“طاولة الستة” المعارضة تواجه اختباراً صعباً

قررت كتلة المعارضة المعروفة باسم “طاولة الستة” أن تنحي جانباً العديد من المشكلات الحرجة التي يصعب حلها وأرجأت معالجتها لوقت لاحق.

اقرأ أيضا

وخلال حقبة النظام البرلماني كانت الحكومات الائتلافية تسود تركيا، وكانت الأحزاب السياسية تدخل في سباقات من خلال الحملات الانتخابية، وعندما تنتهي الانتخابات، كانت الأحزاب المشاركة تدخل في تحالفاتٍ بناءً على الأصوات التي تحصل عليها، وهو ما يؤدي إلى تشكيل الائتلافات السابقة.

أما في النظام الرئاسي الجديد، فبما أن الحزب الذي يحصل على صوت واحد أكثر من 50% من مجموع الأصوات في الانتخابات الرئاسية يفوز في الاقتراع، فإن النموذج القديم للائتلافات يختلف الآن كثيراً.

والرئيس رجب طيب أردوغان الفائز السابق، مرشح مرة أخرى في انتخابات عام 2023. وقد وقف حزب الحركة القومية إلى جانبه في الانتخابات الأخيرة ويواصل دعمه له في هذه الانتخابات. لذلك يبدو أن الرئيس أردوغان هو المرشح الذي سيفوز في هذه الانتخابات أيضاً.

كما أن الكتلة المعارضة المعروفة بما يسمى “طاولة الستة”، أي حزب الشعب الجمهوري وحزب جيد وحزب السعادة وحزب الديمقراطية والتقدم وحزب المستقبل والحزب الديمقراطي، لا يمكنهم الفوز كمرشحين مستقلين ولا حتى عندما يجتمعون. لذلك، هم يحتاجوا أيضاً إلى أصوات حزب الشعوب الديمقراطي، وهو ما دفعهم لتطوير نموذج “طاولة الستة” هذه.

لكنهم أثناء إعداد جدولهم في البداية، لم يفكروا في تحديد خارطة طريق أو إطار عمل أو طريقة مناسبة لتنسيق الموضوعات والأسئلة ضمن إطار عمل، وخصوصاً في بداية تحالف سياسي من هذا النوع. والآن صار من الصعب جداً بالنسبة لهم تسوية القضايا على الأرض السياسية وتقييمها على طول الطريق.

قضية الترشح

وضع أعضاء “طاولة الستة” العديد من المشاكل الحرجة التي يصعب حلها جانباً لمعالجتها لاحقاً. ومع ذلك لا زالت هناك العديد من الأسئلة الحاسمة من قبيل “من سيكون المرشح الرئاسي؟” و”ماذا سيكون دور كل حزب؟” أو “كيف تفوز في الانتخابات؟” .. وغيرها، دون معالجة.

وبدلاً من ذلك، تظاهروا بأن هذه القضايا التي لم يتمكنوا من الاتفاق عليها، يجب التعامل معها بتكتم وسرية بسبب تركيزهم الاستراتيجي، وهم بذلك خلقوا أجواء غامضة كما لو أن لديهم استراتيجيات فريدة لم يكشفوها.

وجعلهم هذا الموقف يتشاجرون باستمرار مع بعضهم على طول الطريق. إذ لم يتمكنوا من مناقشة أي سياسات تتعلق بتركيا أو المجتمع أو السياسة الداخلية أو الخارجية أو المستقبل أو القضايا الاجتماعية أو أي مسائل ذات أولوية في البلاد.

ففي البداية وقع خلاف حاد بين حزب جيد وحزب الشعوب الديمقراطي، وفي وقت لاحق، أوضح أحمد داود أوغلو رئيس حزب المستقبل أنهم سيتخذون كافة القرارات بالإجماع، وهو ما عارضته الأطراف الأخرى بشدة مدعيين أنه لا يوجد مثل هذا القرار.

ثم تصاعدت التوترات الحادة بين حزب الجيد وحزب الشعب الجمهوري وبدأت معركة “من سيكون المرشح”، ولا زالت القضية مستمرةً حتى يومنا هذا.

وبينما أعلن الحزب الحاكم موعد الانتخابات وبدأ الوقت يقترب، لم يتضح بعد اسم المرشح الرئاسي لـ “طاولة الستة” ولا إطار عمل البرنامج السياسي الخاص بهم.

ومن المعروف أن الأحزاب السياسية تقوم بكتابة برامجها وتعيين مرشحيها والظهور أمام الجمهور بحملاتها الانتخابية. لكن كيف يمكن لحزب ما أن يشرح للمجتمع في غضون شهرين كيفية إدارة دولة مثل تركيا، ناهيك عن الاستراتيجيات السياسية والرؤية الجماعية للأحزاب الستة!

من البديهي القول أن الشعب التركي لن يشتري هذه الترهات بوقت قصير لأنه لن يقتنع بها. أو ربما تظن المعارضة أنها قادرة على تعيين مرشح سيهز ويقلب جميع الآراء الاجتماعية لصالحهم! لكننا إذا ما نظرنا إلى السياسة التركية، نجد أنه لم يكن هناك مرشح مثل أردوغان منذ 20 عاماً، بل إن الأصوات المؤيدة لحزب الجيد وحزب الشعب الجمهوري بدأت فعلاً بالتراجع.

وفي الأسابيع الأخيرة، بدأ اختيار الناخبين يتغير بشكل واضح لصالح حزب العدالة والتنمية الحاكم. وإذا ما قارنا الأرقام، فإن أصوات “طاولة الستة” لا تكفي للفوز في الانتخابات. ولهذا السبب، تواجه المعارضة اختباراً صعباً كونها دمرت سياساتها بيدها وجعلت أحزابها الستة غير قادرة على إنتاج السياسة.

ويعرف الجميع أن مسألة الأيديولوجيا حاسمة في حياة الأحزاب السياسية في تركيا. لكن طاولة الستة جعلت أولويتها الوحيدة هي هزيمة أردوغان ولم تعر الأيديولوجيا أي اهتمام. وعندما برز رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال قليجدار أوغلو كمرشح محتمل، استقال جيهان باكاجي نائب رئيس الحزب في اليوم التالي وترك الحزب. ومن المتوقع أن نشهد الكثير من ردود الفعل المشابهة عندما تتوصل كتلة المعارضة لاسم مرشحها.

وختاماً فإن السياسة في تركيا لها خصائص كثيرة كما أنها تحتوي على العديد من المشاكل الحساسة، وليس من السهل إدارة مثل هذا البلد. واليوم تواجه “طاولة الستة” اختباراً شديداً وستكشف لنا الأيام القادمة كيف ستتطور الأحداث.

إحسان أقطاش بواسطة / إحسان أقطاش 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.