“كورونا” يدخل على خط الكيد السياسي لتركيا

من الطريف أن الصحيفة السعودية قد نقلت في جسم التقرير ما يُعتبر تقريرًا لهذا الاهتمام، إذ تضمن مقتطفات من تصريحات وزير الصحي التركي، جاء في بعضها: ” دول الجوار ودول الاتحاد الأوروبي لا تطبق التدابير الصارمة التي تتخذها تركيا”.
فإذا كانت تركيا تولي أبناءها المقيمين في الخارج هذا الاهتمام، فما هو مقدار وشكل هذا الاهتمام بالداخل التركي؟

إذا كانت السلطات الصحية التركية قد أعلنت رسميًا اكتشاف أول إصابة بفيروس كورونا في 10 مارس/آذار، وإذا كان وزير الصحة التركي قد أعلن بلوغ حالات الإصابة إلى ست حالات في 15 مارس/آذار، فهل يبقى مع ذلك مجال للقول بأن تركيا تمارس الخديعة مع مواطنيها وتتكتم على تعداد المصابين؟

بل السؤال الذي يجد لنفسه مكانًا في ساحة الرد على هذه الإدعاءات: ما الذي يدعو تركيا لإخفاء الحقائق حول الإصابات؟

سؤالٌ لا تكترث له صحف ووسائل إعلام وضعت على رأس أجندتها الإعلامية تشويه صورة تركيا في أوساط المجتمعات العربية، وتمعن في إبداء هذه الرغبة بإطلاق جوقة من المغردين للعزف على ذات الوتر المهترئ: تركيا تخفي حالات الإصابة بفيروس كورونا المستجد.

وعلى سبيل المثال لا الحصر، نشرت صحيفة الرياض السعودية في 11 مارس/آذار، تقريرًا يحمل عنوان “هل تخفي تركيا إصابات كورونا؟”، لكن التقرير لم يكد يمهل القارئ التفكير في الإجابة حتى أتبعه بتساؤل آخر يتضمن تأكيدًا وإقرارًا بهذه الفرية، حيث تساءل في لهجة مُغلفة بالدهشة المصطنعة عن كيفية عدم انتشار الفيروس في بلد مثل تركيا يستقبل 50 مليون سائح سنويًا”.

ربما يتلاشى هذا الادعاء عند القول بأن تركيا معروف عنها أنها دولة مؤسسات، وليست قبيلة يحكمها شيخ أو عائلة، وحجم الرقابة على الجهاز التنفيذي كبير وصارم من قبل جهات مختلفة، فليست مثل هذه القضايا ببعيد عن أعين نواب المعارضة، ولا الصحف ووسائل الإعلام متعددة الاتجاهات والميول، ولا الإعلام البديل المتمثل في وسائل التواصل الاجتماعي، فضلًا عن أعين الصحافة الأجنبية، فكيف يتسنى للسلطات الصحية إخفاء الحقيقة عن مصابي كورونا في ظل هذه الرقابة؟

ولا زلنا مع السؤال ذاته: ما الذي يدعو تركيا لإخفاء الحقائق حول الإصابات؟

هل سيعد الاعتراف بالإصابات مؤشرًا لضعف الحكومة التركية فامتنعت عنه؟

حتمًا لا، فأقوى دول العالم تقر بالإصابات وسبل التعامل معها، الصين، والولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي.

فهل تتكتم الحكومة التركية على حجم الإصابات خوفًا على السياحة؟

الواقع أن القول بهذا استخفاف بالعقول، لأن العالم يعيش في حالة من الرعب، وإجراءات الاحتراز أخذت شكل الهستيريا، فهل ينتظر أن تنشط حركة السياحة إلى أي دولة مهما كان حجم الإصابات فيها ضعيفًا؟

أضف إلى ذلك أن تركيا جزءٌ منها واقع في أوروبا، والتي أصبحت بؤرة جديدة للفيروس بحسب وصف وسائل الإعلام، فهل يشجع ذلك حركة السياحة إليها مهما أخفت الأعداد الحقيقية للمصابين؟

ثم يتلاشى هذا الادعاء أكثر عندما نرى حجم التدابير الاحترازية التي تقوم بها الجهات المعنية في تركيا للتعامل مع هذا الوباء، وهي إجراءات تثبت أن تركيا لا تعمل على إخفاء الحقائق من ناحية، ومن ناحية أخرى تبرز مدى اهتمام الدولة بالأزمة والعمل على احتوائها.

ومن الطريف أن الصحيفة السعودية قد نقلت في جسم التقرير ما يُعتبر تقريرًا لهذا الاهتمام، إذ تضمن مقتطفات من تصريحات وزير الصحي التركي، جاء في بعضها: ” دول الجوار ودول الاتحاد الأوروبي لا تطبق التدابير الصارمة التي تتخذها تركيا”.

وقد يغني عن الاستطراد في ذكر هذه التدابير، الإشارة إلى الاهتمام غير المحدود والمتابعة الدقيقة من قبل الجهات المعنية في تركيا لأوضاع رعاياها في الخارج، بتخصيص أرقام متاحة على مدار الساعة طيلة أيام الأسبوع، لتقديم الدعم والمساعدة للأتراك في جميع أنحاء العالم.

وأبلغ من ذلك، إنشاء وزارة الخارجية التركية مركزًا لـ “إدارة الأزمات” بغرض تقديم المساعدة للمواطنين الأتراك المقيمين في الخارج، مع تحديد مهلة لعودتهم من 11 دولة أوروبية فرضت عليها حظرًا للسفر، على أن يخضعوا بعد عودتهم لحجر صحي مدته 14 يومًا.

فإذا كانت تركيا تولي أبناءها المقيمين في الخارج هذا الاهتمام، فما هو مقدار وشكل هذا الاهتمام بالداخل التركي؟

 

.

المصدر/A.A

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.