كيف سيصمد العالم أمام طوفان ترامب التجاري؟ الصين تصعّد، وتركيا تسعى للتوازن!

القرار الذي أعلنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن الرسوم الجمركية الجديدة، والذي دخل حيز التنفيذ في 9 أبريل، تسبب في تصعيد التوترات الدبلوماسية في آسيا.

الرسوم الجمركية التي وصلت إلى 104% على البضائع الصينية أدت إلى انهيارات حادة في الأسواق في دول مثل كوريا الجنوبية، الهند، اليابان، تايوان، فيتنام، والفلبين، مما دفع العواصم إلى تفعيل خطط تدخل عاجلة.

الصين: “لن نخضع للبلطجة، وسنقاتل حتى النهاية”
وصفت وزارة الخارجية الصينية الرسوم بأنها “بلطجة” وأصدرت بياناً جاء فيه: “الولايات المتحدة تستغل الرسوم لممارسة الضغط على الصين. هذا غير مقبول. سنرد بحزم وفعالية.”

أما وزارة التجارة الصينية فكانت أكثر صراحة: “الصين لا تسعى إلى حرب تجارية، لكنها لن تقف مكتوفة الأيدي أمام انتهاك حقوقها المشروعة.”

وفي اليوم نفسه، عقد الرئيس الصيني شي جين بينغ اجتماعاً مع كبار مستشاريه الاقتصاديين لإعادة هيكلة استراتيجيات سلاسل التوريد. وقد عمد الإعلام الرسمي إلى الترويج لقوة الصين، فيما تم حجب عبارات مثل “رسوم 104%” عن التداول.

كوريا الجنوبية: “نحن على طاولة التفاوض، لكن سنحمي اقتصادنا”
كوريا الجنوبية، أحد أقرب حلفاء أمريكا، تأثرت بشدة خاصة في قطاعي السيارات والإلكترونيات.
رئيس الوزراء هان دوك-سو أجرى اتصالاً هاتفياً مع ترامب قائلاً: “نرغب في مفاوضات شفافة ومفتوحة مع الولايات المتحدة. لسنا في ذات الصف مع الصين.”

كما تم إرسال وفد تفاوضي إلى واشنطن برئاسة وزير التجارة تشونغ إن-كيو. وألمحت الحكومة إلى تقديم تنازلات في مجالات مثل الغاز الطبيعي المسال وبناء السفن. وبالتوازي، أُعلن عن خطة دعم بقيمة 10 مليارات دولار لحماية السوق المحلية.

الهند: حالة ذعر في قطاع الأدوية وخفض للفائدة
تضررت الهند بشدة بسبب نية ترامب فرض رسوم على الأدوية، وهي صناعة تصدّر بما قيمته 13 مليار دولار.
وردًّا على ذلك، خفّض البنك المركزي الهندي أسعار الفائدة، بينما بدأت الحكومة برئاسة ناريندرا مودي بالسعي إلى اتفاق خاص مع واشنطن.

اليابان: ازدحام في الاتصالات الدبلوماسية والعبء الثقيل
حددت الرسوم المفروضة على اليابان بنسبة 24%. وأرسلت طوكيو وفوداً تفاوضية إلى الولايات المتحدة. وقد تراجعت أسهم شركات السيارات اليابانية بشدة بالتزامن مع انخفاض مؤشر S&P 500.

فيتنام: من أكثر المتضررين برسوم تصل إلى 46%
أرسلت فيتنام وفداً رفيع المستوى إلى واشنطن، فيما تضررت صادراتها من المنتجات الزراعية والبحرية.
وقد حذّر المسؤولون: “إيجاد أسواق بديلة أمر صعب جداً.”

الفلبين: “فرصة لنا”
الردّ الأكثر تفاؤلاً جاء من الفلبين. حيث قال متحدث الحكومة: “رسوم ترامب لن تؤثر علينا كثيراً، بل قد تجلب استثمارات.”
وبدأت مصانع في إقليم باتانغاس تجذب شركات تهرب من الصين وفيتنام، مستفيدة من انخفاض تكلفة العمالة.

العالم يواجه حرب ترامب التجارية: هل يصمد؟
في البداية، فرضت الولايات المتحدة رسوماً شاملة بنسبة 10% على جميع الواردات، ثم أعلن ترامب نسباً متفاوتة: 46% على فيتنام، 34% على الصين، 24% على اليابان، و20% على الاتحاد الأوروبي.

بدأت الحكومات تستعد للرد. وقالت أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، إن الاتحاد الأوروبي مستعد للرد بالمثل، مستهدفاً صادرات الخدمات الأمريكية، بما في ذلك شركات التكنولوجيا الكبرى. وتدرس بعض الدول التنسيق لاتخاذ إجراءات انتقامية جماعية، ما ينذر بحرب تجارية كبرى.

هذه الخطوة تؤكد انسحاب أمريكا من دورها كحامية للنظام التجاري العالمي، وهو دور بدأ بعد الحرب العالمية الثانية وبلغ ذروته بإنشاء منظمة التجارة العالمية عام 1995. ورغم انتهاكاتها، تمكنت الصين من الصعود داخل النظام. أما اليوم، فإن الدول العالقة بين واشنطن وبكين، لم تعد تسعى لإنقاذ النظام، بل تبني بديلاً أقل اعتماداً على الطلب الأمريكي وأكثر حماية من فائض الإنتاج الصيني.

ومع تعمق العلاقات التجارية بين الدول الأخرى، يبرز التساؤل: هل يمكن أن تصمد هذه المنظومة؟ وهل يمكن دمج الصين فيها؟ كندا والاتحاد الأوروبي ردّا على رسوم ترامب بنسبة 25% على الصلب والألمنيوم بفرض رسوم انتقامية بعشرات المليارات، مدّعين أنها تدابير “وقائية” مسموح بها بموجب قواعد منظمة التجارة العالمية.

لكن مع شلل الهيئة القضائية للمنظمة، لا يوجد من يبتّ بهذه النزاعات، ما دفع الحكومات إلى التصرف وكأن تفسيراتها الخاصة للقواعد هي السارية.

تصاعد الإجراءات الأحادية في ظل غياب الرقابة الدولية
بحسب “لو فنغ” من جامعة بكين، كانت الصين موضوع 198 تحقيقاً بشأن الدعم والإغراق العام الماضي – ضعف العام الذي سبقه، وتشكل نصف القضايا المبلّغ عنها لمنظمة التجارة. وسُجّلت 37 قضية من الهند، 19 من البرازيل، وتسع من تركيا. في ظل غياب الردع الدولي، تتجه الدول أكثر نحو اتخاذ إجراءات أحادية.

كما تعمل الدول على تنويع شركائها التجاريين وبناء تحالفات جديدة ضمن بنية تجارية بديلة. ومع تراجع حصة أمريكا والصين في التجارة العالمية، أصبحت هذه الخطوات أكثر قابلية للتحقق. ففي أوائل القرن الـ21، كانت أمريكا تمثل خمس الواردات العالمية، لكنها اليوم لا تمثل سوى ثُمنها. كما انخفضت نسبة التجارة العالمية المعتمدة على الطلب النهائي الأمريكي من 22% عام 2000 إلى 15% فقط في 2020.

تحالف “الأسواق المفتوحة”
يتعزز دور تكتلين رئيسيين في التجارة العالمية:

أولاً، تحالف الأسواق المفتوحة، ويشمل دولاً مثل أستراليا، كندا، تشيلي، اليابان، المكسيك، وغيرها من الدول الواقعة على سواحل المحيط الهادئ. هذا التحالف يدور حول اتفاق “الشراكة الشاملة والتقدمية عبر المحيط الهادئ” (CPTPP)، وانضمت إليه مؤخراً دول مثل النرويج وكوريا الجنوبية وسويسرا.

تشكل هذه الاقتصادات 22% من إجمالي الواردات العالمية، ومع إضافة الاتحاد الأوروبي (12%)، فإن المجموعة تغطي أكثر من ثلث الطلب العالمي – متجاوزة بذلك مجتمعة أمريكا والصين.

وقد نجحت هذه الدول في التصدي لموجة الحمائية الأمريكية خلال فترة ترامب، وأسهمت التهديدات الجمركية في دفع الاتحاد الأوروبي لتوقيع اتفاقات مع كندا، اليابان، سنغافورة، وفيتنام. أما اتفاق CPTPP، الذي نشأ كفكرة أمريكية، فقد أُعيد إحياؤه ووقّعته 11 دولة عام 2018، وتمت إزالة معظم الرسوم الجمركية بينهم. ومع انضمام بريطانيا مؤخراً، أصبحت المجموعة تمثل نحو 15% من الناتج المحلي العالمي.

 

تركيا ضمن “الحمائيين الاستراتيجيين”
الكتلة الثانية يمكن تسميتها بـ”الحمائيين الاستراتيجيين”، وتشمل دولاً مثل البرازيل، الهند، إندونيسيا، جنوب إفريقيا وتركيا – وهي اقتصادات كبيرة وسريعة النمو، تعتمد على الطلب الأمريكي ورأس المال الصيني، لكنها حذرة من التحالف الكامل مع أي طرف.

تعتمد هذه الدول استراتيجيات براغماتية. فهي تنفتح على التجارة حين تخدم تنميتها الاقتصادية، لكنها في الوقت ذاته تحمي قطاعاتها الحيوية بالرسوم والدعم. كما تسعى لجذب الاستثمارات من كل جهة ممكنة. ويشكل هذا التكتل أكثر من 15% من الواردات العالمية.

من جهة أخرى، فإن دولاً كإندونيسيا وتايلاند والفلبين انضمت إلى اتفاق “الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة” (RCEP) الذي يضم 15 اقتصاداً ويربطها بالصين في قلب النظام.

هل ستتدفق المنتجات الصينية إلى تركيا؟
يرى الخبراء أن الصين، التي تواجه خطر فقدان السوق الأمريكية، قد تسعى لتصريف فائضها في أسواق ثالثة مثل تركيا.

من الفوضى إلى نظام متعدد الأطراف؟
تشهد التجارة العالمية إعادة تشكّل متسارعة، حيث تتكامل التكتلات الجديدة من خلال اتفاقات ثنائية وإقليمية، بينما تنسحب أمريكا. ورغم بطء الإصلاح المؤسسي، إلا أن القواعد يتم وضعها على الأرض، خصوصاً في آسيا.

ربما تنجح هذه الرقع المتناثرة في أن تتماسك وتشكّل نسيجاً عالمياً جديداً. فبعد الحرب العالمية الثانية، بدأ أول اتفاق تجاري بـ23 دولة فقط، وتطورت منظمة التجارة على مدى نصف قرن. واليوم، بينما ترفع أمريكا الحواجز، قد تجد الصين فرصة لتوسيع نفوذها.

فهل ستظهر منظومة قائمة على القواعد بقيادة “حلفاء الأسواق المفتوحة”؟ أم سيتبع العالم نهج الصين في تكييف القواعد مع مصالحها؟ قد يعتمد الكثير على ما ستفعله أوروبا بعد ذلك. فالاتحاد الأوروبي يمتلك من القوة ما يكفي لإعادة بناء النظام التجاري وسط أنقاض “حرب ترامب”. إنها لحظة مظلمة لمحبي التجارة الحرة، لكن لا تزال هناك بصيص من الأمل.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.