أثار الاتفاق الإيراني السعودي الأسبوع الماضي اهتماماً واسعاً لدى الخبراء والمحللين على المستوى المحلي، والإقليمي، والدولي. ونشرت الصحف ومراكز الدراسات، لاسيما الأمريكية منها، عشرات المقالات التي غطّت زوايا متعددة من الاتفاق علاوةً على الظروف التي قادت إليه، والدوافع التي حملت أطرافه للتوقيع عليه، والنتائج المحتملة أو تلك التي قد تترتب على هذا التطور.
وحظي الدور الذي لعبته الصين كذلك في تقريب وجهات النظر بين طهران والرياض، والتوصل إلى الاتفاق باهتمام بالغ، وتمّ تسليط الضوء عليه لزاوية التأثير الذي من الممكن أن يتركه هذا الدور على نفوذ الصين المتزايد في منطقة الشرق الأوسط والخليج، وعلى الدور الأمريكي التقليدي، وما قد يعنيه لحضور واشنطن في المنطقة مستقبلاً، والعلاقة بينها وبين القوى الإقليمية.
وبالرغم من أنّ معظم التحليلات كانت قد ذهب باتجاه التفسير الإيجابي لهذا التطور غير التقليدي في العلاقة بين طهران والرياض، إلا أنّ الإغراق في الحديث عن الإيجابيات قد يكون سبباً في حجب الحديث عن السلبيات التي قد تكون دفعت الجانب الإيراني لإعتماد هذا الأسلوب غير التقليدي أو تلك التي قد يتم التحضير لها ضد إيران. وإذا ما نظرنا إلى الموضوع من هذه الزاوية، علينا أنّ نبقي باب التأويلات مفتوحاً على كل الإحتمالات.
ففي تفسير السلوك الإيراني، يمكن الإشارة إلى عدّة دوافع، قد يكون من بينها العامل الداخلي. بمعنى آخر، قد تكون رغبة إيران في التفرّغ لمواجهة التهديد الداخلي الصادر عن تنامي الاحتجاجات ضد نظام الحكم عاملاً من العوامل التي دفعتها الى الاتفاق مع السعودية، على اعتبار أنّ ذلك يتيح لها التفرّغ لمواجهة التحدّي الداخلي، دون الخوف من تحريض السعودية ضدها في الخارج أو إستغلال المشاكل الداخلية لتصعيد الموقف ضدّها.
قد تكون الحسابات الإيرانية ذات طابع دولي، تتعلق برغبة إيران في تفادي الضغط المتزايدة عليها نتيجة تدخّلها في أوكرانيا ودعمها روسيا ومواصلة عملية تخصيب اليورانيوم. وهي بهذا الاتفاق مع السعودية، تكون قد أرسلت رسائل مختلفة الى المعنيين على المستوى الدولي من بينها انّها منفتحة على تسويات من خلال الطرق السياسية والدبلوماسية وأنّها لا تريد التصعيد. أو ربما تكون قد سعت من وراء هذا الاتفاق الى اغلاق جبهة، والتفرّغ لجبهة أخرى. هذا السيناريو يفترض حصول تصعيد قادم في الحرب الأوكرانية أو ربما في العلاقة مع الولايات المتّحدة أيضاً.
المعطيات الإقليمية قد تحظى باهتمام أكبر في الحسابات الإيرانية في هذه المرحلة، ولاسيما ما يتعلق منها بدور إسرائيل وإمكانية شن حرب إسرائيلية ضد المنشآت النووية الإيرانية. السلطات الإيرانية كانت قد أعلنت مؤخراً أنّها قادرة على تخصيب اليورانيوم بنسبة 90%، ـ هي العتبة التي يعتبرها كثيرون بمثابة مدخل الى تصنيع أداة نووية ـ، وهي تقف اليوم تحت قابين أو أدنى من هذه العتبة، الأمر الذي يُحفّز تل أبيب على أن تضع باعتبارها أنّ الخيار العسكري قد يصبح حتمياً خاصّة أنّ الفرصة السانحة لتنفيذه آخذة في التقلص.
هذا السيناريو يعني أنّ ايران قد تكون اختارت إقفال جبهة مع السعودية تحضيراً لإمكانية تصعيد إسرائيلي كبير ضدّها. تراهن طهران ربما على أنّ الاتفاق سيقوم بتحييد الرياض لأنّها لن تكون ورقة في تصعيد يتم التحضير له، وسيحرم إسرائيل من إستغلال أراضي السعودية لشن هجوم جوي ضد المنشآت النووية الإيرانية. الاتفاق الإيراني ـ السعودي يعني كذلك أنّ الرياض لن تقدّم أي دعم لهجوم عسكري ضدّ طهران، وتأمل في نفس الوقت أنّ تقوم طهران بحل الازمة اليمنيّة.
إذا ما حصل ذلك، فليس من المستبعد أنّ تؤدي هذه المصالحة الإيرانية ـ السعودية إلى انفتاح عربي على طهران، لاسيما مصر والأردن التي غالباً لم تكن تمتّن علاقاتها مع طهران استناداً الى حسابات تتعلق بموقف الدول الخليجية من إيران. سيساعد هذا التطور على فتح ثغرة في جدار العزلة التي تعاني منها طهران، تحضيراً لما هو أسوء. ومن هذا المنطلق، صحيح أنّ الاتفاق يحمل معه العديد من الإيجابيات للطرفين والمنطقة بشكل عام، لكنّه لا يلغي بعض السلبيات التي يمكن إعتبارها مؤشرات على تصعيد محتمل ضد إيران.