في مُؤَلَّف له يتناول فيه ذكرياته حول إسطنبول، يكشف ما ذكره الكاتب النرويجي، كنوت هامسون، قبل 130 عاما، جذور الموقف والتصوّر غير الحيادي الذي يتبنّاه الإعلام الغربي اليوم تجاه تركيا.
قبل الغوص في بعض تفاصيل ما يذكره هامسون، الحائز على جائزة “نوبل” في الأدب عام 1920، من الأفضل إلقاء نظرة على المشهد العام لنظرة الإعلام الغربي تجاه تركيا.
شهدت السنوات الأخيرة تزايدا واضحا في الأخبار ومقالات الرأي المعادية لتركيا في الإعلام الغربي.
عند التمعّن في هذا النوع من المحتوى، نجد أن أبرز ما يتسم به هو نقص المعلومات، والحكم المسبق.
وعند اجتماع هاتين السمتين يتحول المحتوى الإعلامي إلى حملة تشويه بكل بما تعنيه الكلمة.
أغلب هذا المحتوى الإعلامي يتسم بانحياز وحكم مسبق وقائم على الإقصاء وتوجيه التهم.
وحظي ذلك النوع من المحتوى بانتشار واسع في الإعلام الغربي، وعلى المستوى العالمي أيضا، عبر استغلال عالمية اللغة الإنجليزية.
وتكثف الأطراف المعادية لتركيا ذلك المحتوى لتشكيل سند لسياساتها عبر الصحف والقنوات التلفزيونية ووكالات الأنباء والمواقع الإخبارية، وغيرها من وسائل التواصل الحديثة.
الإعلام عامة، والمحتوى الإخباري بشكل خاص، لا يكون مستقلا قط عن السياسات الخارجية للبلدان وعن طموحاتها التوسعية ومصالحها الأيديولوجية.
وفي هذه الحالة، تنقطع الصلة تمامًا بين النصوص الإخبارية الأيديولوجية وبين المبادئ الأخلاقية المتعارف عليها في عالم الصحافة.
يقول هامسون، في نصوصه التي ألفها قبل 130 عاما، إن “معرفة الحقيقة أمر صعب. والسبب ربما هو غلبة الصوت والرأي الواحد على الصحافة الأوروبية، التي يُفترض أن تنقل لنا الحقيقة”.
عبارات الكاتب النرويجي تظهر لنا الجذور القديمة للدعاية السوداء والتحريض التي ينتهجه الإعلام الغربي ضد الأتراك ودولتهم.
والمؤلم في الأمر هو أن تلك العبارات المهمة لا تزال تحافظ على واقعيتها وحيويتها، حتى بعد مرور 130 عاما، ورغم التطور التكنولوجي فيما يخص الوصول إلى المعلومة الصحيحة.
كان الكاتب النرويجي يعبر عن اندهاشه عند اكتشافه التناقض الكبير بين ما كان يقرأه في الصحافة الأوروبية حول الدولة العثمانية (1299- 1923) وسلطانها عبد الحميد الثاني (1876 – 1909)، وبين ما رآه بنفسه خلال زيارته لإسطنبول.
سنستشهد بعبارات تصور لنا تلك الدهشة، لنستدل بها على قِدم حملات تحريض الإعلام الأوروبي ضد تركيا في يومنا هذا، وكيف أنها لا تمتّ إلى الواقع والحقيقة بأية صلة.
في جزء معنون بـ”تحت الهلال”، يروي هامسون، أبرز كتّاب القرن العشرين، ذكرياته حول إسطنبول، التي زارها عام 1889، خلال عهد السلطان عبد الحميد الثاني.
يتطرق هامسون في مذكراته إلى نمط العيش في إسطنبول وبنيتها الاجتماعية وشكل الحكم فيها من وجهة نظره.
ونلاحظ بين سطوره عبارات شُجاعة تظهر تغيير هامسون آراءه السابقة التي كان يغلب عليها الاستشراق.
أولى لحظات الاندهاش التي عاشها هامسون كانت وهو على متن السفينة، التي جاء بها إلى إسطنبول، عند اقترابه من البر؛ حيث يروي كيف شاهد مدينة خيالية مزينة بمختلف أنواع الزهور، وليست مدينة مهملة ومخيفة وعلى عتبة الإفلاس نتيجة لإدارة السلاطين الفاشلين، كما كانت تصورها الصحف الأوروبية.
ثاني محطات اندهاش هامسون، كانت حول السلطان عبد الحميد الثاني؛ حيث اكتشف أنه سلطان مجدّ ومهتم بشؤون رعيته، وساعٍ إلى النهوض باقتصاد بلده، ومشجعٍ للنهضة التعليمية والتجارية فيه؛ أي على عكس ما كانت تصوّره الصحف الأوروبية طيلة سنوات.
تلك العبارات وأمثالها الكثير من مذكرات هامسون ليست سوى غيض من فيض نستشهد به على حقيقة التصوّرات التي يتبناها الإعلام الأوروبي والغربي عامة حول تركيا.
كانت تركيا ولا زالت موضع اهتمام العالم الغربي، وحظيت بمكانة مهمة وحساسة لديهم؛ فهي دولة كبيرة تمتد جذورها إلى الحقب السلجوقية والعثمانية، وحافظت على مكانتها وأهميتها هذه في جميع المراحل، سواءً خلال فترات بلوغ أوج القوة أو فترات الضعف.
إلا أن النقطة الوحيدة التي لم تتغيّر هي مقاربة الإعلام الغربي تجاه تركيا، لا سيما وأن الإعلام يملك قوة كبيرة لتشكيل الرأي العام.
ورغم التطور والتقدّم الذي شهده قطاعي الإعلام والصحافة خلال القرون الأخيرة، وبالأخص من حيث تنوّع وسائل التواصل ونقل المحتويات الإخبارية، إلا أنه لم يسهم في تغيير وجهات النظر الخاطئة والمتحيّزة، بل عمل على تعزيزها.
أحدث الأمثلة على هذا هو ما ينشره الإعلام الغربي هذه الأيام من أخبار معادية لتركيا فيما يخص اللاجئين، مع أنها تستضيف قرابة 4 ملايين لاجئ سوري، واتبعت فيما مضى سياسة “الباب المفتوح” أمام جموع اللاجئين الذين أنقذتهم من المجازر.
وتتجاهل وسائل الإعلام نفسها مواقف البلدان الأوروبية المتخاذلة تجاه اللاجئين وإيجاد حل للأزمة السورية.
مذكرات هامسون عن إسطنبول والسلطان عبد الحميد الثاني لا تزال تحافظ على واقعيتها، رغم مرور 130 عامًا عليها.
وهو ما يظهر بشكل واضح أن التصوّرات الأوروبية تجاه تركيا، لا زالت نفسها. أي أنه لم يتغير شيء في أوروبا منذ 1889.
.
بواسطة/ يوسف أوزقير