تستمر قضية “عصابة حديثي الولادة”، التي أثارت الرأي العام التركي، في الكشف عن تفاصيل صادمة. ففي اليوم التاسع من المحاكمة، أدلت عائشة مزيّان يورت أوغلو، صاحبة مستشفى “غونيه” الخاص، بتصريحات مفاجئة حول “فيرات ساري”، زعيم العصابة، متهمة إياه باستخدام علاقاته مع النيابة للتهديد والتلاعب بالأدلة.
طمس أدلة وفاة الطفل “كايا”
وفقًا لما جاء في الجلسة التي انعقدت في محكمة الجنايات الثقيلة الـ22 في باكيركوي، اعترفت يورت أوغلو بأنها أمرت بحذف تسجيلات الكاميرات لإخفاء أدلة وفاة الطفل كايا. كما كشفت التحقيقات أن المشتبه بها لم تعين أي طبيب أو ممرضة مسؤولة في وحدة العناية المركزة لحديثي الولادة في الليلة التي توفي فيها الطفل، مما أدى إلى اتهامها بالإهمال والتسبب في الوفاة.
تفاصيل التعاون مع زعيم العصابة
أوضحت يورت أوغلو أنها بدأت التعامل مع فيرات ساري٬ لتلبية احتياجات المستشفى من الأطباء والممرضات، بناءً على توصية أحد أصدقائها. وقالت:
“جاء فيرات ساري إلى المستشفى، وناقشنا التفاصيل. أخبرني بأنه يقدم خدمات استشارية للعديد من المستشفيات، وبدأنا التعاون معه. خلال هذه الفترة، كان يوفر الطاقم الطبي عند الحاجة، لكن مع تزايد المشكلات، قررنا إنهاء الاتفاق معه”.
تهديد رئيس الأطباء
اعترفت يورت أوغلو بأن زعيم العصابة بدأ بتهديد رئيس الأطباء، قائلة:
“عندما تحدثنا مع فيرات ساري بخصوص المشكلات، بدأ بإهانة وتهديد رئيس الأطباء، الذي بدوره قال له: ‘لا يمكنك حتى تفسير كيفية استخدام الأدوية بشكل صحيح’. وعندها قررت وقف التعاون مع شركته”.
علاقات مع النيابة
أشارت يورت أوغلو إلى أن فيرات ساري كان يستخدم نفوذه، قائلة:
“كان يقول دائمًا: ‘لدي علاقات قوية. هناك مدعٍ عام أعرفه في بويوك شكمجة’. وعندما جاء المدعي العام من هناك للتحقيق، اتصلت به وسألته إذا ما كان هو من قدّم الشكوى”.
تحويل وحدة العناية المركزة إلى مستودع
وفي إحدى اللحظات الغاضبة، أشارت يورت أوغلو إلى أن وحدة العناية المركزة أصبحت مثل “مستودع”، لكنها أوضحت لاحقًا:
“قلت ذلك من الغضب فقط. كانت الوحدة مجهزة بشكل جيد، وأنا دائمًا أحرص على توفير كل ما يلزم”.
الإجراءات المتخذة
أكدت يورت أوغلو أنها قامت بفصل جميع الموظفين المرتبطين بشركة فيرات ساري، قائلة:
“دفعت التعويضات اللازمة للجميع وأوقفت التعامل مع شركته. لا أعتقد أنني فعلت شيئًا خاطئًا”.
ومنذ أيام والشارع التركي مصدوم بتفاصيل الجريمة المدوية التي هزت القطاع الصحي في البلاد، بعد مقتل ما لا يقل عن 12 طفلا حديثي الولادة في المستشفيات، وإصابة آخرين بعاهات دائمة.
فيما بدأ القضاء يلاحق 47 عاملاً في القطاع الطبي بينهم 22 قيد الاحتجاز، منهم أطباء وممرضات وممرضون يواجهون اتهاماتٍ في التسبب بوفاة ما لا يقل عن 12 مولودا والاحتيال على نظام الضمان الصحي.
عصابة المواليد الجدد
وفي التفاصيل، تتكون لائحة الاتهامات الموجّهة إلى ما أطلق عليها “عصابة المواليد الجدد”، من 1399 صفحة قرئت في قاعة المحكمة الجنائية العليا في منطقة بكّركوي بمدينة اسطنبول، حيث بدأت الجلسة الأولى للمحكمة يوم الاثنين الماضي واستمرت حتى أمس الجمعة قبل عطلة نهاية الأسبوع.
وكشفت تلك اللائحة عن تعاون أعضاء العصابة مع موظفين في مراكز الطوارئ والإسعاف بإسطنبول لإحالة أطفال حديثي الولادة إلى مستشفيات خاصة، سبق أن أبرم أفرادها اتفاقياتٍ سرّية لإبقاء الأطفال في وحدات العناية المركزة لفترات غير ضرورية، باستخدام أدوية وتقارير طبية مزورة تدعي خطورة حالتهم.
تقارير مزورة
إلى ذلك، بينت التحقيقات التي أجراها النائب العام في اسطنبول أن العصابة استغلت نظام الضمان الاجتماعي للحصول على مبالغ كبيرة بعدما قامت بتزوير تقارير تظهر الأطفال المتوفين كأنهم أحياء للحصول على مستحقات مالية. وكانت كل حالة تُعتبر فرصة لتقاسم أرباح التأمين اليومي البالغة قيمتها حوالي ثمانية آلاف ليرة تركية (230 دولارا أميركيا) لكل طفل يومياً.
ورغم الضجة الحاصلة، نفى أفراد العصابة تورّطهم بالتسبب في وفاة الأطفال الرضع، مؤكدين أنهم “اتخذوا أفضل القرارات الممكنة لإبقائهم على قيد الحياة”، على حدّ تعبيرهم.
فيما بلغ عدد المستشفيات المتورطة مع هذه العصابة 19، تأكد تورط 10 منها وقد سُحبِت منها تراخيصها وتمّ إغلاقها بعد “الفضيحة”. وتقع 9 منها في اسطنبول وواحدة في ولاية تيكرداغ.
زعيم العصابة.. طبيب
أما زعيم العصابة فيدعى فرات ساري، وهو طبيب ومتهم رئيسي في القضية إلى جانب اثنين آخرين. وقد يواجه هؤلاء إلى جانب 19 آخرين وكلهم قيد الاحتجاز حالياً، أحكاماً بالسجن المؤبد مدى الحياة.
إلى ذلك، حاولت “العصابة” قتل المدّعي العام المكلف بمتابعة “القضية” وعرضت على أحد المشتبه بهم لتنفيذ عملية اغتياله مقابل مبلغ 100 ألف دولار، وفق ما أورد الإعلام التركي.
و امتدّت الجلسة الأولى على عدة أيام نظراً لعدد المتهمين “الكبير” وأيضاً لوجود محامين كُثر أوكلتهم أسر الأطفال الرضع والمتُهمين، وهو ما يعني أن المحكمة ستأخذ وقتاً طويلاً للبت بشأن الحكم النهائي في هذه القضية التي أثارت ضجة لدى الرأي العام التركي.
كما وصلت هذه القضية إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي قال نهاية الشهر الماضي، عند اكتشاف أمرها إن “المسؤولين عن الوفيات سينالون عقوبات شديدة”، لكنه حذر في الوقت عينه من تحميل نظام الرعاية الصحية في البلاد “كامل المسؤولية” عن مثل هذه الحوادث.
بدوره، يتابع كل من وزير الصحة التركي كمال مميش أوغلو الذي طالبت المعارضة باستقالته بعد فضح هذه العصابة، ووزير العمل والضمان الاجتماعي فيدات إيسيخان، مجريات المحاكمة.
بينما يطالب أسر الأطفال بإنزال أشد العقوبات بحق أفراد “العصابة”.
كذلك أعلن وزير العمل والضمان الاجتماعي، عن حزمة إجراءات صارمة لمحاسبة الجهات المسؤولة التي تسبب بوفاة هذا العدد من الأطفال الرضع. وشملت الإجراءات الامتناع عن إرسال المدفوعات المالية للمستشفيات المتورطة في القضية، وإلغاء عقودها مع مؤسسة “الضمان الاجتماعي”، وإلغاء عقود مباحث أمن الدولة لهذه المستشفيات.
في حين حمّلت أحزاب المعارضة، وزير الصحة الحالي والسابق ومسؤولين آخرين في الحكومة، مسؤولية وفاة الرضع.