الإعلام الفرنسي ينشر العداء لتركيا

دأبت وسائل الإعلام الفرنسية الرئيسية على نشر روح العداء ضد تركيا، بذريعة مناهضة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، معتمدة على أخبار كاذبة وفرض رقابة على الآراء المغايرة، بالتوافق مع السياسات الرسمية للدولة الفرنسية.

ثمة نهج يتماشى مع الخطط المعادية لتركيا، التي رسمتها الولايات المتحدة الأمريكية.

هذا النهج تتبناه وسائل الإعلام الرئيسية في الدول الاستعمارية سابقًا، مثل فرنسا والمملكة المتحدة، إضافة إلى ألمانيا، التي شهدت وقع الهزيمة في الحربين العالميتين الأولى (1914: 1918) والثانية (1939: 1945).

كما أشرت في مقال سابق بعنوان “السياسة الأوروبية المفلسة نحو تركيا في سوريا”، فقد اعتمدت وسائل الإعلام الرئيسية في تلك الدول نهجًا يستند إلى نشر أخبار كاذبة وملفقة وانتقادات تفتقر للموضوعية، إضافة إلى فرض رقابة على الآراء والأخبار التي تعمل على إيصال الحقيقة.

تعتمد وسائل الإعلام الرئيسية على ركيزتين أساسيتين في ترويج النهج الذي صاغته واشنطن، بمباركة من باريس ولندن وبرلين، ومساعيها الرامية إلى بث أخبار معادية لتركيا، بذريعة مناهضة (الرئيس التركي رجب طيب) أردوغان.

تقوم الركيزة الأولى على إظهار التعاطف مع تنظيم “ي ب ك/ بي كا كا” الإرهابي، فيما تقوم الثانية على دعم تنظيم “غولن” الإرهابي المسؤول عن تنفيذ محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا، عام 2016.

–  “العثمانية الجديدة” و”داعش”

لسنوات، عملت وسائل الإعلام الفرنسية الرئيسية على تأسيس أرضية تدفع نحو معاداة تركيا.

من هذه الوسائل: التلفزيون الفرنسي، التلفزيون الحكومي (France 2)، القناة التلفزيونية الحكومية المشتركة في كندا وسويسرا وبلجيكا ( TV5) ووكالة الصحافة الفرنسية (AFP).

وعمدت وسائل الإعلام تلك، حتى 7 يونيو/ حزيران 2015 (تاريخ الانتخابات العامة التركية)، على الترويج لمواضيع مثل: “تحول أردوغان نحو الاستبداد”، “ابتعاد تركيا في عهد أردوغان عن النهج العلماني” و”ابتعاد تركيا عن محورها الغربي”.

وعمدت إلى بث أخبار تبدو في ظاهرها أنها تحمل اتهامات لأردوغان وحكومة حزب “العدالة والتنمية”، بينما هي في جوهرها تتهم تركيا بـ”النزعة إلى الإسلام والقومية التركية”، و”محاولة الترويج للعثمانية الجديدة”.

كما سعت إلى إظهار تنظيم “بي كا كا” الإرهابي، وذراعه السورية “ي ب ك”، على أنهما يمثلان الأكراد.

وعملت في البداية على اتهام تركيا بدعم تنظيم “داعش” الإرهابي، للحصول على شرعية عبر تلك المزاعم، مروجة لفكرة مفادها أن أردوغان “إسلامي سُني وعثماني جديد يهدف إلى السيطرة على الشرق الأوسط من خلال مساعدة داعش”.

وأظهرت دعمًا غير محدود لميليشيات “ي ب ك” الإرهابية، زاعمةً أنها “رأس حربة في الحرب على داعش”، ضمن التحالف الدولي، بقيادة الولايات المتحدة.

وسعت وسائل الإعلام الفرنسية إلى إظهار هذا التنظيم الإرهابي على أنه منظمة حليفة لفرنسا، وبثت مقابلات للرئيس الفرنسي السابق، فرانسوا أولاند (2012: 2017)، والرئيس الحالي، إيمانويل ماكرون، في هذا الاتجاه.

تصريحات أولاند وماكرون تجاه دعم تنظيم “ي ب ك/ بي كا كا” الإرهابي والتقليل من أهمية حلف شمال الأطلسي (الناتو)، عبر وصفه بالتحالف “الميت”، لا تتناقض مع رؤية الرأي العام الفرنسي، الذي تم تجهيزه من طرف وسائل الإعلام.

لسنوات، عمدت وسائل الإعلام الفرنسية إلى بث أخبار كاذبة وأفلام وثائقية تروج لتنظيم “ي ب ك”، وجناحه النسائي “ي ب ج”.

وفي هذا الإطار، عمد أصحاب القرار في الدول الغربية على تغيير اسم “ي ب ك”، والترويج لاسمه الجديد “قسد” (قوات سوريا الديمقراطية)؛ لصرف الأنظار عن العلاقة العضوية بين “بي كا كا” و” ي ب ك”.

ولم تكتف وسائل الإعلام بإخفاء الحقيقة عن الرأي العام، ومحاولة الترويج لتنظيم مسلح إرهابي مسؤول عن كم هائل من الانتهاكات في سوريا، بل عملت أيضًا على إظهار العمليات التركية ضد ذلك التنظيم على أنها “معركة تركية ضد الأكراد الساعين للمطالبة بـ”حقوقهم السيادية”.

وتعد تغطية “لوموند”، الصحفية الأكثر مبيعًا، مثالًا مهمًا، إذ عمدت الصحيفة، التي تستفيد من الدعم الحكومي، إلى الترويج لإرهابيي “بي كا كا” باعتبارهم “مقاتلين أكراد أبطال”، متناسية مسؤولية التنظيم عن تقويض دعائم “عملية الحل”، عبر استئناف العمليات المسلحة الإرهابية ضد المدنيين في تركيا، وتحويل مدن جنوب شرقي البلاد إلى ساحات حرب.

وأظهرت مقالات مغرضة لصحفيين يكتبون في “لوموند” بأسماء مستعارة (أبرزهم ألين كافالا) حجم الترويج الكبير الذي تنفذه وسائل الإعلام الفرنسية لصالح مسلحي “بي كا كا” الإرهابي.

ومن أبرز تلك المقالات: “أكراد جيزرة يصيحون للانتقام من السلطات التركية” (Les Kurdes de Cizre crient vengeance contre les autorités de Turquie) 31 يوليو/ تموز (2015)، و”الأكراد في نصيبين يواجهون الأتراك” (A Nusaybin, les Kurdes face aux Turcs) في 22 فبراير/ شباط (2016).

وزعمت الصحيفة أن الجيش التركي هجر أكثر من 300 ألف لاجئ كردي، ونشرت أخبارًا مضللة و كاذبة بشأن عملية “نبع السلام” (العسكرية التركية ضد الإرهابيين في شمال غربي سوريا).

– دفاع عن انقلابيين

تماشيًا مع نظيرتها الأمريكية، عملت وسائل الإعلام الفرنسية على بث روح العداء ضد تركيا، عبر استهداف الرئيس أردوغان وحزب “العدالة والتنمية”، واتهامهما “بممارسة الاستبداد والديكتاتورية”.

ودعت إلى إحداث تغيير في تركيا يتماشى مع المصالح المشتركة للغرب.

وتعاملت مع الانتخابات التركية بمكياليين مختلفين، فحين تقدمت المعارضة في الانتخابات (انتخابات 7 يونيو/ حزيران 2015) اعتبرت ذلك “انتصارًا للديمقراطية”، أما حين تقدم “العدالة والتنمية” (انتخابات 1 نوفمبر/ تشرين ثانٍ 2015) اعتبرت ذلك “دكتاتورية بعباءة ديمقراطية”.

لم توفر وسائل الإعلام الفرنسية أية فرصة لكيل الاتهامات ضد الرئيس أردوغان، منها بأنه “مسلم سُني” يميل إلى “القومية التركية” و”ذو نزعة إسلامية”، فضلًا عن اتهامات مشابهة ضد “العدالة والتنمية”.

كما أن معارضة أردوغان إزدادت في وسائل الإعلام الفرنسية، لاسيما بعد الفشل الذريع للمحاولة الانقلابية (15 يوليو/ تموز 2016).

وحظي المدافعون عن تنظيم “غولن” الإرهابي بالنصيب الأكبر في التعليق على الأحداث في وسائل الإعلام الرئيسية، فضلًا عن إفراد حيزًا كبيرًا لانتقاد الإجراءات التي اتخذتها الدولة التركية بعد المحاولة الانقلابية، ومنها إعلان حالة الطوارئ ومحاكمة الانقلابيين، رغم أن فرنسا نفسها كانت تشهد في الفترة نفسها حالة طوارئ بسبب هجمات في باريس.

– رقابة على الرأي الآخر

في غمرة التغطية الإعلامية الفرنسية التي تهاجم الرئيس أردوغان وحزب “العدالة والتنمية”، يلفت انتباه المتابع عدم وجود تعليقات لشخصيات تمثل آراءً معارضة، حيث بات قارئ “لوموند” مثلًا يشعر أنه أمام صحيفة ناطقة باسم تنظيم “بي كا كا” الإرهابي.

بينما لا يجد القارىء أي خبر عن أي من التطورات الإيجابية في تركيا، مثل اعتقال قيادات في “داعش” ومقربين من أبوبكر البغدادي، زعيم التنظيم الذي قُتل مؤخرًا، ولا المساعدة التركية للاجئين.

وعمدت “لوموند” على فرض رقابة على الآراء التي تتعارض مع محتوى الأخبار المنشورة في زاوية التعليقات، وفتحت تلك الزواية للمشتركين فقط.

ولا تسمح الصحيفة مثلًا بنشر أخبار أو مقالات تلفت عناية القراء إلى أن مدينة تل أبيض (السورية) ذات غالبية عربية، وأن عملية “نبع السلام” التركية لم تحول آلاف الأكراد إلى لاجئين؛ لأن نطاقها كان في مناطق ذات غالبية عربية، وأن “ي ب ك” هو تنظيم إرهابي لا يمثل الأكراد.

استنادًا إلى كل ذلك، يمكننا القول إن وسائل الإعلام الفرنسية تعمل على نشر روح العداء لتركيا، وفق محددات السياسات الرسمية للدولة الفرنسية، معتمدة على نشر أخبار كاذبة، وفرض رقابة على الأفكار والآراء المغايرة، وفق “نهج مكيافيلي” لا يتوافق مع المبادئ العالمية، وخاصة أخلاقيات الصحافة والحرية.

.

المصدر/ A.A

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.