التقارب المصري التركي… دعمٌ غير مسبوق للقضية الفلسطينية وتحركات لرفع المعاناة عن غزة

قال السفير التركي لدى القاهرة صالح موطلو شن إن التقارب بين تركيا ومصر وتعاونهما الوثيق يخدم القضية الفلسطينية، ويمكن أن يحدث “فرقا كبيرا” على طريق حل القضية وإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني.

وأضاف موطلو شن، أن تعاون تركيا ومصر “يساهم في تخفيف معاناة الفلسطينيين في قطاع غزة، الذي يشهد إبادة جماعية على يد إسرائيل منذ عام”.

وتشن إسرائيل بدعم أمريكي حرب إبادة على غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 أسفرت عن أكثر من 144 ألف قتيل وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قاتلة.

وتابع موطلو شن أن تركيا ومصر “مرتبطتان تماما بالقضية الفلسطينية، وتحركهما معا باعتبارهما قوتان كبيرتان لهما ثقل سياسي ودبلوماسي، سيؤدي إلى نتائج جيدة لحل القضية الفلسطينية وإنهاء المعاناة والظلم الذي يعيشه الشعب الفلسطيني”.

وأردف: “تركيا ومصر تتحركان في ضوء إرادة ومطالب شعبيهما، وتحركهما في الساحة الدبلوماسية الدولية وبذلهما جهودا مشتركة في الأمم المتحدة، إضافة إلى الجهود الدبلوماسية الثنائية مع الدول الأخرى، يمكن أن يحدث فرقا كبيرا”.

ودلل على حديثه بقوله: “نرى الآن علامات على ذلك. مثلا وزير خارجيتنا هاكان فيدان مشارك في مجموعة الاتصال المشتركة بين منظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية بشأن غزة. ويبذل جهودا مؤثرة للغاية”.

كما “يزور (فيدان) عواصم العالم لحث الدول على الاعتراف بدولة فلسطين، ويلفت الأنظار إلى الظلم المستمر في فلسطين، ويؤكد على ضرورة وقف إطلاق النار في غزة، وإدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع”، وفق موطلو شن.

وحوّلت إسرائيل غزة إلى أكبر سجن بالعالم، إذ تحاصرها للعام الـ18، وأجبرت حرب الإبادة نحو مليونين من مواطنيها، البالغ عددهم حوالي 2.3 مليون فلسطيني، على النزوح في أوضاع كارثية، مع حرمان من الغذاء والماء والدواء.

لا سلام دون حل القضية الفلسطينية

السفير التركي أكد أن السلام والاستقرار لا يمكن أن يتحققا في المنطقة دون حل القضية الفلسطينية.

وشدد على أن أي محاولات إسرائيلية لإقامة علاقات جيدة مع دول المنطقة لن تجدي نفعا ما دام “الاحتلال والظلم مستمران في فلسطين”.

وأضاف أن “الحصار مستمر على قطاع غزة، وعنف الحكومة والمستوطنين مستمر ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية، والانتهاكات بالأماكن المقدسة في مدينة القدس لا تزال مستمرة”.

وتابع: “إسرائيل تحاول تنفيذ مخطط التقسيم المكاني والزماني في القدس (المسجد الأقصى)، على غرار ما تنفذه في الحرم الإبراهيمي (بمدينة الخليل جنوبي الضفة)”.

و”لذلك فإن كل محاولات إسرائيل الدبلوماسية للتقارب مع دول المنطقة لن تجدي نفعا”، حسب تأكيد موطلو شن.

ونفى صحة أحد أكبر مزاعم تل أبيب بقوله: “لا يوجد أي تهديد وجودي لإسرائيل. فهي لا تواجه مشكلة أو خطرا يهدد وجودها ووجود شعبها على عكس ما تحاول أن تروج له في العالم”.

وأوضح أن “المشكلة الحقيقية في المنطقة هي مشكلة الاحتلال والظلم الذي يعانيه الفلسطينيون منذ عقود. وعدم قدرتهم على تأسيس دولتهم المستقلة”.

كم لفت إلى أن “سياسة الاستيطان الإسرائيلية في الضفة تقسّم أراضي الضفة الغربية وتفصل مدنها عن بعضها، وبالتالي تضعف احتمالات تحقق حلم الفلسطينيين في تأسيس دولتهم المستقلة ذات السيادة والوحدة الجغرافية”.

وأكد ضرورة تأسيس دولة فلسطينية مستقلة في أسرع وقت لإرساء السلام الدائم في المنطقة.

وشدد على أهمية اعتراف كل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة (193 دولة) بدولة فلسطين حتى لا يتسنى للولايات المتحدة استخدام سلطة النقض (الفيتو) بمجلس الأمن لمنع صدور قرار بقبول فلسطين دولة عضو بالأمم المتحدة.

وحاليا، تحظى فلسطين بوضع “دولة مراقب غير عضو” عبر قرار اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2012.

كما “يجب إعادة حقوق الشعب الفلسطيني وتعويضه عن الظلم الذي يعانيه منذ عقود”، وفق موطلو شن.

وأردف: “ولا بد من تأسيس دولة فلسطين المستقلة على حدود (ما قبل حرب) 1967، وعاصمتها القدس الشرقية. القدس كانت دائما العاصمة الأبدية لفلسطين، وستظل هكذا. هذه حقيقة لا يمكن لأحد تغييرها”.

وحذر من أن السياسات الإسرائيلية تشعل منطقة الشرق الأوسط وتزعزع استقرارها، مما يزيد من احتمال نشوب حرب إقليمية.

ومنذ 23 سبتمبر/ أيلول الماضي وسعت إسرائيل نطلق الإبادة بشن حرب واسعة مستمرة على لبنان، ومن حين إلى آخر تنفذ غارات دموية في اليمن وسوريا، كما تتبادل ضربات جوية مع إيران.

وإجمالا، أسفر عدوان إسرائيل على لبنان منذ 8 أكتوبر 2023 عن ألفين و792 قتيلا و12 ألفا و772 جريحا، بينهم عدد كبير من الأطفال والنساء، فضلا عن نحو مليون و400 ألف نازح، وفق بيانات رسمية لبنانية.

وأشار موطلو شن إلى أن “الرئيس التركي رجب طيب أردوغان دائما ما يردد عبارتي “العالم أكبر من خمسة” (الأعضاء الدائمين بمجلس الأمن) و “يمكن تحقيق عالم أكثر عدلا”.. ونحن نقول إنه يمكن تحقيق عالم أكثر عدلا فيما يخص القضية الفلسطينية”.

ومنذ عقود تحتل إسرائيل أراضٍ عربية في فلسطين ولبنان وسوريا، وترفض قيام دولة فلسطينية مستقلة على حدود ما قبل حرب 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

متى يعترف العالم بإبادة غزة؟!

وحول الوضع الكارثي في غزة، قال السفير التركي إن “الكلمات باتت تعجز عن وصف المأساة والظلم الذي يتعرض له الفلسطينيون في القطاع”.

ومستنكرا تساءل: “كم إنسان يجب أن يُقتل حتى يقر العالم بأن ما يجري في غزة إبادة جماعية. 200 ألف أم 300 ألف أم 500 ألف؟!”

وأكد أن الشعب التركي دائما يقف في صف المظلومين في كل مكان، سواء في الصومال أو السودان أو أي مكان، ويقف بشكل خاص مع أشقائه في فلسطين.

ولفت إلى أن الشعب التركي والجمعيات التركية ورئاسة إدارة الكوارث والطوارئ (آفاد) والهلال الأحمر التركي جميعهم اصطفوا لمساندة الفلسطينيين في غزة إزاء الإبادة التي يتعرضون لها وجمعوا تبرعات ضخمة.

وأرسلت تركيا سفنا وطائرات وشاحنات تحمل مساعدات إنسانية إلى غزة عبر مصر التي وفرت لها الدعم اللوجيستي، وتركيا أكثر دول العالم تقديما للمساعدات الإنسانية لغزة، كما أضاف موطلو شن.

وأعرب عن شكره للسلطات المصرية على الدعم الذي قدمته لنقل المساعدات التركية إلى غزة، مرجعا ذلك إلى المناخ الإيجابي في العلاقات السياسية بين البلدين.

واستدرك: “مع الأسف المساعدات متوقفة حاليا بسبب احتلال إسرائيل الجانب الفلسطيني من معبر رفح (جنوب). وهذا أمر محزن لنا جميعا”.

وقال موطلو شن إن بلاده تدعم موقف مصر المحق والرافض لوجود الجيش الإسرائيلي في معبر رفح ومحور فيلادلفيا (على الحدود بين غزة ومصر).

وزاد بأن تركيا أيضا ترغب أن يكون معبر رفح تحت إدارة فلسطينية، لأن ذلك سيسهل عملية إدخال المساعدات إلى قطاع غزة عبر مصر.

الأمم المتحدة “عاجزة”

وبالنسبة للأمم المتحدة قال السفير التركي إنها “عاجزة” عن لعب أي دور مؤثر فيما يخص إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة.

وأكد وجود حاجة ملحة لإيجاد آلية عمل أممية يمكنها المساهمة بفاعلية في إيصال المساعدات.

وأضاف موطلو شن أن تركيا ومصر ستكثفان جهودهما الدبلوماسية في الفترة المقبلة في هذا الشأن.

ولفت إلى أن تركيا عندما علقت التجارة مع إسرائيل وضعت شرطين أساسيين لاستئنافها، أولهما إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة بكميات كافية، والآخر هو وقف إطلاق النار.

العلاقات التجارية

وفيما يخص العلاقات التجارية بين تركيا ومصر، قال السفير التركي إن اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين (لعام 2005) تمثل العمود الفقري للتجارة بينهما.

وأكد أن البلدين يمتلكان الإمكانات اللازمة لتحقيق الهدف الذي وضعه رئيساهما لحجم التبادل التجاري المأمول.

وأضاف: “لو استمر هذا الزخم سنتمكن من الوصول إلى هدف 15 مليار دولار في خلال 5 سنوات”.

موطلو شن استدرك: و”لكن علينا ألا نكتفي بذلك. ويمكن أن ندعم الاتفاقية بمجموعات سلع وقطاعات جديدة، مثلا يمكن إضافة المنتجات الزراعية إلى الاتفاقية”.

وأفاد بأن تركيا ترغب في توسيع نطاق اتفاقية التجارة الحرة مع مصر، وتوجد مباحثات بين البلدين وتوافق في وجهات النظر في هذا الشأن.

وزاد بأن “البلدين يهدفان للوصول إلى 9 مليارات دولار في التبادل التجاري هذا العام، وسيكون هذا رقما قياسيا، وسيشكل دافعا لتحقيق هدف 15 أو 20 مليار دولار”.

موطلو شن قال إن تركيا كانت تستورد الغاز المسال من مصر، إلا أن زيادة الاستهلاك في مصر أدت إلى تراجع حجم الكميات التي تستوردها تركيا منها.

وعبَّر عن أمله في أن تعود مصر لتصدير كميات أكبر من الغاز المسال، ويمكن لتركيا أن تستورده منها بكميات تصل قيمتها إلى مليار ونصف مليار دولار سنويا.

كما قال إن السياحة والاستثمار يشكلان قطاعين مهمين جدا في العلاقات التجارية بين البلدين، وتوجد إمكانات كبيرة في القطاعين.

وأضاف أن السياح المصريين الذين زاروا تركيا عام 2022 بلغ عددهم 344 ألف، ويمكن لهذا العدد أن يصل إلى 500 ألف خلال 5 سنوات.

وتابع: “هناك اهتمام كبير من المصريين بزيارة تركيا. ليس فقط إسطنبول بل أنطاليا (جنوب) وبودروم (جنوب غرب) والعديد من المدن التركية”.

واستطرد: قررت مصر عام 2023 رفع التأشيرة عن المواطنين الأتراك، وأصبح بإمكانهم السفر إلى مصر والحصول على تأشيرة في المطار. وبالطبع هذا الأمر زاد من اهتمام الأتراك بزيارة المدن المصرية”.

وفيما يخص الاستثمار، قال موطلو شن إن هناك اهتماما كبيرا من رجال الأعمال الأتراك بالاستثمار في مصر والاستفادة من الامتيازات التي تمنحها الدولة المصرية للمستثمرين، إضافة إلى الاستفادة من انخفاض تكلفة العمالة المصرية.

وأضاف: “لمصر علاقات تجارية قوية مع الدول العربية وإفريقيا والولايات المتحدة ودول أمريكا الجنوبية، وهناك شركات تركية ترغب في الاستفادة من ذلك”.

واختتم موطلو شن بتأكيد أن تركيا تواصل علاقاتها التجارية مع مصر في إطار “مبدأ رابح -رابح”، أي الحرص على استفادة الطرفين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.