تطرح العملية العسكرية التركية شمال سوريا ضد الوحدات الكردية، والتي أطلق عليها “نبع السلام”، تساؤلات بشأن الوضع القانوني الذي تستند عليه تركيا في تدخلها.
ومنذ انطلاق العملية ظهر أمس، بدأت العديد من وسائل الإعلام العربية والدولية، بترويج فكرة “الاحتلال والغزو” التركي للأراضي السورية، في حين تصر تركيا على أن العملية قانونية، وليس الهدف منها التوسع، بل التخلص من تهديد للأمن القومي.
وتعيد العملية إلى الأذهان الاتفاقية الموقعة بين الحكومة التركية والنظام السوري، إبان حكم حافظ الأسد وهي ما تعرف بـ”اتفاقية أضنه”، والتي تنص أبرز بنودها، على عدم السماح باستخدام الأراضي السورية منطلق،ا لشن هجمات ضد تركيا وتحديدا من طرف حزب العمال الكردستاني.
ووفقا لاتفاق أضنة الموقع عام 1998 تضمنت الشروط التركية على النظام السوري ما يلي:
أن لا تسمح لمخيمات تدريب الإرهابيين بالعمل على الأراضي الواقعة تحت سيطرتها ويشمل ذلك:
ـ أن لا تزود حزب العمال الكردستاني بالأسلحة والمواد اللوجستية.
ـ أن لا تزود أعضاء حزب العمال الكردستاني بوثائق هوية مزورة.
ـ أن لا تساعد الإرهابيين على الدخول القانوني والتسلل إلى تركيا.
ـ أن لا ترخص الأنشطة الترويجية للمنظمة الإرهابية.
ـ أن لا تسمح لأعضاء حزب العمال الكردستاني بإنشاء وتشغيل مقرات على أراضيها.
ـ أن لا تسهل عبور الإرهابيين من دول ثالثة (أوروبا، اليونان، قبرص الجنوبية، إيران، ليبيا، أرمينيا) إلى شمال العراق وتركيا.
3ـ التعاون في جميع الأنشطة الرامية إلى مكافحة الإرهاب.
4ـ الامتناع عن تحريض البلدان الأخرى الأعضاء في جامعة الدول العربية ضد تركيا.
5ـ في ضوء ما سبق، وما لم توقف سوريا هذه الأعمال فوراً، مع كل العواقب، تحتفظ تركيا بحقها في ممارسة حقها الطبيعي في الدفاع عن النفس، وتحت كل الظروف للمطالبة بتعويض عادل عن الخسائر في الأرواح والممتلكات.
وبالاستناد إلى البند الخامس، فإن تركيا تقول إن الأراضي السورية المجاورة لحدودها، تستخدم كنقطة تدريب وانطلاق لتنظيمات تصنفها أنقرة إرهابية، و”من حقها ممارسة الدفاع عن النفس في ظل تعرض أمنها القومي للتهديد،.
أستاذ العلاقات الدولية التركي، في جامعة “أكسراي” الدكتور ضياء عباس، قال: إن القانون الدولي “يسمح للدول بالدفاع عن نفسها، في ظل وجود تهديد مباشر لأراضيها من تنظيمات إرهابية”.
وأوضح عباس أن تنظيم “ي بي جي (وحدات حماية الشعب الكردي)، المتواجد في مناطق شرق الفرات حاليا هو امتداد لحزب العمال الكردستاني، الذي تورط في قتل 40 ألف تركي بعمليات إرهابية على مدار أكثر من 40 عاما”.
وأشار إلى أن “أحد المسوغات القانونية لتركيا في عمليتها العسكرية، اتفاقية أضنة عام 1998 بين أنقرة ودمشق والتي تمنع الأخيرة من استخدام أراضيها، منطلقا لهجمات إرهابية ضد تركيا، وبينما النظام السوري غير موجود في تلك المنطقة، فمن حقها إزالة المخاطر الموجودة استنادا للاتفاقية”.
وشدد أستاذ العلاقات الدولية، على أن العملية تهدف لأمرين رئيسيين: “الأول حماية الحدود من وإبعاد جماعات إرهابية لمنع استهداف المدنيين في العمق التركي، فضلا عن محاولات الاستقطاب التي يقوم بها حزب العمال للأتراك من القومية الكردية، للانخراط في العمل المسلح ضد أنقرة”.
والأمر الثاني “إعادة اللاجئين السوريين الذين يبلغ تعدادهم قرابة 5 ملايين، حيث نسبة كبيرة منهم غير مسجلين رسميا إلى بلادهم وأراضيهم، بعد تطهير المنطقة وهو ما يمنح المنطقة المشتعلة بالحروب استقرارا، ويعيد حقوقهم التي سلبتها الوحدات المرتبطة بحزب العمال، بما ينعكس إيجابا على الوضع في سوريا”.
واستهجن عباس انشغال وسائل إعلام عربية وعالمية، بـ”شن حملة تضليل معاكسة للواقع، والحديث عن أن العملية تجري في مناطق تقطنها غالبية كردية”، مضيفا: “هذه المناطق تقطنها بالأصل غالبية عربية وتركمانية، وبعض السريان، والأكراد نسبتهم فيها قليلة، فضلا عن أن أغلب الأكراد ليسوا مؤيدي لحزب العمال الكردستاني ووحدات الحماية، وبالتالي إنهاء سيطرة هذه الجماعات سيعيد الأمور لنصابها”.
من جانبه قال المحلل السياسي الدكتور ياسر النجار: إن عضوية تركيا في الأمم المتحدة، يخولها وفق المادة 52 من الميثاق الأممي الحفاظ على الأمن القومي، وتنفيذ عمليات استباقية وقائية على حدودها.
وأضاف النجار أن تركيا أيضا عضو في حلف شمال الأطلسي “الناتو”، والمادة الخامسة من ميثاقه تنص على أنه في حال تعرض أي دولة في الحلف للخطر، فيجب دعمها عسكريا من أجل حمايتها، ومن هذا المنطلق، القوانين الدولية تسند تركيا في العملية الجارية.
ولفت إلى أن “تنظيم حزب العمال الكردستاني، معلوم لدى الجميع اختراقاته للعمق التركي، والعديد من الدول تصنفه على أنه تنظيم إرهابي، وتركيا ترى أنه استغل الظروف الأمنية في شمال سوريا، بفعل غياب النظام ما يشكل خطورة على الأمن القومي والعمق، لذلك كان لابد من عمل استباقي قبل تفاقم الأمور”.
وتابع: “الوحدات الكردية جاءت بديلا لتنظيم داعش، وأنقرة تقول أنه لا يمكن القبول باستبدال تنظيم إرهابي بآخر، وهذا أيضا يسندها قانونيا لأن هذه التنظميات المرتبطة بحزب العمال، قامت بتهجير السكان الأصليين للمنطقة، وإحداث تغييرات ديمغرافية على أسس قومية”.
ورأى أن المصالح تتقاطع بين تركيا والثورة السورية في تلك المنطقة، بحيث تؤمن تركيا حدودها وأمنها القومي وبالمقابل يعود السوريون المهجرون إلى مناطقهم التي طردوا منها، بفعل الوحدات الكردية.
وبشأن اتهام تركيا بـ”غزو المنطقة” قال النجار: “الواقع في سوريا مختل منذ 9 سنوات وفيه تجاوزات على مستوى القانون الدولي، فالتحالف ضد تنظيم الدولة لم يحصل على مظلة أممية أو قانونية لدخول سوريا، بالمقابل تركيا تمتلك حدود تقدر بـ910 كيلومترات، وهناك اتفاقية سابقة مع النظام السوري لحماية المنطقة، وعدم السماح للمنظمات الإرهابية بالعمل فيها، وطالما النظام غير موجود فمن حق أنقرة تأمينها”.
وأضاف: “ووفق هذه المعطيات، يعتبر التدخل التركي الأكثر قانونية ضمن الدول الكبيرة اللاعبة في سوريا، وسبق أن قامت بعمليات عسكرية سابقة شمال سورية، تمكنت خلالها من إعادة السكان الأصليين والمهجرين، دون القيام بعمليات تتريك وتغيير ديمغرافي”.
.
المصدر/ arabi21