انتشر في الآونة الأخيرة فيديو لنائبات في البرلمان التركي وهن يرددن أغنية «المغتصب هو أنت» التي تدين العنف ضد المرأة، بينما يحمل زملاء لهن في الخلف صور نساء كن ضحايا لجرائم العنف الأسري في البلاد.
إلا أن تلك الأغنية التي رددتها النائبات ما هي إلا نسخة تركية عن أغنية انطلقت من تشيلي بعنوان Un Violador en tu Camino وانتشرت لتؤديها نساء أمام مؤسسات حكومية وهن يضعن عصابات على أعينهن في الولايات المتحدة، والمكسيك، وكولومبيا، وفرنسا، وإسبانيا، والمملكة المتحدة، وكينيا، وتونس، فما هي قصتها؟ وما علاقتها بالسياسة والقضاء؟ وكيف أصبحت «ترنيمة» ضد العنف الجنسي في سائر أنحاء العالم؟
“المغتصب هو أنت”.. من تشيلي إلى كل أنحاء العالم
تم تقديم أغنية «المغتصب هو أنت» أو «مغتصب في طريقك» لأول مرة في العاصمة التشيلية سانتياغو من قبل حركة نسوية تدعى Lastesis.
الناشطات اخترن إطلاق حملتهن بالتزامن مع اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة في 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، إثر الاحتجاجات التي اجتاحت تشيلي بسبب عدم المساواة الاجتماعية والتمييز على أساس الجنس والجرائم التي تتعرض لها النساء من اغتصاب وتحرش وعنف أسري.
وقد كان هدف منظمات الاحتجاج الحصول على اعتراف من المجتمع بأن العنف ليس خطأ المرأة، وأن المعتدي هو من يجب أن يشعر بالإذلال والألم والعار وليست النساء اللواتي انتهكت أجسادهن.
والأمر بالنسبة لهن ليس مجرد أغنية وحركات راقصة بل يعتبرن أن ظهورهن في الأماكن العامة بهذه القوة إنجازاً عظيماً.
تركز كلمات الأغنية على دور القانون في التقصير بحق الضحايا وعمله على حماية المعتدين وانتشار ممارسات مناهضة لحقوق المرأة مثل العنف الأسري والجنسي والتحرش، وقد استمدت منظمات الحركة فكرة ربط الاغتصاب بالسياسة والقضاء من البحوث النظرية التي قدمتها الباحثة الأرجنتينية ريتا سيغاتو التي تجادل بأن العنف الجنسي هو مشكلة سياسية بالمقام الأول في دراساتها الرائدة حول الاغتصاب.
“عبودية جنسية” دفعت ريتا لشن حرب ضد القضاء
وصفت الأرجنينية ريتا سيغاتو بأنها واحدة من أكثر علماء الأنثروبولوجيا النسوية شهرة في أمريكا اللاتينية.
وهي أكاديمية تدرّس حقوق الإنسان لطلاب الدراسات العليا، بالإضافة إلى أنها تجري أبحاثاً في مجالات العنف بين الجنسين.
ولعل أكثر القصص التي أثرت في ريتا وحثتها على متابعة أبحاثها في مثل هذه القضايا، وجعلتها تربط بين العنف الجسدي بالسياسة والقانون هي المعركة الفاشلة التي خاضتها ضد واحد من كبار الضباط في قاعدة عسكرية في غواتيمالا، حيث اتهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية نتيجة لاحتجاز 14 امرأة وإجبارهن على ممارسة الجنس وإخضاعهن لما يشبه العبودية.
كانت ريتا الخبيرة المتخصصة آنذاك التي كلفت بالاستماع لشهادات تلك النساء اللواتي لم تنصفهن المحكمة، بل أطلقت سراح المعتدي عليهن بسبب مكانته السياسية.
بعد تلك الحادثة كثفت ريتا نشاطاتها المتعلقة بحقوق المرأة مركزة على دور القانون والسياسة بتفاقم مشاكل النساء حول العالم بدلاً من حمايتهن.
نائب يستمني في سيارته ينقل “المغتصب هو أنت” إلى تونس
وصل صدى أغنية «المغتصب هو أنت» إلى تونس أيضاً، حيث اجتمعت حوالي 60 امرأة تونسية أمام مقر الحكومة، ورددن الأغنية في 14 ديسمبر/كانون الأول 2019.
لكن لم تكن تلك الوقفة الاحتجاجية فقط للتضامن مع النساء في تشيلي وسائر أنحاء العالم، بل تم تنظيمها كذلك إثر اتهام نائب تونسي منتخب حديثاً بالاستمناء في سيارته أمام معهد ثانوي للفتيات.
لكن النائب زهير مخلوف، قال إنه مصاب بالسكري، وكان يستخدم قارورة ماء للتبول داخل سيارته، وأخلي سبيله بعد إخضاعه للتحقيق بتهمتي التحرش الجنسي والمجاهرة بما ينافي الحياء.
كلمات أغنية “المغتصب هو أنت”
المجتمع الذكوري يقاضينا.. لمجرد أننا ولدنا نساء
وعقوبتنا هي: العنف الذي لا تراه
النساء تُقتل
والجاني يفلت من العقوبة
في حالات الاختفاء القسري أو الاغتصاب
لست أنا المخطئة، لا تلق اللوم علي أو على المكان الذي كنت فيه، أو على اللباس الذي كنت أرتديه
المغتصب هو أنت
المغتصب هو أنت
المغتصبون هم الشرطة
والقضاة
والحكومة
والرئيس
الحكومة الظالمة مغتصبة
المغتصب هو أنت
نامي بهدوء أيتها الفتاة البريئة
دون القلق من قطاع الطرق
فهناك من يحرس أحلامك الجميلة
المغتصب هو أنت
المغتصب هو أنت
الاغتصاب تهمة يتغاضى عنها القانون في العديد من البلدان
وبالنظر إلى ميل الأنظمة القضائية والمجتمعات لإلقاء اللوم على الضحية بدلاً من الجاني، فإن الناشطات اللنسويات المنتميات لحركة Lastesis قررن توجيه اللوم إلى الجهات الحكومية والقانونية في المقام الأول، لذلك نجد أن أغنية «المغتصب هو أنت» قد اتهمت رجال الشرطة والقضاء بل وحتى الرؤساء بالتواطؤ والسكوت عن الجرائم التي تحدث بحق النساء بل والمشاركة فيها في بعض الأحيان.
ففي تشيلي على سبيل المثال لا الحصر يتم الإبلاغ عن 42 حالة اغتصاب يومياً، إلا أن القضاء ينصف 8% من الحالات فقط تم فيها إدانة الجاني في عام 2018 وفقاً للإحصاءات الحكومية التي جمعتها شبكة تشيلي ضد العنف ضد نساء.
وفي السلفادور تتم محاكمة النساء بسبب الإجهاض، حتى أولئك اللواتي تعرضن للاغتصاب، أما الهند فقد شهدت موجة من الاحتجاجات نتيجة تزايد العنف ضد المرأة بما في ذلك عمليات الاغتصاب والقتل.
وفي المكسيك تزايدت في السنوات السبع الماضية حوادث قتل النساء بشكل ملحوظ، إذ يتم حل جريمة واحدة فقط من بين كل 10 جرائم وفقاً للمرصد الوطني المعني بجرائم قتل النساء، فضلاً عن ظهور العديد من التقارير التي تتحدث عن العديد من حالات الاغتصاب المزعومة على أيدي ضباط الشرطة.
أما في الولايات المتحدة فقد قدم مشرعو ولاية أوهايو مؤخراً مشروع قانون يمنع الإجهاض كذلك.
كل ذلك يفسر تحول أغنية «المغتصب هو أنت» الاحتجاجية إلى ظاهرة عالمية.
.
المصدر/ arabicpost