سلطت شبكة “سي أن أن” الأمريكية، الضوء على استراتيجية تركيا في مكافحة فيروس كورونا المستجد.
وقالت الشبكة الأمريكية في تقرير لها، إن مشهد تحليق أسراب الحمام المقيم في ميدان تقسيم – وهي التي كانت بطونها في العادة ممتلئة بفضل أكواب الحبوب التي كان يلقي بها لها الأطفال في الميدان – وتهبط بلا معيق على رؤوس الأعداد القليلة من المارة، وهم في الأغلب من رجال الشرطة أو الصحفيين، كما لو كان مشهداً من فيلم الرعب “الطيور” لمخرجه هيتشكوك، وليس واحداً من ميادين إسطنبول الأكثر ازدحاماً، والذي يزخر عادة بالأتراك والسياح على قدم سواء.
ولكن، لا يوجد ما هو معتاد أو طبيعي عندما يتعلق الأمر بتأثير وباء كوفيد 19 على العالم أجمع.
حظر التجوال نهاية الأسبوع
وأشارت إلى أنه في نهاية الأسبوع الماضي، طبقت الحكومة التركية حظراً للتجول لمدة 48 ساعة في 31 ولاية، الأمر الذي مس ما لا يقل عن ثلاثة أرباع سكان تركيا.
وأضاف، أنه خلال الأسبوع، يشمل قرار البقاء في البيوت فقط من هم دون العشرين أو فوق الخامسة والستين من العمر. جميع المواطنين الآخرين يسمح لهم نظرياً بالخروج، رغم أن الكثير من المؤسسات التجارية الصغيرة مغلقة، والمطاعم مفتوحة فقط لتوفير خدمة التوصيل أو الاستلام، والحدائق العامة محظورة والمصارف تعمل لساعات محدودة.
ولفتت إلى أنه في مقابل ذلك، تعمل المشاريع الإنشائية بكامل طاقتها، وكذلك المصانع والشركات التي ليس لديها الاستعداد لتكبد ضربة اقتصادية.
الإغلاق الجزئي
ونقلت الشبكة الأمريكية، عن بعض الخبراء أكدوا أن الإغلاق الجزئي على النمط التركي مرشح للنجاح – طالما أن من هم أكثر ضعفاً وعرضة يحصلون على الحماية، وأن من يخرجون من بيوتهم يتقيدون باتباع إرشادات السلامة المناسبة.
وأوضحت أنها استراتيجية بديلة، كما يقول الدكتور محمد منير، إختصاصي الفيروسات في جامعة لانكستر ببريطانيا، موضحا أن خروج الأصحاء للتبضع الروتيني لا يسبب بالضرورة أي أذى.
وأضاف، أن الفائدة الوحيدة من الإغلاق هي تباطؤ انتشار المرض، وبذلك يخف الضغط عن المستشفيات.”
إلا أن الدكتور جيريمي روسمان، المحاضر في علم الفيروسات في جامعة كينت، يقول إن الأمر صعب إذا ما أخذنا بالاعتبار عدد الحالات التي تعلن عنها تركيا يوميا، وذلك أن الإغلاقات الجزئية تكون في واقع الأمر فعالة فقط حينما يتم اللجوء إليها مبكراً حينما يكون مستوى الإصابات في البلد منخفضاً، أو عندما يكون البلد قد وصل إلى ذروته وبدأ يخرج من حالة الإغلاق التام.
وتابع: “عند مستوى ما تشهده تركيا من إصابات، معظم البلدان تلجأ إلى تطبيق إغلاق تام. يمكن للإغلاق الجزئي أن يكون حسناً، حيث يحدث توازناً بين الإبقاء على قطاع من الاقتصاد فاعلاً وبين السعي لاحتواء الوباء. ولكن نجاعة ذلك تتوقف على مدى التزام السكان بالتوجيهات وعلى مدى الالتزام بالمباعدة الاجتماعية، والحفاظ على نظافة اليدين داخل أماكن العمل. بينما إذا أخذنا بالاعتبار معدلات الإصابة الحالية في تركيا، فثمة مخاطرة، حيث قد لا تكون هذه الإجراءات كافية”.
وتأتي تركيا ضمن قائمة أعلى عشر دول في العالم من حيث عدد حالات الإصابة المؤكدة بفيروس كورونا، وحصيلة الإصابات فيها تتزايد بأكثر من 4000 حالة في اليوم الواحد. إلا أن معدل الوفيات هنا أقل بكثير مما هو عليه في أي مكان آخر – وهو الأمر الذي أثار استغراباً في كثير من الأوساط.
وتقول الجمعية الطبية التركية، إن الإحصاءات الرسمية لأعداد الوفيات بسبب فيروس كورونا لا تتضمن تلك الحالات التي تشير بقوة إلى كوفيد 19، ولكن نتيجة فحصها للفيروس كانت سالبة.
وقالت الجمعية الطبية التركية في تقرير صادر عنها: “يقول الأطباء التابعون لجمعيتنا أنه حتى في الحالات التي يثبت فحص سي تي سكان، أو الاختبارات السريرية وجود المرض، فإذا ما كانت نتيجة اختبار بيه سي آر غير إيجابية، وتوفي المريض، فإنه لا يحسب ضمن وفيات كوفيد 19″.
و”السي تي سكان” عبارة عن فحوص بالتصوير، بينما “بيه سي آر” عبارة عن اختبار يستخدم للكشف عن “الآر إن إيه” الخاص بالفيروس.
ويقول وزير الصحة التركي فخر الدين قوجة، إن انخفاض معدل الوفيات في تركيا بسبب الفيروس – الذي لا يزيد إلا قليلاً عن 2 بالمائة – مرجعه مرافق الرعاية الصحية الكبيرة في البلد، وكذلك منهجية العلاج المتبعة، والتي تختلف عما هو متبع في البلدان الأخرى.
تعقب المخالطة
ويقول قوجة إنه على النقيض من البلدان الأخرى، فإن مقاربة تركيا في مكافحة كوفيد 19 تتركز على تعقب المخالطة، بدلاً من الاختبار العام أو الاختبار بعد الأعراض السريرية.
كما أنهم يؤجلون التنبيب عبر استخدام أكسجين عالي التردد لمدة أطول من الزمن، والذي يقول إنه أعطى نتائج أفضل.
وقال قوجة، إن تركيا بدأت في وقت مبكر، وقبل كثير من الدول منذ تفشي كوفيد 19، باستخدام عقار هايدروكسي كلوروكين المستخدم في علاج الملاريا، والعقار الياباني المضاد للفيروسات بافيبيرافير.
إلا أن الدكتور منير من جامعة لانكستر واحد من كثير من الخبراء في مجال الطب، الذين يعارضون استخدام العقار الخاص بعلاج الملاريا.
ويقول في ذلك، إن مخاطر الأعراض الجانبية أكبر بكثير من الفوائد المحتملة التي قد تنجم عن استخدام عقار هايدروكسي كلوروكين.
وأوضح شارحا ذلك: “ليس للعلاج أثر يذكر. وفيما يتعلق بعقار هايدروكسي كلوروكين، قد يكون المرضى قد تعافوا من كوفيد 19 في كل الأحوال، ولكن قد يجدون بعد عام أن مشاكل القلب تعود إليهم وقد يصاب بعضهم بالعمى. وهذا هو السبب في عدم وجود دليل كاف للموافقة على إجازة استخدام هذه العقاقير على نطاق واسع.”
بدوره قال الدكتور نوري آيدين، رئيس كلية الطب في جامعة جراح باشا في إسطنبول – أحد المستشفيات الرائدة في مكافحة تركيا للوباء: “إننا نحاول إنقاذ حياة الناس. ما رأيناه هو أن الوقت الذي يقضيه المرضى داخل غرف العناية المركزة يتضاءل عندما يتناولون عقار هايدروكسي كلوروكين قبل أن يصلوا مرحلة الحاجة إلى الإدخال في غرف العناية المركزة.”
وأوضح آيدين، أنه لا يوجد لديهم ما يكفي بعد من البيانات لنشر ما توصلوا إليه من نتائج وأن “الزمن سيظهر لنا النتائج الحقيقية”.
وأشار إلى أنهم يقومون بشيء آخر بشكل مختلف: “فبدلا من أن يتركوا المرضى يستلقون على ظهورهم ووجوههم إلى أعلى، يحرصون على أن يكونوا في وضع بحيث تكون وجوههم إلى أسفل”.
وأكد على أن ذلك أفضى إلى نتائج إيجابية أيضا، كما بدأت تركيا في استخدام البلازما المأخوذة من المرضى الذين أصيبوا بالمرض، وحقنها في أولئك الذين مازالوا يصارعون ضده.
السياحة الطبية
وتقول الحكومة إنه مازال لديها سعة كبيرة في وحدات العناية المركزة، وأنه لا يوجد لديها نقص في أسرة المستشفيات، وأن تركيا، التي لم تعلن عن أولى حالاتها إلا في منتصف شهر أذار/ مارس، كان لديها من الوقت ما يكفي للإعداد. وبالفعل، يوجد لديها تركيا منظومة صحية جيدة جداً لدرجة أن البلد أصبح وجهة للسياحة الطبية.
تطوير لبرامج التصنيع وتوزيع الكمامات
واستجابة لوباء كوفيد 19، سارعت البلد إلى تطوير برامج لتصنيع وتوزيع معدات الحماية الشخصية ليس فقط داخل تركيا ذاتها بل وفي الخارج كذلك، وبعثت بشحنات محملة بهذه المعدات إلى ما يزيد عن ثلاثين بلدا بما في ذلك بريطانيا وإسبانيا وإيطاليا.
ولربما يقصد من هذه البادرة التضامنية، ومن إبداء حسن النية، إعادة بناء علاقات تركيا الهشة مع حلفائها في حلف شمال الأطلسي (الناتو).
كما تم تحويل المدارس المهنية التابعة لوزارة التربية في إسطنبول وفي غيرها من المناطق إلى ورشات لتصنيع الأقنعة (الكمامات)، والملابس التي تغطي البدن بأكمله ومراييل الجراحة للاستخدام داخل البلد.
وفي غير ذلك من الورش يتم تصنيع الدروع الواقية للوجه والمواد المطهرة من الجراثيم، ومعقمات الأيدي وغير ذلك من مواد التنظيف الأساسية. وبات ارتداء الكمامات إلزامياً في الأماكن العامة مثل الأسواق، ولكنها لم تعد تباع في أي مكان.
خدمات للمنازل
وتم حظر ذلك، لأن الحكومة توزع الكمامات مجاناً في الصيدليات أو يتم توصيلها إلى منازل من لا يتمكنون من الخروج من بيوتهم.
ولفت التقرير إلى أن تركيا تخفف عبء الوباء عن أولئك الذين يتحتم عليهم البقاء داخل بيوتهم، وذلك من خلال إرسال المتطوعين وأفراد الشرطة إليهم، ويطرقون أبوابهم للتأكد من أن الضعفاء من الناس يحصلون على ما يحتاجون إليه من خدمات.
وتتواجد مراكز الاتصال المعروفة باسم “أتشيك كابي” – أي الباب المفتوح – في كل حي، حيث يتمكن كبار السن من المواطنين ممن يُلزمون بالبقاء داخل بيوتهم من الاتصال وطلب أي شيء يحتاجونه من توصيل المشتريات من محال البقالة، ومن الصيدليات، وحتى توصيل مخصصات تقاعدهم الشهرية النقدية.
منطقة أيوب واحدة من أحياء إسطنبول ذات الكثافة السكانية، حيث لا يتوقف جرس الهاتف عن الرنين.
وتم تكليف كل من سردار كاراكوس، وهو مساعد مدير مدرسة، وأوغور أويان، وهو إمام مسجد في أحد الأحياء، بسحب أموال التقاعد للناس وتوصيلها إلى المواطنين الذين يطلبون تلك الخدمة.
كلاهما يقومان بهذا العمل تطوعاً، بل كلاهما يقولان إنهما يقومان بهذا العمل أداء للواجب تجاه بلدهما وشعبهما.
ويقول كاراكوس: “والداي مسنان. أعيش أنا في إسطنبول ويعيشان هما في مانتايا. وهما حيث يقيمان يستفيدان من هذه الخدمة لأنني لست معهما حتى أقوم على خدمتهما. ولكن يوجد شخص آخر يقوم بذلك. ولذلك، حينما أسدي هذه الخدمة للمسنين هنا فكأنما أؤدي واجبي تجاه والدي.”
وبعد ساعات قليلة ننضم إلى مجموعة من رجال الشرطة، وهم يقومون بجولة لتوزيع الكمامات والكولونيا، وهي نوعية تركية تقليدية من مطهر اليدين تتكون من 80 بالمئة من الكحول، وعادة ما تكون بنكهة عطر الليمون.
.
المصدر/ arabi21