هل يسلم أردوغان اللاجئين إلى النظام السوري؟

اجتمع وزير الدفاع التركي خلوصي آكار، الأسبوع الماضي في موسكو، مع نظيره الروسي سيرغي شويغو، ووزير دفاع النظام السوري علي محمود عباس، في أول اتصال رسمي بين أنقرة ودمشق على مستوى الوزراء بعد 11 عاما، كما شارك في الاجتماع رئيسا الاستخبارات التركية والسورية.

اجتماع موسكو جاء بعد تصريحات أدلى بها رئيس الجمهورية التركي، رجب طيب أردوغان، حول خريطة طريق التطبيع مع النظام السوري. وكان أردوغان ذكر أن أجهزة استخبارات تركيا وسوريا تجري لقاءات، وأن وزيري الدفاع التركي والسوري يمكن ن يلتقيا أولا، ثم يليه لقاء وزيري خارجية البلدين، ليتم تتويج جهود التطبيع بلقاء يجمعه مع بشار الأسد. وهذا يعني أن المحطة التالية لقطار التطبيع بعد هذا الاجتماع ستكون لقاء مولود تشاوش أوغلو وفيصل المقداد.

اللقاء الثلاثي الذي جمع وزير الدفاع التركي مع وزير دفاع النظام السوري بوساطة وزير الدفاع الروسي، أثار مخاوف في صفوف السوريين الذين لجأوا إلى تركيا، بالإضافة إلى هؤلاء المقيمين في المناطق المحررة في شمالي سوريا. كما أعرب المعارضون السوريون عن استيائهم من اللقاء الذي يدل على استمرار عملية التطبيع بين أنقرة ودمشق، مشيرين إلى أن بشار الأسد لا يمثل الشعب السوري وأن الثورة ستستمر حتى يسقط هذا النظام الدموي.

مخاوف اللاجئين السوريين والمقيمين في المناطق المحررة مشروعة، كما أن رفض المعارضة السورية لأي مصالحة مع نظام الأسد في محله، لأن النظام السوري غير قابل للإصلاح، وأن العودة إلى أحضانه تعني الاستسلام للقتلة وقبول التعرض للتعذيب والإعدام.

تركيا أيضا لديها مخاوف مشروعة متعلقة بأمنها القومي، أولها ما يأتي من المناطق التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب الكردي التابعة لحزب العمال الكردستاني الانفصالي بدعم من الولايات المتحدة. ويلفت المعارضون السوريون إلى العلاقات بين النظام السوري وحزب العمال الكردستاني، إلا أن المؤكد أن الدعم الأمريكي للمنظمة الإرهابية يشكل تهديدا لأمن تركيا واستقرارها ووحدة ترابها أكبر من خطر العلاقات بين النظام السوري وحزب العمال الكردستاني، كما أن الولايات المتحدة هي التي أنقذت النظام السوري من خلال منع الثوار من الحصول على الأسلحة المتطورة لحماية الشعب السوري من المجازر. ولا يمكن فهم حقيقة الخطوات التركية الأخيرة دون إدراك هذه المعادلة، كما أنه من غير المعقول مطالبة تركيا بتجاهل ذاك التهديد وأن لا تجعل إزالته على رأس أولوياتها.

اقرأ أيضا

هل غدًا عطلة دراسية في تركيا؟ أول تعليق من محافظ أنطاليا

أنقرة تدرك أن النظام السوري ليس لديه شيء كثير ليقدمه إلى تركيا، كما أنه في ذات الوقت يرغب في انتظار نتائج الانتخابات الرئاسية التي ستجرى في تركيا بعد حوالي خمسة أشهر، على أمل أن تسفر الانتخابات عن سقوط أردوغان وفوز مرشح المعارضة التي تعد بسحب القوات التركية من سوريا وطرد اللاجئين إلى بلادهم، وحتى دفع تعويضات إلى دمشق. ولذلك شارك في اجتماع موسكو تحت ضغوط روسيا مرغما ومتخليا عن كافة شروطه المسبقة.

تركيا لن تسحب قواتها من سوريا في الوقت الراهن ولا في المستقبل القريب، كما أنها ما زالت تدعم المعارضين للنظام السوري وتصغي إلى آرائهم، ولا تسعى إلى فرض حل لا يرضيهم. وهو ما أكده وزير الدفاع التركي الذي قال: “لن نفعل أي شيء ضد إخواننا السوريين الذين يعيشون في تركيا وسوريا”. ولكن النظام السوري يبث إشاعات وأكاذيب، في إطار الحرب النفسية التي تهدف إلى تدمير معنويات المعارضين والإيقاع بينهم وبين تركيا، مدعيا بأن أنقرة قبلت الاستجابة لكافة مطالب دمشق، وهو ما ينفيه الجانب التركي جملة وتفصيلا.

هناك أمر آخر يفرض على تركيا تحركات من قبيل خطواتها الأخيرة، وهو إقبال البلاد على انتخابات رئاسية وبرلمانية في غاية الأهمية. وفي هذه الظروف الحساسة، يحتاج أردوغان إلى سحب ورقة اللاجئين من يد المعارضة التي استغلتها في الانتخابات المحلية الأخيرة، ويضطر لإظهار رغبة في حل مشكلة اللاجئين وتأمين عودتهم إلى بلادهم، إلا أن هذه الرغبة لا تعني بكل تأكيد طرد اللاجئين وتسليمهم إلى جحيم النظام السوري.

كان أردوغان قد حكى في إحدى كلماته قصة “مجزرة جسر بورالطان” كدليل على عقلية حزب الشعب الجمهوري. وهي مجزرة وقعت عام ١٩٤٥ حين هرب ١٩٥ آذربيجانيا من ظلم ستالين إلى تركيا عبر جسر بورالطان، وقامت الحكومة التركية برئاسة عصمت إينونو بتسليمهم إلى الروس بناء على طلب الاتحاد السوفييتي، ليتم إعدامهم مباشرة في الضفة الأخرى من نهر آراس، وتكون وصمة عار في جبين البلاد. ومن المؤكد أن رئيس الجمهورية التركي الذي يدين تلك المجزرة لن يقبل تكرارها، ولن يسلم اللاجئين إلى النظام السوري، وأن مناوراته تهدف إلى إزالة الخطر الذي يهدد أمن بلاده، كما تهدف إلى خلق ظروف آمنة لعودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم طوعا تحت ضمانات تركية وأممية.

بواسطة / إسماعيل باشا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.