يسود الترقب حول خارطة الطريق التي ينتهجها وزير المالية والخزانة التركية محمد شيمشك، في مواجهة التضخم والغلاء المعيشي في البلاد.
وكان شيمشك وجه رسالة إلى الشعب التركي، قال فيها: “رغم عدم وجود طرق مختصرة أو حلول سريعة، يمكنكم الاطمئنان بأن خبرتنا ومعرفتنا وتفانينا، ستساعدنا في التغلب على العقبات المحتملة في المستقبل”.
وشدد على أن المبادئ التوجيهية التي سيسير عليها لخلق تركيا أكثر ازدهارا وقوة، ستكون الشفافية والاستقرار والمساءلة والقدرة على التنبؤ.
وأكد شيمشك أن أولويته الملحة، تتمثل في تعزيز الفريق الاقتصادي وإنشاء برنامج اقتصادي موثوق.
وشهدت الليرة التركية، انخفاضا في قيمتها أمام العملات الأجنبية، وخسرت نحو 7.5 بالمئة من قيمتها حيث تراجعت إلى 23.50 مقابل الدولار. وانخفض صافي احتياطيات البنك المركزي بنحو 1.3 مليار دولار في الأسبوع الماضي إلى أدنى مستوى مسجل منذ بدء نشر البيانات في 2002.
وانخفض صافي الاحتياطيات بأكثر من 33 مليار دولار منذ نهاية 2022، وتحول إلى السلبي في الشهر الماضي لأول مرة منذ الأسابيع الخمسة الأولى من عام 2002 مع ارتفاع الطلب على النقد الأجنبي إلى مستويات قياسية مرتفعة خلال فترة الانتخابات.
وذكرت وكالة رويترز، أن شيمشك سيعقد اجتماعا الأسبوع المقبل مع كبار مديري البنوك في تركيا، ومن المتوقع مناقشة تقييم عام للقطاع المصرفي والتحديات الاقتصادية الحالية.
ويظهر المستثمرون حماسا لتعيين شيمشك؛ لأنهم توقعوا تحولا نحو سياسات اقتصادية أكثر تقليدية في تركيا، وبعد تعيينه أكد ضرورة السياسة الاقتصادية إلى أرض “العقلانية”.
ما الذي حدث وتسبب بانخفاض العملة التركية؟
الكاتبة هاندا فرات في تقرير على صحيفة “حرييت”، ذكرت أنه قبل تشكيل الحكومة الجديدة، لم يكن هناك سعر صرف محدد بالضبط في السوق الحرة، وتم التحكم في سعر الصرف عن طريق بيع العملات الأجنبية “خلف الأبواب” بواسطة البنوك العامة.
وتابعت بأن ذلك هو السبب الرئيس في الانهيار في احتياطيات البنك المركزي، التي انخفضت باستثناء المقايضات إلى مستوى متدن.
ومع تنصيب شيمشك، كانت الخطوة الأولى من الممارسات الشفافة القائمة على القواعد، من خلال البنك المركزي؛ حيث توقف عن بيع العملات الأجنبية بشكل كبير، التي بدأت بالارتفاع تدريجيا وانخفاض العملة التركية اعتبارا من الاثنين الماضي، وهي نتيجة طبيعية للانتقال إلى السوق الحرة.
وتابعت فرات، بأنه مع ذلك، فقد كانت هناك حملات موجهة ضد الحراك الحاد من وقت لآخر في الأسواق، والغرض من ذلك هو التنفيذ الصحي للاتجاه، ويمكن تسمية هذه السياسة بـ”عملية الانتقال السلسة”.
لماذا اتخذ شيمشك هذا القرار؟
وأشارت إلى أنه بينما يعود سعر الصرف إلى قيمته الطبيعية، فإن خسائر احتياطات البنك المركزي تتوقف، وبعد هذه المرحلة، لن يسجل أي خسارة فيها، بل ستكون هناك حركة صعودية.
وكانت السياسة المتبعة قبل الانتخابات بشأن النقد الأجنبي الموجه من قبل العامة غير مستدامة، ولم يكن ذلك يتلاءم مع منطق السوق الحرة والمعايير الدولية. وكانت بمنزلة سياسات موجهة من الحكومة، تؤثر بشكل مباشر على التجارة والشركات والمصنعين بطريقة إيجابية أو سلبية، وقضت على القدرة التنافسية للشركات، ولذلك كان الإجراء الأول هو العودة إلى سياسة وقف خسائر احتياطيات البنك المركزي.
إلى أين ستصل قيمة العملة ؟
ومن الصعب التنبؤ بشأن المستويات التي قد تصل إليها العملة التركية، ولكن سيكون لذلك تأثير على الاقتصاد، وسيؤثر على التضخم ليصعد مجددا لفترة من الوقت، ولكن مع نهاية العملية، وعندما تستتب الأمور، أي بعد الانتهاء من الفريق والإعلان عن البرنامج الاقتصادي، سيكون الاقتصاد في وضع أكثر صحة.
بدء تدفق النقد الأجنبي إلى تركيا
ونتيجة لتطبيع السياسات، بدأت تدفقات النقد الأجنبي إلى تركيا اعتبارا من يوم الاثنين، وهذا التدفق سيسهم في حركة هبوطية للدولار الأمريكي.
الكاتب عبد القادر سيلفي، في تقرير على “حرييت”، كشف أنه بعد تولي شيمشك منصبة، تدفق أكثر من 200 مليون دولار من الخارج، ومن المتوقع أن تتزايد التدفقات.
وأوضحت الكاتبة فرات، أن توقيت ومقدار العملة المتدفقة إلى تركيا سوف تبرز باعتبارها عاملا رئيسيا، ورأى المستثمرون المحليون والأجانب، الذين راهنوا على اسم شيمشك، بأن ثقتهم لم تذهب سدى مع التصريحات التي أدلى بها منذ اليوم الأول لتسلمه منصبه، والخطوات المتخذة التي سيتخذها في الفترة المقبلة.
وتشير التوقعات إلى أن هذه الثقة ستتصاعد، مع المزيد من الخطوات الملموسة، والعملة الأجنبية التي ستدخل البلاد يوما بعد يوم.
وأشارت الكاتبة إلى أن شيمشك سيتبنى تطبيقات شفافة وموثوقة، ويمكن التنبؤ بها على صعيد الممارسة، ولن تكون مفاجِئة للأسواق.
اجتماع لجنة السياسة النقدية.. وتعيين غاية أركان رئيسة للبنك المركزي
ويعد الاجتماع الذي ستعقده لجنة السياسة النقدية للبنك المركزي في 22 حزيران/ يونيو المقبل، عاملا سيؤثر أيضا بشكل مباشر على مستوى الصرف.
وأشارت الكاتبة إلى سلاح آخر بحوزة شيمشك، هو الشابة حفيظة غاية أركان، التي لديها سمعة دولية عالية ومتميزة، وستعمل على إصلاح الثقة الضعيفة في الأسواق، وفقا للمنظور الذي يسير عليه.
يشار إلى أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، كلف الشابة حفيظة غاية أركان، برئاسة البنك المركزي التركي، لتصبح أول سيدة تتقلد هذا المنصب في تاريخ الجمهورية.
وتعرف الشابة حفيظة غاية أركان، بـ”الفتاة التركية المدهشة” في الولايات المتحدة، بسبب مسيرتها التعليمية والمهنية، وكانت أصغر بروفيسورة في علم الأموال.
وعملت غاية أركان لتسع سنوات في “غولدمان ساكس” عام 2005، التي تعد من أشهر المؤسسات المصرفية في الولايات المتَّحدة والعالم. وتقلدت مناصب في “فيرست ريبابليك”، وكان لها دور فعال في نمو أموال البنك لعشرة أضعاف. كما عملت كرئيسة مجلس إدارة في شركة “تيفاني أند كو”، التي تعتبر من أكبر الشركات الأمريكية المختصة بالمجوهرات، قبل العمل عام 2022 في مجلس إدارة شركة “مارش ماكلينان” للاستشارات المالية العالمية.
وتتمتع أركان بخبرة كبيرة في الأعمال المصرفية والاستثمار وإدارة المخاطر والتكنولوجيا والابتكار الرقمي، وهي عضو في المجلس الاستشاري لقسم بحوث العمليات والهندسة المالية في جامعة برينستون.
المصدر: عربي٢١