بالطبع لا تحمل السنوات قيمة، لمن عاش أحداث تلك الليلة.
فأحداث “الخامس عشر من تموز” تُعيد وتكرر نفسها في دواخلهم على الدوام
أدرك أنّ لا قيمة من شرح ذلك للمتظاهرين في السادس عشر من تموز
لأنهم لم يخوضوا أحداث تلك الليلة.
فمن لم يجرّب.. لن يدرك..
كوقع الحكاية…سيكون سردكم…على من لم يجرّب.
وسيتساءلون، بعد سنوات، هل وقعت تلك الأحداث بالفعل يا ترى؟
سيبدو الحديث عن تلك الجثامين الممددة بعزّة وبسالة… وكأنه حديث حماسيّ لا أكثر.
كنتُ هناك تلك الليلة.
وهو ما يلجم لساني… كلما وددتْ الكلام.
تخونني الدموع… كلّما هممت بالحديث..
عقدة ضخمة… تستقرّ في الحلق..
وهو ما يجعلني أراقب بحيرة، فتور حديث البعض…عمّا حدث..
كيف لهم سرد ما عشناه… بذلك البرود والفتور… وبكل ذلك الإقصاء لأنفسهم… عنها..
يتراء لي حينها، كل تلك البطولات التي قام بها أبطالنا… من كل جنس وعمر..
مقاومة لا مثيل لها ولا نظير.
كيف خرجت فتياتنا اليافعات، شبابنا، وأمهاتنا الصغيرات حاملاتٍ في أحضانهن أطفالهم…. كيف خرج آباؤنا وجدودنا إلى الساحات حينها وصيحاتهم تعلو…. “الله أكبر”..
“الأسد هو الأسد… الذكر منه أسد… والأنثى أسد”..
لن تكون الخاتمة حميدة… إن لم يُعرّف بمن خرج في “السادس عشر من تموز”
هم يعرفون جيداً كيف يربّتون على الكتف..
هم يعرفون جيداً أيضاً… شؤون السياسة.
أدركتُ ضرورة الوقوف جانباً، عندما سمعت عباراتهم تقول، في ضوء النهار وفي العتمة: ” مقاومة ملحمية، أمتنا البطولية، الشجعان الذين أسكتوا الدبابات بأيديهم العارية”..
لم تكن المواجهة ممكنة.
من كان باستطاعته أن يكون في المقدمة، وفي الصفوف الأولى..
لم يتواجدوا تلك الليلة..
لم يعرف مكان تواجدهم أحد..
كانت هواتف معظمهم مغلقة.
ولربما لجأت فئةٌ للاحتماء بالأقبية… لإنقاذ أرواحهم الثمينة..
خرجوا عندما سطع ضوء النهار..
وألقوا الخُطب… بعد أن استلموا قيادة أولئك الأبطال..
تركوا الزعيم، الذين كانوا يتوقون إلى الظهور معه في كل اجتماع وفي كل مكان… تركوه يواجه مصيره وحيداً في تلك الليلة.
نقشت تلك الليلة على قلبي وفي ذاكرتي.
ولم أنساهم قطّ..
ولن أنساهم.
أدرك أنّ أنصار “السادس عشر من تموز” لا يستسيغوننا
حالهم في ذلك كحال أنصار “كولن”.
أدرك رياءهم في إظهار محبّةٍ وإبطان عكسها.
يأتون طنيناً….ويفرّون هرولة..
فهل تعلّموا ما يجب عليهم تعلمه؟
ليته كان بالإمكان استخراج دروسٍ أكثر من تلك الليلة.
ليته كان بالإمكان التقصي وراء كل من غاب عن تلك الليلة…. وعن سبب الغياب.
من المهم بالتأكيد، أن نعرف المقام الذي وصل إليه الآن… كل من غاب عن تلك الليلة.
لأننا قد نتوه، إن لم نعرف مع من سنسير في أيّام المحن..
فتمجيد الهاربين، يضاعف أعداد المستائين..
مهمٌ اختيار رفيق الدّرب.
مثلما الولاءُ مهم..
لكن الولاء دون اختيار، لا يعتبر ولاءً..
أُختُبرنا جميعاً في “الخامس عشر من تموز”..
ليت العظمة من دروسه كانت أكبر.
ليته تم اتباع سياسة أخرى، تجسّد روح “الخامس عشر من تموز”.
كان بإمكان التحالف الهادف الذي تم مع “بهجلي”، “زعيم حزب الحركة القومية”، وأحد أبطال تلك الليلة، أن يحمل مضامين حقيقة وشمولية أكثر.
كانت الوساطة جاهزة للبدء بصفحة جديدة.
كما كانت الأجواء مواتية، وبشكل مثالي، للبدء بسياسة جديدة.
ولازال الأمر مواتياً.
بإمكان الزعيم القيام بما يتطلبه الأمر، لانتفاضة جديدة.
يمكن للزعيم القيام بذلك بصفته رئيسَ “التحالف الجمهوري”.
بإمكانه تجسيد سياسة روح “الخامس عشر من تموز”، في مضامين الرسالة التي سيتوجه بها في ساحة “ساراج هانة”.. في التاريخ ذاته..
عن نفسي، فإني مترقّب لهذه الإنتفاضة.
يجب ترك ميدان السياسة… لأنصار “السادس عشر من تموز”
ففي “الخامس عشر من تموز”، جمعت الدولة في شوارعها.. كل أبناء الأمة الفقراء والشرفاء..
وهم الذين دفنوا كل من أراد أن يوارى الثرى… “حزب العدالة والتنمية”.. ورئيسه..
ولا بدّ لكم من معرفة أنّ الذين يحاولون اسقاط الرئيس، بكل تلك الحيل السياسية والظهور بصفة من يناصر الحقّ، هم ذاتهم من يريدون الانتقام للخامس عشر من تموز.
لكن… سؤال واحد لا يغادرني، إن كنا سنرى من وصف انقلاب “الخامس عشر من تموز” بأنّه “انقلاب تحت السيطرة”، جنبا إلى جنب مع من هاجم الرئيس، علاوة على من أراد دفن الرئيس في صناديق الإقتراع…فلماذا نزلنا إلى الشوارع… في “الخامس عشر من تموز”؟
أرجو أن يكون مفهوماً الآن، سبب سؤالي “هل عشنا بالفعل الخامس عشر من تموز؟”
لقد شهدنا “الخامس عشر من تموز” كما لم نشهد غيره.
ولن ننسى.
ولن ندعه يغيب عن الذاكرة.
ادعوا بالرحمة لأرواح شهدائنا، والصبر والسلوان لعائلاتهم الموقرة.
والامتنان العميق… أقدمه لمحاربينا القدامى.