كليتشدار أوغلو وفشل التقية
ظهر رئيس حزب الشعب الجمهوري ومرشح تحالف الشعب للانتخابات الرئاسية، كمال كليتشدار أوغلو، قبل أيام، في ثلاث صور وهو يقف بحذائه على سجادة الصلاة. وأثارت تلك الصور ضجة كبيرة في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، وتعرض كليتشدار أوغلو لانتقادات بسبب عدم احترامه لسجادة الصلاة، كما أن بعض مؤيديه غضبوا منه، لأنه ارتكب خطأ فادحا قبيل الانتخابات، وأعطى خصومه فرصة ثمينة لتشويه سمعته لدى الناخبين المحافظين.
النظام الرئاسي يفرض على المرشحين الحصول على أكثر من 50 في المائة من أصوات الناخبين للفوز، ويعني ذلك أن كليتشدار أوغلو بحاجة ماسة إلى الحصول على نسبة من أصوات الناخبين المحافظين والقوميين، بالإضافة إلى أصوات الناخبين المؤيدين لحزب الشعب الجمهوري الذي تتراوح شعبيته ما بين 20 و25 في المائة، وهو ما دفع رئيس حزب الشعب الجمهوري وقادته إلى التظاهر بالتدين لكسب أصوات الناخبين المتدينين.
هناك من يرى أن كليتشدار أوغلو تعمد الوقوف على سجادة الصلاة لإرسال رسالة مفادها أنه سيدوس على المتدينين إن فاز في الانتخابات الرئاسية، كما تم ربط تلك الصور بصورة يظهر فيها فتح الله غولن، رئيس تنظيم الكيان الموازي، واقفا على سجادة الصلاة بأحذيته.
أنصار رئيس حزب الشعب الجمهوري ادعوا أولا بأن الصور التي انتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي كالنار في الهشيم، تم التلاعب بها عبر برنامج فوتوشوب، لتضاف إليها سجادة الصلاة، ثم قالوا إن الذي يقف عليه كليتشدار أوغلو سجاد عادي وليس سجادة صلاة. إلا أن رئيس حزب الشعب الجمهوري هو ذاته اعترف بأنه وقف على سجادة الصلاة بحذائه دون أن يراها، واعتذر على ما فعله دون قصد. وهو ما دفع أنصاره إلى تغيير أسلوب دفاعهم عما قام به كليتشدار أوغلو، وبدؤوا يقولون إن سجادة الصلاة ليست لها قدسية في الإسلام، ولا يعتبر الوقوف عليها بالأحذية إساءة إلى مشاعر المسلمين.
الذي أميل إليه هو أن رئيس حزب الشعب الجمهوري لم يتعمد الوقوف على سجادة الصلاة بحذائه، بل إنه لم ينتبه إلى أن هناك سجادة صلاة مفروشة على أرضية الغرفة، بسبب بعده عن ثقافة الصلاة والسجادة. إلا أن هذا التفسير أيضا لا يشفع له، لأنه يدل على بعده، هو وفريقه، عن ثقافة الشعب المسلم الذي يعرف ماذا تعني سجادة الصلاة للمسلمين، ويحترمها، ويتجنب تدنيسها كيلا تفقد طهارتها.
كليتشدار أوغلو سبق أن ظهر في صورة وبيده ترجمة كتاب “معالم في الطريق” للشهيد سيد قطب، وقام بزيارة قبر “ولي” في قضاء آقشهير التابع لمحافظة قونيا. ومنذ بداية شهر رمضان المبارك، يشارك مع حلفائه في الطاولة السداسية في موائد الإفطار، ويرفع يديه داعيا إلى الله، ويكاد يهلك نفسه من أجل إقناع الناخبين المحافظين بأنه رجل متدين أو على الأقل لا يعادي المتدينين، إلا أنه يقع في أخطاء تفضح تصنعه وبعده عن التدين وثقافة المتدينين وضعف معلوماته الدينية.
الرجل شارك قبل أيام في برنامج إفطار نظمه حزب السعادة، وألقى فيه كلمة عزا فيها قول الله عز وجل: “وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا”، إلى رئيس الوزراء التركي الراحل نجم الدين أربكان. كما حرف حديثا مشهورا ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو حديث “الجنة تحت أقدام الأمهات”، وقال في كلمته التي ألقاها بمدينة طرابزون إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “الجنة تحت أقدام النساء”.
قادة حزب الشعب الجمهوري يشاركون كليتشدار أوغلو في ممارسة التقية، ويحضرون موائد الإفطار، ويدعون الله مع الآخرين. ولعل أكثر من يتضايق من حالة الاضطرار للتظاهر بالتدين هي رئيسة فرع إسطنبول لحزب الشعب الجمهوري، جانان قفتانجي أوغلو، التي سبق أن أعربت عن استيائها من ممارسة التقية من أجل الحصول على أصوات الناخبين اليمينيين. كما أنه يلاحظ من ملامح وجه قفتانجي أوغلو، انزعاجها من وجودها في موائد الإفطار، واضطرارها لرفع أيديها مع الآخرين للدعاء إلى الله، علما أنها انتقدت ذات مرة تنظيم مراسم جنازة وفقا للقواعد الإسلامية للأشخاص الذين يعيشون طوال حياتهم بعيدين عن الدين، وأوصت بعدم تنظيم مراسم جنازة إسلامية لها، كما أن زوجها نشر تغريدة يفتخر فيها بأكل ربع خنزير في سبع دقائق فقط.
كليتشدار أوغلو يذهب إلى المناطق ذات الأغلبية الكردية، ويقدم فيها وعودا تدغدغ مشاعر الناخبين الموالين لحزب العمال الكردستاني، ثم يذهب إلى طرابزون يدعي بأنه أكبر قومي تركي. ويتعهد بالعودة إلى معاهدة إسطنبول المثيرة للجدل، ولكنه في ذات الوقت يتحالف مع حزب السعادة الذي يرفض المعاهدة بشدة، ويوزع وعودا متناقضة، إلا أنه ينسى أن كافة تصريحاته يتم بثها بالصوت والصورة، ولا تبقى مساحة كبيرة للمناورة وظروف مواتية لنجاح التقية.