فاجأت تصريحات أكرم إمام أوغلو، الرئيس الجديد لبلدية إسطنبول الكبرى، حول السياح العرب واللاجئين السوريين، بعض المتابعين للشأن التركي، بعد أن انخدعوا بالصورة المزيفة التي رسمها الرجل خلال الحملات الانتخابية، وبسبب حديثه بإلحاح عن ضرورة احتضان الجميع وعدم ممارسة التمميز وما إلى ذلك من شعارات بعيدة عن العنصرية.
إمام أوغلو، الذي خاض الانتخابات المحلية كمرشح حزب الشعب الجمهوري، وفاز برئاسة بلدية إسطنبول الكبرى، انتقد كثافة السياح العرب واللاجئين السوريين في بعض المدن والأحياء التركية. وقال، الأربعاء، في برنامج تلفزيوني، إنني “أدخل بعض الأحياء في إسطنبول، ولا أستطيع قراءة لوحات المحلات التجارية”، مضيفا أن “هناك بعض المدن والأحياء أصبح فيها عدد الأجانب أكثر من عدد الأتراك، وهذا شيء لا تقبله أي دولة في العالم”.
الرئيس الجديد لبلدية إسطنبول الكبرى، لم يقف عند انتقاد لوحات المحلات التجارية، بل ذهب إلى أبعد من ذلك، ليستهدف السياح العرب، وأظهر انزعاجه منهم، قائلا: السياح العرب يأتون بكثافة إلى منطقة تقسيم، وافتتحت هناك محلات كثيرة للعرب مثل الأرجيلة وغيرها.. ثقافة إسطنبول تختفي، وعلينا أن نحمي هوية إسطنبول”.
العنصرية البغيضة التي تفوح رائحتها من هذه التصريحات تعكس حقيقة الوجه المخفي وراء القناع. وهي أيضا جزء من الفاتورة التي يجب أن يدفعها إمام أوغلو إلى الناخبين العنصريين مقابل تصويتهم له في الانتخابات المحلية بمحافظة إسطنبول، سواء في 31 مارس / آذار أو في جولة الإعادة في 23 يونيو / حزيران.
إمام أوغلو لم يفز برئاسة بلدية إسطنبول الكبرى بأصوات المؤيدين لحزب الشعب الجمهوري فحسب، بل صوَّت له المؤيدون للحزب الصالح، وحزب الشعوب الديمقراطي، وحزب السعادة. وبالتالي، يجب أن يرد الجميل لكل هؤلاء، ما يعني أنه ليست هناك فاتورة واحدة فقط، بل فواتير كثيرة تنتظر الدفع الآن بعد الانتخابات.
هناك شريحة من المواطنين يرفضون وجود اللاجئين السوريين في تركيا لأسباب طائفية وعنصرية، ويتهمون الحكومة التركية بأنها تهتم بمعاناة اللاجئين أكثر من اهتمامها بمشاكل المواطنين. وهؤلاء صوَّتوا في الانتخابات المحلية لصالح مرشح حزب الشعب الجمهوري. بل ويمكن القول إنهم لعبوا دورا محوريا في فوز إمام أوغلو. ولذلك، على الرئيس الجديد لبلدية إسطنبول الكبرى أن يرد الجميل إلى هؤلاء بشكل أو آخر.
العنصريون يشكلون في كل بلد نسبة من المواطنين. وقد ترتفع هذه النسبة أو تتراجع وفقا لظروف البلاد، كما أن بعض وسائل الإعلام والسياسيين يلعبون على هذا الوتر، ويسعون إلى تغذية العنصرية وإثارتها من أجل أهداف سياسية. وتكمن خطورة هذه الظاهرة في أنها قد تغير المعادلة في الأنظمة الديمقراطية من خلال الدخول في تحالفات، ويمكن – للأسف – أن ترجح كفة أحد المرشحين، مهما كانت نسبتها قليلة، في المناطق التي تشهد منافسة شرسة في الانتخابات بين المرشحين الذين يحصلون على نسب متقاربة من أصوات الناخبين.
موقف إمام أوغلو من اللاجئين والسياح العرب وثقافتهم، يتوافق تماما مع موقف حزب الشعب الجمهوري. وكان أول ما قام به رؤساء بلديات منتمون إلى حزب الشعب الجمهوري بعد فوزهم في الانتخابات المحلية هو قطع المساعدات عن اللاجئين السوريين والتضييق عليهم بشتى السبل. كما أن ذاك الموقف الكاره للعرب امتداد لسياسات حزب الشعب الجمهوري الذي سبق أن منع رفع الأذان باللغة العربية لسنين، وحارب ثقافة المجتمع التركي المسلم، وحاول إبعاده عن العالم العربي.
إمام أوغلو كانت أمامه فرصة كبيرة لإثبات عدم عنصريته واستعداده لاحتضان الجميع، كما يدَّعي، وذلك من خلال إعلان تضامنه التام وبشكل صريح مع اللاجئين السوريين الذين تعرضوا قبل أيام لهجمات ومضايقات في بعض المناطق بإسطنبول، بسبب إشاعات ملفقة، وحملات تحريضية تهدف إلى تشويه صورة اللاجئين السوريين عبر مواقع التواصل الاجتماعي. إلا أنه لم يفعل، لأنه مدين لهؤلاء العنصريين الذين يكرهون اللاجئين السوريين، ويقفون وراء تلك الإشاعات والحملات، كما أنه يحتاج إلى أصواتهم في الانتخابات القادمة.
عادت اسطنبول في احضان الفاتيكان