العنصرية المُتصاعدة في تركيا

الكاتب السعودي: نواف القديمي

على امتداد السنوات الأخيرة، كانت إحدى أهم أدوات المعارضة التركية في استهداف الحزب الحاكم هو حملة التحريض ضد اللاجئين وتحميلهم كل أزمات البلد الاقتصادية والسياسية. وقد تصاعدت الحملات المنظمة عبر القنوات التلفزيونية ومواقع التواصل الاجتماعي والصحف وآلاف الأنصار، ونجحت في تعبئة غالبية الشعب التركي بموقف سلبي ومتوتر من اللاجئين. ولأن المواطن التركي لا يستطيع التمييز بين السوري والفلسطيني والمصري والخليجي؛ فتحولت الحملة مع الوقت ضد العرب جميعهم، وطالت في الصيف الماضي كثيراً من السياح الخليجيين الذين تعرضوا لعشرات قصص المضايقة والعنصرية وربما الاعتداء.

قبل سنوات، حاول الحزب الحاكم مواجهة هذه الحملات، ثم مع مرور الوقت، شعر أن المزاج الشعبي تغير كثيراً، وهو – كحزب يواجه استحقاقات انتخابية متوالية – لا يريد مواجهة الموقف الشعبي ولا إثارة سخط الناس، فأخذ منحى “غض الطرف” عن معظم ما يجري من انتهاكات، ومحاولة تسوية الأمور في حالات أخرى من دون إغضاب المواطنين. فحزب العدالة والتنمية، وأردوغان معنيين برضى الناخب التركي ومحاولة كسب صوته أولاً وقبل كل شيء.

في شهر آذار/ مارس القادم – بعد ستة أشهر – تقف تركيا أمام استحقاق انتخابي جديد ومهم هو الانتخابات البلدية، وكان حزب العدالة والتنمية قد خسر أهم بلديتين “اسطنبول وأنقرة” في الانتخابات السابقة بعد أن كان يسيطر عليهما لعقود، وهو يعمل منذ شهور – وباستماتة – على استعادتهم في الانتخابات القادمة. وهذا يعني بالضرورة السعي لعدم إغضاب الناخب التركي ومسايرة قناعاته ومزاجه، لذلك ستستمر الحكومة – فيما يبدو – في التغاضي عن أخذ إجراءات حازمة تجاه العنصرية المتصاعدة ضد اللاجئين والعرب.

وفي المقابل، رئيس بلدية اسطنبول الحالي ومرشح حزب الشعب لها “أكرم إمام أوغلو”، والذي لم يحقق إنجازات تستحق الذكر في فترة رئاسته الحالية، قرر أن يمارس اللعبة القذرة نفسها، “التحريض على اللاجئين” واتهامهم بأنهم سبب كل المشاكل التي تعانيها اسطنبول، وقد ابتدأ ذلك بتصريحه قبل أيام بأن اللاجئين في اسطنبول هم سبب تراجع منسوب المياه بنسبة 20٪.

اقرأ أيضا

إلغاء الامتحان المهني.. 4 متطلبات جديدة تهم كل معلم في تركيا

في المحصلة، نحن أمام مشهد مخيف، مزيد من التحريض ضد اللاجئين والعرب من المعارضة، ومزيد من التوتر والاحتقان الشعبي، ويوازي كل ذلك تغاضي ومسايرة حكومية. لذلك، حالياً لا يكاد يمر يوم من دون قصص عنصرية أو اعتداء أو طعن، وهذا النزر الذي نعرفه هو الذي يتم تصويره ويصل إلى الإعلام، أما ما يجري في الواقع فأكثر بكثير للأسف، وهذا يعني أننا أمام ستة أشهر قد تشهد فيها تركيا كثيراً من الجنون والتصرفات الحمقاء.

وفضلاً عن كون السوريين حالياً يد عاملة مهمة في تركيا، خاصة في قطاعَي الزراعة وصناعة الملبوسات، فإن الميزانية التركية لا تتكلف شيئاً من عبء تكاليف اللاجئين؛ حيث حصلت تركيا على عدة مليارات من الاتحاد الأوروبي مقابل استضافتها للاجئين ومنع هجرتهم إلى أوروبا. لذلك يدفع الاتحاد الأوروبي مقابل كل طفل سوري يدخل إلى المدرسة، وكل سوري يحتاج إلى الاستشفاء. فإذا كانت الحكومة – والمزاج الشعبي التركي – متضايقة من أعداد اللاجئين السوريين، فلتغض الطرف ولا تمنع هجرتهم إلى أوروبا – كما تفعل فرنسا التي لا تمنع أي من اللاجئين الذين يدخلون إلى أراضيها من الهجرة إلى بريطانيا عبر البحر -. أما أن تمنع هجرتهم وتأخذ أموال من أوروبا مقابل ذلك، ومن ثَمّ تسعى إلى إعادتهم إلى جيوب معزولة عن العالم “الشمال السوري” وفيها فوضى سلاح وضعف في الخدمات، فهذا مما لا يمكن فهمه.

في تركيا الآن ما يشبه الاستباحة لحياة السوريين وأمنهم، فالسوري إذا تعرض لاعتداء عنصري يخشى من رفع شكوى، لأن عشرات – وربما مئات – التجارب والقصص التي حصلت كان نتيجتها ترحيل “المُعتدى عليه” إلى الشمال السوري. وهذا الصمت عن حالات الاعتداء والعنصرية ضد السوريين يعني بالضرورة ضوءاً أخضر للاعتداء على السياح العرب والخليجيين وسواهم.

العنصرية كرة ثلج تكبر، ومع الوقت قد تصل إلى حالة “هياج جماعي” ويُصبح من الصعب السيطرة عليها، وستتطور لتطال فئات من الشعب التركي، وهو ما أدى مؤخراً إلى تكرر حالات الاعتداء على محجبات ومتدينين أتراك، كل ذلك يحصل في بلد يعاني أزمة اقتصادية خانقة، ونسبَ تضخمٍ من الأعلى عالمياً، ويحتاج بشدة إلى رفع نسب السياحة وجلب الاستثمارات. وتراخي الحكومة ضد الاعتداءات العنصرية المتكررة مؤداه تحوّل تركيا إلى بلد طارد للسياحة، وغير مطمئن للاستثمار، وهي صورة إذا تكرست لا يمكن تغييرها بعد الانتخابات، بل سيحتاج الامر إلى سنين طويلة.

من سنوات، والحكومة التركية تسعى، وبشكل حثيث وبتقديم تنازلات، لإعادة إصلاح علاقتها بدول الخليج، ولعودة السياحة والاستثمارات، ولكنها بتراخيها الحالي عن جرائم العنصرية ربما ستخسر كل ذلك.

2 تعليقات
  1. مراد يقول

    لا يوجد تيار عنصري في تركيا بل بعض الأشخاص المفلسين سياسياً أمثال قادة حزب النصر المدعو أوميت أوزداغ ورئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كليتشدار أوغلو ومن ينساق إلي دعواتهما من ضيقي الأفق ، التحريض الإعلامي والأزمة الاقتصادية وطول فترة مكوث اللاجئين هم السبب في بعض المشاحنات
    التي تحدث هنا أو هناك وليس تيار شعبي علي الاطلاق. ، الشعب التركي أصيل ومضياف ويتكون من أعراق وطوائف متنوعة يجمعها وحدة الوطن واللغة والمصير

    1. Ajab يقول

      اردوغان اوهم الشعب التركي انه سيعين الاخوان المسلمين حتى يتيحوا لتركيا زعامة سوريا ومصر والخلبج وتعود للاتراك السيطرة على الشعوب العربية وتحويل ثرواتهم النفطية ليد السلطان العثماني ورعيته في استانبول وانقرة وكل المدن الفقيرة .. لكن فشل الاخوان في مخططهم واصبح الهاربون من سوريا عبئا على الاقتصاد التركي يدفع اردوغان ضريبته .. اللهم لا تخسر اخر اعمالنا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.