الاقتصاد التركي ينتصر!

شكل إعلان وزير الخزانة والمالية التركي براءت البيرق، مؤخرا، عن قدرة تركيا على تجاوز الأزمة الاقتصادية وخفض معدل التضخم إلى أدنى مستوياته خلال الأعوام الثلاثة الماضية (8.5%)، تحديا لكل المراهنين على فشل الدولة التركية في تجاوز الأعاصير الاقتصادية التي اجتاحتها منذ عام 2016.

هذا الانجاز لم يأت معاكسا لرياح الضغط العالمية على تركيا فحسب، بل ومخالفا لمؤشرات المراكز المالية الدولية، بعدما نشر صندوق النقد الدولي توقعه مؤخرا باستمرار متوسط التضخم في تركيا خلال العام الجاري على معدله 15.7%، على أن يتراجع فقط إلى 12.6% خلال العام المقبل 2020.

قيمة هذا الإعلان ترافقت كذلك مع الانجازات السياسية المتمثلة بنجاح العملية العسكرية شمالي سوريا “نبع السلام” والتي نفذها الجيش التركي والجيش الوطني السوري ضد تنظيم PKK/PYD الإرهابي، وصمود الليرة التركية النسبي أمام التهديدات الدولية، وعلى رأس تلك التهديدات تغريدات وتصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بضرب الاقتصاد التركي وفرض عقوبات مالية على المسؤولين الأتراك.

هذه التهديدات التي لم تتوقف منذ 3 أعوام، أخذ بعضها موقع التنفيذ تحت أشكال مختلفة، إعلامية وسياسية واقتصادية، فكيف حدث ذلك؟ ومتى بدأت تلك الحكاية؟

المحلل السياسي والاقتصادي التركي يوسف كاتب أوغلو، أشار في حديثه مع “وكالة أنباء تركيا” إلى أن “فشل الانقلاب العسكري (تموز/يوليو 2016)، وجه دفة الحرب إلى الوجهة الاقتصادية الأكثر خفية والأشد شراسة والأكثر تأثيرا”.

التأثير على عجلة “الاستثمار المباشر

ورأى كاتب اوغلو أن “الإنجازات الاقتصادية التركية التي شملت تسهيل الاستثمارات الخارجية قد أثارت حفيظة الدول الكبرى فانطلقت في خطتها الممنهجة لضرب الثقة بين السوق التركي والمستثمر الأجنبي، معتمدة على ركيزتين أساسيتين:

الأولى: قيام كبرى شركات التصنيف المالية العالمية، أمريكية المنشأ، بتخفيض التصنيف الائتماني لدولة تركيا دون تقديم مبررات اقتصادية حقيقية، ما أدى إلى رفع التحديات أمام الحصول على القروض للشركات والمشاريع التركية بفوائد بسيطة وشروط ميسرة من البنوك والجهات الدولية وضرب الاستقرار الاقتصادي وترهيب رجال الاعمال الأجانب من ضخ رأس المال في المشاريع التركية.

الثانية: فشملت حرباً إعلامية شعواء، شملت أخبارا غير دقيقة موجهةً ضد الاستقرار التركي، بمشاركة أنظمة ووسائل إعلام عربية”.

ليلة الهجوم الكبير

وأشار كاتب أوغلو إلى أن “ذروة الاستهداف الاقتصادي لتركيا كانت ليلة 13 من آب/أغسطس 2018، حيث تلقت البورصة التركية في فترة إغلاقها ليلاً أكبر حملة مضاربات دولية أدت إلى ضرب سعر الليرة التركية بشكل مفاجئ ليستيقظ الأتراك صباحا على سعر صرف وصل إلى 7.3 ليرة مقابل الدولار”.

 وأوضح المحلل الاقتصادي التركي أن “أهداف هذا لاستهداف تمثلت في:

  • تدمير ثقة المواطن التركي بعملته المحلية واستبدالها بالدولار، استثمارا وادخارا.
  • تدير ثقة المستثمرين بالاقتصاد التركي وخفض تدفق رأس المال الأجنبي لتركيا.
  • ضرب المشاريع الاقتصادية الضخمة في قطاع العقارات والصناعة”.

الغطاء السياسي

من جانبه، أكد الباحث الاقتصادي فراس شعبو، في حديثه لـ”وكالة أنباء تركيا” أن “المسبب الرئيس لمعظم الأزمات الاقتصادية التي مرت بها تركيا يعود في أصله إلى تخوف الأسواق المالية من انعكاس التجاذبات السياسية التي بدأت تتشكل في ذلك الوقت بين الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا”.

ولفت شعبو إلى أن “سياسة التبعية التي ينتهجها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع بعض دول العالم لم تنجح مع دولة تركيا”، مشيرا إلى أن “جملة الأحداث والتوترات السياسية بين الدولتين قد انتهت بقدرة تركيا على تثبيت التفاهمات التي تريديها “.

ولفت إلى أن “الاتفاقيات الأخيرة التي عقدتها تركيا مع أمريكا وروسيا بعد عملية (نبع السلام)، والتطمينات السياسية التي رافقتها من قادة هذه الدول قد ساهم في تخفيض حدة التوتر السياسي، الذي انعكس بدوره على الاقتصاد”.

 وهكذا أرخت هذه الأزمات بظلالها على الاقتصاد التركي حتى نهاية العام الماضي، لتشهد الأشهر الأولى من العام الجاري بداية مرحلة جديدة، سجلت تدريجيا نجاحات رائدة في عكس المؤشرات الاقتصادية نحو التحسن والتعافي، وصولا إلى الإعلان الأخير بخفض معدل التضخم إلى أدنى مستوياته.

.

المصدر/ وكالة TR

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.