الزلازل في القرآن الكريم
(1) زلازل الدنيا وزلزال الآخرة:
الإلف حجاب، بمعنى أن الإنسان قد لا يتوقف متأملاً الأشياء التي ألفها حتى يحدث انقلابًا في معهود الأشياء، حينئذ يشعر الإنسان بحقيقة نعم الله. لنأخذ الزلازل على سبيل التوضيح، حيث نجد أن الناس لا يحسون بنعمة قرار الأرض إلا حينما تميد الأرض من تحتهم.
وهنا يشعر الجميع بضعفهم الشديد أمام قوة الله التي لا يحدها حدود، فيعلمون أن قرارهم على الأرض مرهون بعناية الله لهم، فيتأكدون أن القوة لله جميعًا، أمام ضربات الزلازل، تعجز قوة البشر مهم تعاظمت، حيث تأتي الضربات بياتًا أو نهارًا.
وتأتي الزلازل بغتة فلا يفيد التنبؤ في الفرار منها، وكم من مرة تنبأ فيها العلماء بوقوع الزلازل ولم تقع. والزلزلة والزلزال كلمتان توحيان بالرهبة الشديدة، والانقلاب الحاد في معهود الأشياء من فُجاءة الموت ودمار الممتلكات. والناس بعد زلازل الدنيا، يسرعون لإنقاذ من تضرروا من آثار كارثة الزلزال، وربما ينجحون في إنقاذ أنفسٍ قد قاربت على الهلاك.
يهرعون طالبين النجدة من بعضهم البعض، فمن يعينهم يوم القيامة حينما تتقطع بهم الأسباب. ولا تضرب زلازل الدنيا الأرض كلها في وقت واحد، أما زلزال الآخرة فيضرب الأرض ضربة تُرج بها رجًّا، وتخرج الأرض بها أثقالها، وأثقال الأرض حديد ونيكل مصهوران، صهارة وحميم.
وإذا كان الناس يمشون على سطح الأرض بعد حدوث الزلازل، فكيف يكون حالهم عند حدوث زلزال الآخرة، في وقت تكون أثقال الأرض قد خرجت من جوفها وما يصاحبها من حرارة شديدة.
وعقب زلزال الدنيا يقف الناس ليصلحوا ما أفسده الزلزال، أما بعد زلزال الساعة فتوضع الموازين القسط، والوزن حينئذ بمثقال الذرة. يقول تعالى: ﴿ إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا * يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ * فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ [الزلزلة: 1-8 ].
فيا أيها الناس زلزال الدنيا بمثابة رسالة تحذير من ربكم، والساعة سوف تأتيكم بغتة وأنتم لا تشعرون.. ومهما تعاظمت زلازل الدنيا، فإن قارئ القرآن يعلم أن الأدهى والأمر هو زلزال الساعة.
زلزلة تنسي الوالدة رضيعها، زلزلة ترى الناس سكارى دون أن يتعاطوا خمرًا؛ يقول سبحانه وتعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ﴾ [الحج: 1- 2 ]. والزلزلة والزلزال ابتلاء للمؤمنين ونذير للكافرين. والزلازل جند من جنود الله يهلك به من يشاء ويصرفه عمن يشاء.
مصطلحات علم الزلازل في القرآن:
ترد في القرآن الكريم في معرض الحديث عن الزلازل مصطلحات غاية في الدقة، ونتناول هنا كلمات وآيات القرآن الكريم حول الزلازل:
أ – الكلمات:
الزلزلة:
زلزال الأرض:
الرجفة:
الراجفة:
الرادفة:
الصيحة:
الخسف:
الصدع:
ب- الآيات:
يقول تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ﴾ [الحج: 1- 2]، ويقول أيضًا: ﴿ إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا ﴾ [الزلزلة: 1: 5]، وقد وردت مفردات علم الزلازل في العديد من آيات القرآن الكريم.
1- الرجفة:
يقول تعالى: ﴿ يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَّهِيلًا ﴾ [المزمل: 14]، ﴿ يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ * تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ ﴾ [النازعات: 5 – 6]، ﴿ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ * الَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْبًا كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْبًا كَانُواْ هُمُ الْخَاسِرِينَ ﴾ “[الأعراف: 91 – 92]، ﴿ وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاء وَتَهْدِي مَن تَشَاء أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا َأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ ﴾ [الأعراف: 155]، ﴿ وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ * فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ ﴾ [العنكبوت: 36، 37].
2- الصيحة:
يقول تعالى: ﴿ وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ * كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا أَلاَ إِنَّ ثَمُودَ كَفرُواْ رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْدًا لِّثَمُودَ ﴾ [هود: 67 –68]، ﴿ وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ * وَآتَيْنَاهُمْ آيَاتِنَا فَكَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ * وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ * فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ ﴾ [الحجر: 80 – 83]، ويقول أيضًا ﴿ وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مَّنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ ﴾ [هود: 94 ].
وكما أهلك الله ثمود وقوم شعيب بالرجفة، فقد أهلكهم أيضًا بالصيحة، وفيهذا إفادة على أن الرجفة صاحبها صيحة، وهذا ما توصل اليه علم الزلازل. ومن عجيب كمال القرآن أن تجمع صنوف الهلاك في شطر من آية، حيث يقول تعالى: ﴿ فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ [ العنكبوت: 40].
3- الخسف:
يقول تعالى: ﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ ﴾ [القصص: 81]، ﴿ إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ ﴾ [سبأ: 9]، ﴿ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ ﴾ [العنكبوت: 40]، ﴿ أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُواْ السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللّهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ ﴾ [النحل: 45]، ﴿ أَفَأَمِنتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ ﴾ [الإسراء: 68]، ﴿ أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ ﴾ [الملك: 16 ].
4- الصدع:
يقول تعالى: ﴿ لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ﴾ [الحشر: 21]، ﴿ وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ ﴾ [الطارق: 12 ].
تمثل العناصر السابق ذكرها اهم مفردات علم الزلازل الحديث: وتلك العناصر هي الزلزلة والرجفة والصيحة والخسف والصدع. وقبل تبيان أوجه الإعجاز العلمي نشير إلى معاني العناصر السابقة في ضوء القرآن وعلم الزلازل:
من أقوال المفسرين:
أولاً: زلزلة الساعة: الزلزلة شدة الحركة، وأصل الكلمة من زل عن الموضع؛ أي:
زال عنه وتحرك، وهذه اللفظة تستعمل في تهويل الشيء، والزلزلة المعروفة من أشراط الساعة، وزلزلة الساعة كائنة في عمر آخر الدنيا وأول أحوال الساعة، و﴿ إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا ﴾”؛ أي: تحركت من أسفلها كما قال ابن عباس، وحركت من أصلها. و﴿ وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا ﴾ أي كنوزها كما ذكر في الحديث: تلقي الأرض أفلاذ كبدها أمثال الأسطوان من الذهب والفضة…”.
ثانيًا الرجفة: ترجف الأرض؛ أي:
تتحرك وتضطرب بمن عليها، وقيل تزلزل، وأضاف المفسرون إلى الحركة الصوت، فأصبحت الرجفة حركة مصحوبة بالصوت، والرجفة التي أخذت قوم شعيب فسرت بالزلزلة، وقيل الصيحة، أصابهم عذاب يوم الظلة، وهي سحابة أظلتهم، فيها شر من نار ولهب، ووهج عظيم، ثم جاءتهم صيحة من السماء ورجفة من الأرض شديدة من أسفل منهم، والرجفة التي أخذت السبعين رجلاً من قوم موسى، فُسرت على أنها الزلزلة الشديدة وقيل: الصاعقة، والرجفة بمعنى الزلزلة الشديدة أيضًا مع الصيحة الشديدة كانت وراء هلاك ثمود.
ثالثًا: الصيحة: قال ابن عباس:
ما أهلك الله أمتين بعذاب واحد إلا قوم صالح وقوم شعيب، أهلكهم الله بالصيحة؛ غير أن قوم صالح أخذتهم الصيحة من تحتهم، وقوم شعيب أخذتهم الصيحة من فوقهم، وفي الأعراف أتت الرجفة قوم شعيب، وفي الخسف: خَسَفَ المكان: ذهب به في الأرض، وخسف الله به الأرض؛ أي: غاب به فيها.
ثبت في الصحيح عند البخاري أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: “بينما رجل ممن كان قبلكم خرج في بردين أخضرين يختال فيهما أمر الله الأرض فأخذته فإنه ليتجلجل فيها إلى يوم القيامة “. والخسف النقصان.
المصدر: شبكة ألوكة / تركيا الآن.