صراخ الموتى في كشمير يُسمع من أنقرة!

هاتفني صديق لي من الجزائر، مفكر وسياسيّ ورجل أعمال في الوقت ذاته. كان في أنقرة، وهو في تركيا منذ وقت من أجل القيام بأعمال استثمار ضخمة. كان عليّ أن ألتقي به، وكنت في مؤتمر تحت عنوان “أزمة كشمير: عقبة التهديدات أمام السلام ودور المجتمع الدولي”، نظّمه معهد التفكير الاستراتيجي، ومركز راهور لأبحاث السلام.

ثم حصل والتقينا في المساء. كان الحماس والفرح يبدوان على عينيه، ولدى سؤالي عن سبب ذلك بعد السلام والتحية، فهمت منه أن ذلك يعود لخطاب سمعه للتو من الرئيس أردوغان في مجلس الشورى الـ٣ للزراعة والغابات. حينها تساءلت مع نفسي؛ ما الذي فاتني من هذا الخطاب يا ترى؟. ليسوق لي ذلك حينما تابع حديثه.

كان يتحدث عن مشكلة الزراعة في بلده، لو نظرت للأمر ستجد أنه مسألة محلية للغاية، لكن على الرغم من ذلك تراه يتحدث وقد تخطي الحدود المحلية عابرًا نحو أفق عالميّ، ويتحدث كزعيم عالمي حتى في هذه القضايا. إن قضايا مثل التغير المناخي، السمنة، الهجرة، تفاوت الأجور، الجفاف والاحترار العالمي؛ كل هذه المواضيع التي تعاني منها كل دول العالم بطريقة ما على اختلاف موقعها الجغرافي أو مستوى تطوّرها؛ ترى أنّ غالبية الدول المسلمة لا تلقي لها بالًا. أما الدول المتقدمة التي هي أصلًا مصدر هذه الأزمات، لا تجد سوى أردوغان زعيمًا يوجّه لها النقد، ويدعوها لاتخاذ موقف أكثر عدلًا. إنه يصرّح بانتقاده لتلك البلاد التي تحكم العالم، وفوق حكمها العالم تقوم بتقاسم موارده:

“يتم نهب الطبيعة وإساءة المعاملة لها أكثر من أي وقت مضى عبر التاريخ، بواسطة الشركات الغربية الكبرى بشكل خاص. تمامًا كما حصل من صراع على الثروات الباطنية في القرن الماضي، يتكرر الصراع ذاته اليوم؛ لكن على المساحات الزراعية ومصادر المياه. ولذا تبذل الدول المتقدمة جهودًا استثنائية من أجل ضمان مستقبلها على صعيد أمنها الغذائي. وهذا يمثل إحدى الأسباب التي تجعل البلدان الإفريقية وأمريكا اللاتينية الغنيتين بموارد المياه والأراضي الزراعية، تعانيان من انعدام الاستقرار”.

“إن ذلك الصوت طالما تعطش له العالم ولا سيما العالم الإسلامي” قال صديقي الجزائري.

فقلت له، دعني إذن أنا أيضًا أخبرك عن الاجتماع الذي حضرته.

كما تعلمون، لقد ألغت الهند في ٥ أغسطس/آب الماضي، المادة ٣٧٠ من القانون؛ والتي تمنح منطقة “جامو كشمير” امتيازات خاصة منذ أكثر من نصف قرن، وقامت مع ذلك بإلغاء سمة “الوضع الخاص” للمنطقة، وقسمتها إلى قسمين.

ومع بدء الجيش الهندي عملياته في جامو كشمير بعد إعلان القرار الباطل والأمر الواقع؛ بات الضغط على الشعب هناك أكثر كثافة، كما تم اعتقال جميع رؤساء وأعضاء الأحزاب المحلية في تلك المنطقة.

حينها لم نسمع صوتًا صريحًا عادلًا إزاء هذه الممارسات، حتى خرج الرئيس أردوغان في قاعة الأمم المتحدة، ليعلن أمام العالم أنه لا يمكن القبول بهذا القرار الذي اتخذته الهند، وأن المجازر الجماعية التي تحصل هناك، فضلًا عن التعذيب والانتهاك الصارخ لحقوق الإنسان؛ يجب أن تكون مسألة وقضية العالم بأسره. وبينما كان الرئيس أردوغان آنذاك يتحدث عن أزمات العالم التي لم يتطرق لها أحد، كان مبدأ “العالم أكبر من خمسة” يصدح بأعلى صوته.

وبينما كان الرئيس أردوغان يتحدث بذلك في قاعة الأمم المتحدة التي هي أهم منصة عالمية، كانت منظمات المجتمع ومؤسسات التفكير التركية تؤدي وظيفتها أيضًا. إن معهد التفكير الاستراتيجي قام بتنظيم أكبر اجتماع حتى الآن من حيث استيعابه لأزمة كشمير، وقد عمل على إيصال القضية إلى أجندة العالم بأسره، على مدار يومين كاملين من الطرح الشامل.

خلال المؤتمر، أوضح رئيس آزاد جامو وكشمير، سردار مسعود خان، أن ما يحصل في كشمير هو إبادة جماعية بصمت، وأن هذا الصمت يتم عبر الضغط المطبق على كافة وسائل التواصل من قبل قوات الاحتلال الهندي هناك، قائلًا بأنهم لن ينجحوا في إخفاء جرائمهم ضد الإنسانية، مهما حاولوا أن يفعلوا.

“لقد سيق ١٣ ألف شاب كشميري نحو سجون ذات وضع سيء للغاية في شمال الهند، وفجأة اختفوا تمامًا ولم نعد نعرف عنهم أي شيء وما حلّ بهم. يقومون بجمع الناس بشكل تعسفي من الشوارع، هناك إبادة تحصل.

في الحقيقة نحن نمرّ بمراحل مختلفة من هذه الإبادة، الآن يتم لصق تهمة الإرهاب بكل شاب كشميري، ويتم النظر لكل فتاة كشميرية كهدية ومكافأة يتم رميها نحو قوات الاحتلال الهندية الغاشمة. إنهم يمارسون كل قذاراتهم المنحطة على أجساد النساء الكشميريات، كما يتم اغتصابهن بشكل جماعي من قبل تلك القوات الغاشمة”.

تسكت الصوات وتهمد بينما تتم ممارسة أفظع انتهاكات حقوق الإنسان بحق هذا الشعب، من قتل وتعذيب واغتصاب. إلا أن هذا الصوت المخفي نراه يعود مجدّدًا من تركيا، من أنقرة وبشكل مرتفع. إن تركيا وحدها تكون صوت المظلومين، دون وضع حساب لأي أحد ماذا سيقول، ودون الاكتراث بما تقتضيه التوازنات من عدمها.

“إذن هذا هو الفرق بين تركيا التي يديرها أردوغان. بكل خطاباته وكلماته يثبت أنه صوت المضطهدين في العالم”؛ يقول ذلك صديقي الجزائري بكل حماس، ثم يضيف قائلًا “آه، لو أنّ الدول الإسلامية تبدي ولو حدًّا أدنى من التعاون في بعض القضايا. مثلًا؛ لو كانت الدول الإسلامية في مقدمة قضية كشمير وهي صادقة متآلفة، لما كانت الهند ستجرأ على أن تفعل ما فعلت. نفس الشيء ينطبق على ما يجري في ميانمار من اضطهاد، لو أن بعض دول الخليج تحركت بإمكانياتها وعلاقاتها لانتهى ما يجري خلال ساعة فقط، لكنهم لا يريدونه أن ينتهي، إنهم يفضلون أن يكونوا شركاء في الجريمة ذاتها”.

لماذا يا ترى؟.

.

ياسين اكتاي بواسطة / ياسين اكتاي

2 تعليقات
  1. تركان يقول

    امريكا و اوربا المنافقين صياحتهم عالية لحماية الارهابيون المخربون لبلادنا . لكن لا نسمع لهم صوت عند قتل المسلمين في كشمير و الصين و اليمن و الفلسطين و المناطق الاخرى في العالم.

  2. يوسف الغزاوي يقول

    سوريا اقرب من كشمير . فياليتكم تستمعون لصراخ السوريين فهم اقرب . ومذلك صراخ الغزاويين بسبب حلفائكم اليهود فهم ايضا اقرب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.