في الوقت الذي اشتغلت فيه المعارضة على ضبط النفس والتوجه في كلمة رئيس اللجنة المشارك هادي البحرة إلى كل السوريين، والتعاطي مع أعمال اللجنة الدستورية كبوابة لخوض غمار الحل السياسي الذي لا مفر منه لإنهاء حالة الصراع الدامي في سوريا واستعادة سوريا حرة لسوريين أحرار ومتساويين في حقوقهم المواطنية، بدا النظام مصرا من خلال كلمة رئيس اللجنة المشارك أحمد الكزبري على فصل السوريين بين حاضنة للنظام ومطالبين بالحرية التي استخدم النظام جيشه (الذي حياه في أكثر من موضع في كلمته) بكامل أسلحته للحيلولة دون تحقيق مطالبهم في الكرامة والحرية والحياة.
حول ما حدث خلال الجلسة الافتتاحية وآليات العمل في الاجتماعات وأفق الحل في سوريا التقت بروكار برس الفنان المعروف جمال سليمان عضو اللجنة الدستورية عن وفد المعارضة وكان معه الحوار الآتي:
كيف تقيّم كلمتي وفد النظام ووفد المعارضة السورية في الجلسة الافتتاحية؟
في الحقيقة، أتحفّظ، على نقطتين أساسيتين في كلمة رئيس وفد النظام أحمد الكزبري، أمام أعضاء اللجنة الدستورية اليوم الأربعاء في جنيف بسويسرا.
“كنت أتمنى في هذه المرحلة أن يتحدث رئيس وفد النظام إلى كل السوريين وعن كل السوريين، ولكنه تحدث عن جزء من السوريين ولجزء من السوريين، وهنا أقصد للسوريين في الداخل، على الرغم من أنهم أصحاب مصلحة في دستور عادل وجديد ومنصف في البلاد”.
لأن “الحديث يجب أن يكون لكل السوريين، لأن نصف السوريين في المخيمات ودول اللجوء، وهو لم يعترف سوى بالسوريين في الداخل”.
واستغرب حديث “الكزبري” عن أن اللجنة مدعومة من “الحكومة السورية”، لأن “هذه لجنة تمثل الحكومة السورية، وليست مدعومة منها، وذلك وفق الاتفاقات الدولية، ووفق القواعد الإجرائية التي تم النقاش حولها”.
وفي المقابل، حديث “الكزبري” حول الانفتاح على الإصلاح الدستوري، كان مقبولاً.. “هذا شيء جيد يعطي مساحة أوسع لأعضاء اللجنة الدستورية الـ 150 ليعملوا وفق الأنسب لمستقبل سوريا”.
أما كلمة رئيس وفد المعارضة السورية هادي البحرة “كانت كلمة موفقة، ولكل السوريين، من دون استثناء”، مؤّكداً أن “البحرة” توجّه لكل السوريين في الداخل والخارج، وللمعارض والموالي ومن يقف على الحياد.
وأضاف: كلمة البحرة في افتتاح أعمال اللجنة الدستورية ركزت على المستقبل في سوريا وهذا شيء مهم، واستطاعت أن ترسم ملامح هذا المستقبل المأمول، بما يضمن الحريات بمختلف أشكالها، والتداول السلمي للسلطة، ودولة المؤسسات
وأردف بالقول: الكلمة “كان فيها شمولية ومستقبلية، وعبّرت عن رؤيتنا كمعارضة تسعى للحل السياسي، والدستور السوري المأمول”.
ما هي الآليات والضمانات التي تكفل تنفيذ ما ستتوصل إليه اللجنة الدستورية؟
الآليات منصوص عليها في القواعد الإجرائية، ونحن بصدد تنفيذ القرار 2254، والدخول إلى الانتقال السياسي أولاً عبر الإصلاح الدستوري، سواء بتعديل دستور أم كتابة دستور جديد وفي الوقت نفسه الالتزام بالمبادئ الـ 12 التي تم الاتفاق عليها مع الأمم المتحدة، والتي تكفل الالتزام الكامل بسيادة سوريا واستقلالها وسلامتها الإقليمية ووحدتها أرضا وشعباً، والالتزام الكامل بالسيادة الوطنية لسوريا على قدم المساواة مع غيرها وبما لها من حقوق في عدم التدخل في شؤونها.
وأن يقرر الشعب السوري وحده مستقبل بلده بالوسائل الديمقراطية وعن طريق صناديق الاقتراع، ويكون له الحق الحصري في اختيار نظامه السياسي والاقتصادي والاجتماعي من دون أي ضغط أو تدخل خارجي ووفقاً لواجبات سوريا وحقوقها الدولية. وأن تكون سوريا دولة ديمقراطية، غير طائفية تقوم على التعددية السياسية والمواطنة المتساوية بغض النظر عن الدين والجنس والعرق، مع الاحترام الكامل وحماية سيادة القانون والفصل بين السلطات واستقلال القضاء والمساواة الكاملة بين جميع المواطنين والتنوع الثقافي للمجتمع السوري، وصيانة الحريات العامة بما في ذلك حرية المعتقدات.
أيضاً إيجاد آليات فعالة لضمان تلك الحقوق تأخذ بعين الاعتبار الحقوق السياسية والحق في المساواة والفرص للمرأة بما في ذلك اتخاذ تدابير فعالة لضمان مشاركتها في المؤسسات ودوائر صنع القرار، مع اعتماد آليات تهدف لضمان مستوى تمثيل للمرأة محدد في البنود الـ 12.
والضمانات، هي المرجعيات الدولية، وفق القرار الصادر، والمجتمع الدولي ملتزم بإيجاد الطرق الكفيلة بتنفيذ هذا القرار، وأهم من ذلك هو الضمانات التي نمنحها لبعضنا كسوريين.
هل يوجد لديك ما يدعو إلى التفاؤل بخصوص نجاح هذه التجربة، في ضوء إخفاق مفاوضات جنيف ومفاوضات آستانة؟ أو ما هي الأوراق التي يمكن الضغط بها لفرض مخرجات أو مقررات اللجنة الدستورية على النظام؟
لن أبيع الوهم للناس، كما يفعل النظام وبعض الأطراف في المعارضة، “نحاول أن نصنع الأمل، نتمنى للجنة الدستورية أن تكون بوابة لمشروع سياسي كامل ومتكامل”.
نحن تحت ضغوط هائلة جدّاً، أولاً نحن نواجه النظام وأطرافا في المعارضة، لكن بوصلتنا هي الناس والمصلحة الوطنية العليا، بقدر ما نستطيع أن نخدم القضية سنكون مرنين وتفكر خارج الصندوق ونبحث عن مخارج، وما نقوم به واجب سياسي ووطني.
مع الأسف الشديد، القضية السورية ليست ملك السوريين فقط، هي قضية تحت سلطة قوى إقليمية ودولية وجزء من نضال المعارضة كيف تدافع عن استقلالية القرار السوري، وتفك الارتباط بين المصالح السياسية وصراع الأجندات الإقليمية والدولية، وهي مسألة صعبة وتحدٍّ كبير.
ما هي برأيك النقاط الأساسية التي يفترض منكم كوفد للمعارضة التمسك بها لصوغ الدستور الجديد لسوريا المستقبل؟
أن يكون دستورا ديمقراطيا لا يسمح بولادة دكتاتور جديد لسوريا. لأن سوريا في وضع خاص وحرج، احتياجات الناس في سوريا كبيرة ومن هنا أنا أؤيد الدستور الرئاسي لأن البرلماني مقيد ويحتاج إلى جلسات لإقرار الكثير من الأمور وهذا لا ينفع مع الحالة السورية.
هل ترى في النظام البرلماني، مثلا، صيغة مناسبة للتخلص من النظام الرئاسي الذي يمكن أن يعيد إنتاج نظام الاستبداد؟ بالمثل هل ترى في سوريا كدولة فدرالية، على أساس جغرافي، لا إثني ولا طائفي، صيغة للتخلص من الحكم المركزي الاستبدادي الذي يقوي المركز السلطوي ويهمش الأطراف؟
يجب ألا نشتغل على دستور من رحم الواقع ولا الماضي، وإنما للمستقبل. لأن النظام البرلماني بازار داخل السلطة التشريعية. ويتسبب بشلل الحياة في الدولة.
أنا أرى أن الفيدرالية لا يمكن أن تطبق في سوريا، وموقفي من ذلك واضح، ولن تنفع وتقود للانفصال، وفي الوقت نفسه يجب أن ننتبه أيضاً إلى أن الدولة المركزية لن تنفع أيضاً في سوريا، نحن بحاجة إلى قدر كافٍ وفعال من اللامركزية.
ما هي القيم التي ترى أن وفد المعارضة يجب أن يركز عليها في صياغة الدستور الجديد للخلاص من النظام الاستبدادي والتحول إلى دولة مواطنين أحرارا ومتساوين وإلى دولة ديمقراطية؟
في البداية، يلزم استقلال مؤسسات (تشريعية وبرلمانية) لا يجوز أن يمتلك الرئيس سلطة إصدار القرارات، يجب أن نجد الطرق التي تفصل بين المؤسسات، يجب البحث عن تداول رسمي للسلطة، يجب أن يعرف الرئيس أنه تحت المراقبة، ويعرف أنه لا يستطيع أن يسوق البلاد في هاتف أو إشارة أو كلمة، يجب أن يعرف أنه في حالة تشاور وشراكة مع الجميع.
يجب أن يكون لدينا أنظمة رقابية مستقلة، تمارس دورها بموضوعية، ويجب أن يكون لدينا أحزاب حرة، وفق قواعد دستورية واضحة، وتقوم هذه الأحزاب بواجباتها ولها حقوقها ضمن الدستور.
سوريا بحاجة إلى حرية إعلام، ولكنه مسؤول وغير منفلت ولا يدخل في البازار السياسي. يجب أن يكون لدينا إعلام مستقل ويخضع للدستور والمحاسبة.
هل سترشح نفسك للرئاسة؟
لو استطعنا صوغ دستور جيد وقانون انتخابات جيد وفرصة لانتخابات حرة ونزيهة في وسوريا وخارج سوريا وفي المخيمات، وتحت رعاية الأمم المتحدة والرقابة الدولية، في ذلك الوقت أنا مواطن سوري ومن حقي أن أترشّح. الرئاسة مهنة خدمة عامة. وليست حكراً على شخص.
.
المصدر: بروكار برس