استغلال الزلزال لأجندات سياسية
في اليوم الأول من الزلزال، ذهبنا إلى مدينة أدي يامان مع نائبي عن جمعية الديمقراطية والوحدة، التي أتولى رئاستها، السيد المحامي “أبو بكر المالي” .
لا أستطيع أن أنسى مشهد الدمار الذي رأيناه في منطقة نورداغي مساء ذلك اليوم. بعد ذلك، وأثناء مرورنا من منطقة “تورك أوغلو” ظهر لنا أننا لم نكن نواجه زلزالا عاديا، بل نواجه قيامة صغرى.
كان المشهد الذي صادفناه وسط أدي يامان هو مشهد يجعلنا نتخيل يوم القيامة. كانت تلك المدينة الجميلة في دمار كبير. كان ذلك أشبه بالقيامة الصغرى، فقد فقدنا عددا كبيرا من أصدقائنا. ومع كل خبر وفاة نسمعها كانت قلوبنا تعتصرمن الألم.
ومع كثرة الوفيات في مناطقنا وقرانا، تحولت أدي يامان إلى مدينة موتى، حيث أدى الدمار الشامل في هذه القيامة الصغرى إلى تحويل أدي يامان مدينة الأحزان.
إضافة إلى صدمة أولئك الذين عانوا من ذلك الزلزال الرهيب، فإن الشق العميق الذي فتحه الموت في النفوس والقلوب قد ازداد لأنه محاط بألم لا يوصف. بالنسبة لأولئك الذين نجوا وتعافوا من الصدمة الأولى ينتباهم الآن حالة من عدم اليقين مفادها: ماذا سيحدث الآن؟ وقد بدأت موجات النزوح التي لا يُعرف متى ستنتهي. إذ إن عشرات الآلاف من الناس فقدوا بيوتهم وهاجروا للعثور على مكان ينامون فيه حتى لو كان خيمة. بالطبع، سنعرف كيف نشعر بالعيش كنوع من المهاجرين ذات يوم عندما يروي أولئك المتضررون تجاربهم.
حتى لو كنا ننهار في مواجهة الألم الذي نراه، لكن لا أحد يعرف معنى الألم إلا الذي ذاقه. لهذا السبب من المهم جدًا دعمهم واحتضانهم. ومن المهم جدًا أن نتكاتف ونتعاون حتى نكون سندا لبعضنا البعض. القيم الأخلاقية لأمتنا كافية جدا لتحقيق هذا الأمر.
ومثلما يجب علينا إظهار كلمات وسلوكيات تخفف هذا الألم في هذه الأيام العصيبة. يجب علينا أيضا تجنب الكلمات والسلوكيات التي تسبب تعميق الألم. لهذا السبب نقول إن هذه الأيام العصيبة ليست أيام استغلال الألم من أجل غايات سياسية. فمن يشعر بألم يمكن أن يبوح بألمه، وفي بعض الأحيان يمكنه أيضا التعبير عن غضبه بطريقة مؤذية. ولكن ليس من الصواب أن يحاول السياسيون استغلال هذا الألم، من خلال بث الأكاذيب، حيث يظهر كبار السياسيين معارضتهم في مثل هذه الأوقات. السياسيون الذين يمارسون السياسة عن طريق تعميق الجروح والآلام بنشرهم الأكاذيب، يلحقون بالبلد خسائر جسيمة. أما السياسيون، الذين يداوون الجراح ويساهمون في إيجاد الحل فهم يساعدون على تخفيف الغضب الذي يسببه الألم، ويتحول هذا الغضب إلى تفاهم يعود بالفائدة على الوطن.
الساسيون الذين يمارسون السياسة عن طريق خلق الأكاذيب، يقللون من قيمتهم قبل كل شيء.
وفي الأيام الأولى التي كنا نحاول فيها تضميد الجراح، كانت الأكاذيب تبث بشكل كبير. وكان يبدو أن هناك مركزا لإنتاج الكذب بالتزامن مع الزلزال.
لقد تم تداول الكثير من الأكاذيب لدرجة أنه لا يمكن التعامل معها. ومع الأسف، يمكن أن تجد الأكاذيب آذانًا صاغية في ظل انتشار الآلام النفسية. حتى لو لم يكن من يستمعون إلى تلك الأكاذيب على علاقة بها، إلا أنهم قد يتأثرون بها.
بالطبع ، ليس موضوع هذا المقال أن نتطرق إلى كل من هذه الأكاذيب جميعها. لكن أريد فقط أن أسلط الضوء على كذبة يندى لها جبين الإنسانية. حيث ظهر سياسي في أدي يامان وقال أمام شاشة التلفزيون: “إذا كان هناك أعضاء في حزب العدالة والتنمية تحت الأنقاض، يقومون بما هو مطلوب لكن الفقراء لا يتم عمل شيء لهم. الفقراء يموتون”.
ألا تعتقد أنه من المحزن أن يأتي زعيم حزب معارض يمارس السياسة من خلال مزاعم عارية عن الصحة، ثم يقول: “الناس يقولون ذلك”
إذا لم يخبره أعضاء حزبه عن هذه القصة، فسنخبره نحن: “نائب أدي يامان من حزب العدالة والتنمية يعقوب طاش توفي تحت الأنقاض مع عائلته المكونة من 28 شخصًا”. لم يكن بالإمكان إنقاذ العديد من شخصيات حزب العدالة والتنمية من تحت الأنقاض. كما فقد حوالي 300 شخص حياتهم من أقارب أخي العزيز رئيس بلدية أدي يامان سليمان كيلينتش. من الممكن إعطاء أمثلة لا حصر لها عن ذلك الأمر، لكنها غير ضرورية.
لو كان هذا الادعاء صحيحًا، لتم إنقاذ نائب حزب العدالة والتنمية من تحت الأنقاض أولاً بحشد الجهود للدولة أليس كذلك؟
ألا يجب على رئيس عام لحزب معارض- حتى لو سمع مثل هذا الشيء من مواطن غاضب- أن يمتنع عن التعبير عنه، أو حتى يقول إنه من الخطأ إطلاق مثل هذه المزاعم؟
هذا الوضع، الذي يتم فيه إسقاط السياسة باسم المعارضة، أمر مؤسف حقا.
ولا أعرف ماذا أقول للسياسي الذي قال: “لم أر أعضاء حزب العدالة والتنمية في الميدان!” لقد كنا جميعنا في كل مكان، لكن لم يكن ذاك اليوم لممارسة السياسة.
ما الذي يقصده هذا المعارض؟ هل يجب على أعضاء حزب العدالة والتنمية التجول في الشوارع رافعين شعار حزبهم؟
ما الهدف من القول إنك لم تر أعضاء هذا الحزب أو ذاك في الميدان في مدينة توقفت فيها لبضع ساعات؟
منذ اليوم الأول للزلزال في أدي يامان، كان هناك الوزراء والنواب ورؤساء بلديات حزب العدالة والتنمية من جميع أنحاء تركيا، وجاءت جميع منظمات حزب العدالة والتنمية من كافة أنحاء البلاد وكانوا يعملون ليلا ونهارا.
لا يحمل أي من الوزراء والنواب ورؤساء البلديات وأعضاء المنظمة شعار حزب العدالة والتنمية. ولا أحد منهم يفكر في ممارسة السياسة على الإطلاق في ذلك اليوم.
وكنت في الميدان، وزرت في القرى الجبلية النائية، ولم أسمع أبدًا كلمة من أغلبية الناس تفيد بأنه تم إنقاذ أعضاء حزب العدالة والتنمية، وترك الفقراء ليلقوا حتفهم” .
لا يمكن التنبؤ بمصير أولئك الذين يبنون سياساتهم على الأكاذيب.
أود أن أذكركم مرة أخرى: اليوم ليس يوم ممارسة السياسة بهذه الطريقة. إذا كان للسياسة أن تُمارس، فيجب أن يتم ذلك دون بث الأكاذيب، حتى لا يتم تشويه سمعة كل من السياسة والسياسي.
بواسطة / محمد متين أر