء وعاجل دعا زعيم “حزب الشعب الجمهوري” كمال كيليشدار أوغلو زعيمة حزب “إيي” ميرال أكشينار، التي كانت تستعدّ لزيارة الرئيس التركي الأسبق عبد الله غل مساء الثلاثاء المنصرم، إلى اجتماع ثنائي، قاطعاً الطريق على هذه الزيارة .
وصل التوتّر إلى ذروته بينهما في الآونة الأخيرة بعدما اتّهم كيليشدار أوغلو شريكته في التحالف أكشينار بالتدخّل في قرارات حزبه الداخلية من خلال طرح أسماء مرشّحين، مثل أكرم إمام أوغلو رئيس بلدية إسطنبول ومنصور يواش رئيس بلدية أنقرة، أو دعمها لهم في محاولة لقطع الطريق على ترشّحه في مواجهة إردوغان .
جولات سرّيّة والزواج المستحيل
الرهان الآن هو على الجهود التي يبذلها أحمد داوود أوغلو رئيس “حزب المستقبل” عبر جولات حوار مكّوكية علنيّة وسرّية بين فرقاء “تحالف الستّة”، بهدف التوصّل إلى رؤية موحّدة لـ”وثيقة النهج الأساسي” من خلال حلّ القضايا العالقة بين الأطراف، وذلك قبل الاجتماع المقرّر في الخامس من شهر كانون الثاني المقبل، والذي قد يكون حاسماً في وجود فرص لمواصلة التنسيق أو رمي خاتم الخطوبة بعدما استحال الزواج. السيناريو الجديد المطروح هو اختيار أحد الاسمين عبد الله غل أو علي باباجان بين الأوفر حظّاً في الحصول على دعم شرائح واسعة من الناخبين .
لكنّ المشكلة الأخرى التي تنتظر أيّ مرشّح يُتّفق عليه هي خارطة التحالفات الحزبية والسياسية في صفوف المعارضة المشرذمة، التي تخدم تكتّل “تحالف الجمهور” الحاكم الذي يجمع حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية وحزب الوحدة الكبرى. فكيف سينجح المرشّح المنتظر في إقناع قوى معارضة أخرى بدعمه وهي لم تجد لها مكاناً حول الطاولة السداسية التي انطلقت في شباط 2021 من أجل توحيد حزب الشعب والحزب الجيد و”السعادة” و”المستقبل” و”التقدّم” و”الديمقراطي”؟ حتماً يُقلق قرار بقيّة الأحزاب الصغيرة الطاولة السداسية، خصوصاً أنّها ذهبت إلى بناء تحالفات ضيّقة فيما بينها قادرة على عرقلة فوز المرشّح السداسي إذا لم توفر الدعم اللازم له. تضمّ هذه الأحزاب في تكتّلها الأوّل “تحالف العمل والحرّية” ستّة أحزاب يسارية برئاسة “حزب الشعوب الديمقراطي” المدعوم من الأصوات الكردية في جنوب شرق تركيا. ثمّ هناك التحالف الرباعي المرتقب الذي يتكوّن من أحزاب تجمع “حزب البلد” برئاسة المرشّح الرئاسي السابق محرم إينجا، وحزب “النصر” بزعامة أوميت أوزداغ المعروف بمواقفه المتشدّدة في موضوع اللجوء، و”الطريق القويم” بزعامة رفعت سردار أوغلو، و”العدالة” بقيادة وجدت أوز. تقول استطلاعات الرأي إنّ هذه القوى تملك حوالي 15 في المئة من مجموع الأصوات القادرة على قلب المعادلات وحسم نتيجة التصويت لطرف ضدّ الطرف الآخر.
هدايا المعارضة
فاز إردوغان في عام 2014 من الجولة الأولى على مرشّح المعارضة، أكمل الدين إحسان أوغلو، بنسبة 53 في المئة من إجمالي عدد الأصوات، فيما حصل إحسان أوغلو على 38 في المئة. وفي معركة انتخابات عام 2018 مع ولادة النظام الرئاسي فاز إردوغان من الجولة الأولى مرّة أخرى، بنسبة 53 في المئة من أصوات الناخبين، فيما حصل مرشح “تحالف الأمّة”، محرم إينجا، على 31 في المئة من الأصوات. تقدّم قوى المعارضة التركية بانقساماتها فرصة سياسية ثالثة لا تُثمَّن إلى حزب العدالة، وهو لن يفرّط بها حتماً. هي لا تنقل فقط أجواء التنافس والاستقطاب والمناكفات السياسية إلى صفوفها بسبب خلافاتها على اختيار المرشّح الذي ستعلنه لمنافسة إردوغان على منصب الرئاسة، بل تسهّل فوز إردوغان من الجولة الأولى وبأريحيّة مطلقة، تماماً كما حدث في جولتين سابقتين، وبعدما تحدّث الكثير من استطلاعات الرأي عن معركة انتخابات رئاسية صعبة واستحالة فوز أحد المرشّحين من الجولة الأولى بحصوله على نسبة 50 في المئة من الأصوات كما يشترط قانون الانتخابات .
يقول البعض إنّ تحالف الطاولة السداسية يتعمّد عدم الكشف عن اسم مرشّحه كي لا يمنح إردوغان فرصة زمنية كافية لمهاجمته وإضعافه، وإنّ الطاولة السداسية لا تكشف عن أوراقها بانتظار ما سيفعله إردوغان في مسألة الانتخابات المبكرة. لكنّ هناك بالمقابل من يرى أنّ قوى المعارضة ما زالت مفكّكة مشتّتة حول الكثير من المسائل، ومن بين ما ينتظرها مثلاً مرحلة ما بعد فوز مرشّحها في الانتخابات. فهي تأتي من خلفيّات سياسية وعقائدية متنوّعة ومتعارضة الرؤى والتطلّعات، ويقرّب فيما بينها هدف إزاحة إردوغان وحزبه عن السلطة وطموح إعادة البلاد إلى النظام البرلماني الذي كان معمولاً به قبل 4 سنوات وإجراء تعديلات دستورية جذرية، وهي كلّها مسائل تعني أزمة تقاسم الكعكة البرلمانية والحكومية بين أطرافها.
هناك من يعوّل على مفاجأة دستورية تطرح مسألة قانونية ترشُّح إردوغان للانتخابات مرّة أخرى، وحقّه في ذلك بعد ترشّحه مرّتين، الأولى في عهد النظام البرلماني، والثانية في عهد النظام الرئاسي، معتبراً أنّ فرصة الحزب الحاكم الوحيدة هي في إجراء انتخابات مبكرة قد تحول دون نقل الملف إلى المحكمة الدستورية. لكنّ ذلك يتطلّب أيضاً دعم المعارضة لتحالف الحزب الحاكم في البرلمان، لأنّ أصوات الأخير لا تكفي لتمرير قانون من هذا النوع. فهل تعطي أحزاب المعارضة إردوغان ما يريده؟
انتصارات “العدالة والتنمية”
هزم “حزب العدالة والتنمية” أحزاب المعارضة موحّدةً ومشرذمةً 15 مرّة منذ تأسيسه قبل عقدين وحتى اليوم. الضربات الموجعة التي تلقّاها كانت في انتخابات بلديّات المدن التركية الكبرى عام 2019. هو يتطلّع إلى تصفية الحسابات مع المعارضة مرّة جديدة مع معرفته بصعوبة ما ينتظره في الصناديق. من جانبها تبتسم قيادات المعارضة التركية أمام الطاولة حيث تلتقط العدسات الصور، لكنّها من تحت الطاولة تواصل النغز والوخز وضرب الخناجر لإضعاف حجج الطرف الآخر وأخذ ما تريد.
السيناريو الأصعب على الجميع في تركيا قد يكون تقاسم النتائج بين الحكم والمعارضة. يفوز إردوغان في معركة الرئاسة، وتفوز المعارضة في معركة البرلمان، فما الذي سيجري عندئذٍ؟